إعداد: مركز سيتا

يستعد الرئيس الأمريكي، جو بايدن، للاعتراف رسمياً بأن عمليات القتل والترحيل الممنهج لمئات الآلاف من الأرمن على يد الإمبراطورية العثمانية – منذ أكثر من قرن مضى – كانت “إبادة جماعية”، وفقاً لمسؤولين أمريكيين.

هذا الأمر، يثير الكثير من الحساسية لدى تركيا وذلك لعدة أسباب منها الأخلاقية، أي إرتكاب مجازر، والمالية، قد يكون هناك اتجاه لمطالبتها بتعويضات مالية عن القتل والتهجير.

أزمة جديدة

قد تحمل الساعات القادمة موجةً جديدةً من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، تضاف إلى جملة الاختلاف بين الرئيس بايدن ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، حيث اشارت تقارير إعلامية أمريكية أن الرئيس الأمريكي سيعترف بالمجازر التي طالت أكثر من مليون أرمني خلال الحرب العالمية الأولى على يد الإمبراطورية العثمانية واعتبارها إبادةً جماعية، إذ من المتوقع أن تفاقم هذه الخطوة التوتر مع الحليفة في حلف شمال الأطلسي – الناتو وتركيا، التي ترفض بشدة هذا التصنيف، على الرغم من أن عشرات الدول الأخرى، من بينها فرنسا وروسيا، قد تبنت هذا القرار.

ومن المنتظر أن يبصر الاعتراف الأمريكي النور في الذكرى الـ 106 للمجازر – التي بدأت العام 1915 عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تقاتل روسيا القيصرية في المنطقة التي يطلق عليها الآن إسم أرمينيا. يأتي ذلك بعدما أخطرت الولايات المتحدة، في وقتٍ سابق، تركيا رسمياً بإخراجها من برنامج الطائرات المقاتلة “إف – 35″، التي كانت نقطة اختلافٍ بين البلدين، بسبب حصول انقرة على منظومة الدفاع الجوي الروسية “إس – 400″، وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية – البنتاغون إن واشنطن أنهت مذكرة تفاهمٍ العام 2006، والتي سبق وأن وقعتها 9 دولٍ شريكة بما فيهن تركيا، ليعود الشركاء الـ 8 الباقون لتوقيع مذكرة تفاهم جديدة.

هل تتم التضحية بأنقرة؟

أكثر من 100 عضوٍ في الكونغرس الأمريكي بعثوا برسالةٍ إلى الرئيس بايدن، يحثونه فيها الوفاء بتعهده الذي يكمن في الاعتراف بالإبادة الأرمنية خلال حملته الانتخابية، وفي الجهة المقابلة، سبق وأن قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو في مقابلةٍ له مؤخراً بسبب الخوف من أن يستغل بايدن خطابه السبت للاعتراف بالإبادة الجماعية، إن “البيانات بدون التزامات قانونية، لن يكون لها أية فائدة، لكنها سوف تضر بالعلاقات وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تجعل العلاقات أكثر سوءاً، فإن هذا القرار يعود لها.”

يمكن أن تؤدي الخطوة المتوقعة – وهي أمر تعهد بايدن به عندما كان لا يزال مرشحاً لمنصب الرئاسة كما أشرنا أعلاه – إلى زيادة تعقيد العلاقة المتوترة بالفعل مع الرئيس أردوغان، حيث أنه وبالرغم من مرور 3 أشهر على وصول الرئيس الأمريكي إلى سدة الحكم لم يقم بلقائه أو حتى الإتصال به، إذ يصف بعض المراقبين العلاقة بأنها لا تزال “فاترة”.

في هذا الشأن، تحدث عدد من المسؤولين الأمريكيين، شريطة عدم الكشف عن هويتهم ومناقشتهم للمداولات الداخلية، عن ضغط من قبل المشرّعين والنشطاء الأرمن الأمريكيين على بايدن للإعلان عن قراره في أو قبل يوم ذكرى الإبادة الجماعية للأرمن. يكمن أحد الاحتمالات في أن يدرج بايدن الاعتراف بالإبادة الجماعية ضمن إعلان يوم الذكرى السنوي الذي يصدر عادة عن الرؤساء، على الرغم من أن أسلافه كانوا قد تجنبوا استخدام عبارة “الإبادة الجماعية” في إعلان إحياء ذكرى اللحظة المظلمة في التاريخ.

من هنا، بعث عدد من أعضاء مجلس النواب رسالة إلى بايدن تطالبه فيها بأن يصبح أول رئيس أمريكي يعترف رسمياً بفظائع حقبة الحرب العالمية الأولى على أنها إبادة جماعية. وتصدّر النائب الديمقراطي، آدم شيف من كاليفورنيا الرسالة، حيث كتب المشرعون “إن الصمت المخزي لحكومة الولايات المتحدة بشأن الحقيقة التاريخية للإبادة الجماعية للأرمن قد استمر لفترة طويلة، ويجب أن ينتهي… نحن نحثك على متابعة التزاماتك، وقول الحقيقة”.

لكن حتى تاريخ إعداد هذا التقرير، لم يُخطِر مسؤولو الإدارة الأمريكية تركيا بأي شيء، إذ لا يزال بإمكان الرئيس بايدن تغيير رأيه بعد.

توقيت حاسم

من شأن هذا الحدث أن يشير إلى أن الالتزام الأميركي بحقوق الإنسان يفوق خطر زيادة توتر التحالف الأميركي مع تركيا، حيث قالت المتحدثة بإسم البيت الأبيض جين بساكي، في مؤتمر صحافي، إنه من المرجح أن يكون لدى البيت الأبيض “المزيد ليقوله” بشأن هذه القضية، لكنها امتنعت عن الإدلاء بأي تفاصيل في هذا الأمر.

في هذا الوقت، تحبس تركيا أنفاسها في انتظار خطاب الرئيس الأميركي بشأن المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن على أيدي الدولة العثمانية، إذ يعد الأسبوع الأخير من أبريل/نيسان 2021 أسبوعاً “حرجاً” للدبلوماسيين الأتراك، وخاصة السفراء الموجودين في بلدان تدين المجاز التي تعرض لها الأرمن.

سبق هذا الحدث اعتراف الكونغرس الأميركي رسمياً بالمجازر على أنها تشكل جريمة “إبادة جماعية”، وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2019 من خلال تصويت رمزي. ولكن حتى مع إضافة تصريح الرئيس، يمكن القول بأن ذلك لن يرتب عواقب قانونية ما لم تعترف تركيا بارتكابها أو يتم إثبات دانتها بشكل قاطع؛ إلا أن الأمر – وبدون شك – سيثير غضب أنقرة التي تصرّ على عدم وجود إبادة، وأن الطرفين ارتكبا فظائع خلال الحرب؛ فهي تنفي بشدة هذه الاتهامات، وتقول إنّ أرمناً وأتراكاً قد قتلوا نتيجة للحرب العالمية الأولى، كمل ياتي ذلك إلى جانب اعتراضها على حجم الأرقام الواردة، بالإضافة إلى نقطة مهمة وهي أن عمليات القتل لم تكن مدبرة أو ممنهجة لتتوافق مع مصطلح “الإبادة الجماعية”، حيث أن وجود نية مبيتة أو توجه حكومي ما لقتل فئة معينة من الناس هي التي تعطي عمليات القتل والتهجير وصف الإبادة، ما يعني أنها باتت تعتبر جريمة دولية بكافة المعايير.

أخيراً، هذه الخطوة من شأنها تصعيد وتوتير العلاقات أكثر بين انقرة وواشنطن، إلا أنها تعتبر امتداداً للفترة الرئاسية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، الذي وعد بالاعتراف بالمذبحة الأرمنية، لكن لم يحدث ذلك لولايتين متتاليتين؛ ولأن بادين يعتبر – بحسب العديد من المحللين – بأنه امتداد لتلك الحقبة، فمن المتوقع أن يخرج الاعتراف رسمياً، إنما ليس لغاية إنسانية بقدر ما هو اعتراف لدوافع سياسية ستظهر تداعياتها تباعاً في جملة من الملفات المشتركة بين الجانبين.

لكن بين هذا وذاك، إنجاز جديد يسجل للأرمن، خاصة ما بعد أحداث ناغورنو كاراباخ الأخيرة والدور التركي في الأزمة الأرمينية – الأذرية.

مصدر الأخبار: سيتا + وكالات.

مصدر الصور: بي.بي.سي عربية – الحرة.

موضوع ذا صلة: أريسيان: إدانة مجلس الشعب للإبادة الأرمنية خطوة متقدمة