إعداد يارا انبيعة

عقب جولة شملت كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا، وصل الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي إلى السعودية، جولة هدفت إلى تعزيز استراتيجيات الرؤية السعودية 2030 التى جذبت اهتمام العالم، بحث خلالها مع قادة تلك الدول العلاقات الثنائية، وشهدت توقيع العديد من الاتفاقيات والبرامج الثنائية، كما تم خلال تلك الزيارات مناقشة القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.

يبدو بأن زيارة بن سلمان خلال محطته الخامسة فى إسبانيا عقب زيارته الأربع إلى بريطانيا ومصر والولايات المتحدة وفرنسا، ستشكل نقلة نوعية فى تاريخ العلاقات القوية بين البلدين التى نشأت فى 1957 وتوثقت بالشراكات الاستراتيجية والاتفاقات الثنائية على كافة الأصعدة.

السجادة الحمراء

استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ولي العهد السعودي 4مارس/آذار 20118، بالسجادة الحمراء، تم بعدها الاتفاق بين البلدين على إنشاء صندوق مشترك بتكلفة 10 مليارات دولار لتطوير الجزء المصري من مشروع نيوم، والذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.
وكانت أبرز نتائج الزيارة الاتفاق على مشروع نيوم الضخم، والذي يشمل كلا من المملكة والسعودية والأردن، ويعني مستقبلا جديدا للبلاد، وسوف يكون مركزًا للتكنولوجيا الحيوية والرقمية على مساحة 26 ألف كيلو متر مربع.

شراكات استراتيجية استثمارية

في 7مارس/آذار 2018، استعرضت بريطانيا سجادتها الحمراء الخاصة لولي العهد، في زيارة امتدت لثلاثة أيام، وشملت لقاءات مع الملكة إليزابيث في قصر باكنغهام ومحادثات في مكتب رئيس الحكومة تيريزا ماي حول الإصلاحات الخاصة بالمملكة وعلاقاتها التجارية والاستثمارية بالشراكة السعودية البريطانية.
ولم تخل الزيارة لبريطانيا من الصفقات العسكرية، ففي اليوم الثالث لرحلة ولي العهد، قال شركة BAE سيستمز البريطانية، إنها وقعت على صفقة شراء 48 طائرة مقاتلة من طراز تايفون لصالح المملكة.

العلاقة الأقوى

رحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالأمير بشكل حار في البيت الأبيض، مشيدًا بالصداقة العظيمة التي تجمع البلدين، وقال ترامب في الوقت الذي بدأ فيه ولي العهد جولة استمرت قرابة ثلاثة أسابيع في الولايات المتحدة، ربما تكون العلاقة أقوى من أي وقت مضى نحن نفهم بعضنا البعض.
وفي 23 مارس وافقت الولايات المتحدة رسمياً على صفقات عسكرية بلغ مجموعها أكثر من مليار دولار مع المملكة العربية السعودية، فيما بعث الأمير محمد بن سلمان برقية شكر للرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبيل مغادرته الولايات المتحدة، مشيدا بالعلاقات التاريخية والاستراتيجية بين السعودية وأمريكا،وقال: يسرني وأنا أغادر بلدكم الصديق، أن أتقدم لفخامتكم ببالغ الشكر والامتنان لما لقيته والوفد المرافق من حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة.

وأضاف، أنتهز هذه الفرصة لأشيد مجدداً بالعلاقات التاريخية والاستراتيجية بين بلدينا، والتي تشهد مزيداً من التطور في كافة المجالات، كما لا يفوتني أن أؤكد أنّ المباحثات التي تمت خلال الزيارة ستسهم في تعميق هذه العلاقات وتمتينها، وفي تعزيز أواصر التعاون المشترك، على النحو الذي يحقق مصلحة بلدينا وشعبينا الصديقين.

من جهتها، أولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية اهتمامًا بزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد سلمان للولايات المتحدة، وقالت إنه يُعيد كاتبة التاريخ السعودي، حيث سعى لجذب انتباه المستثمرين الأمريكيين، للقيام بمشاريع تجارية لا تقوم على البترول والنفط فقط، في إطار عمله لتنفيذ خطته الإصلاحية الاقتصادية الجديدة.

ويرى آدم آرون، الرئيس التنفيذي لشركة سينما AMC والذي اجتمع مع بن سلمان، أن ما قام به الأمير السعودي رائعًا، وأرجع ذلك إلى أنه على وعي كامل بأن الأمريكيين يعتبرون بلاده دولة مُتشددة، بسبب سياستها المتحفظة التي انتهجتها لعقود كثيرة. وأضاف: “أراد تغيير المجتمع الأمريكي بطريقه تجعله أكثر تقبلاً لدى الأمريكيين، حسب آرون، فإن المسؤولين تحدثوا مع بن سلمان عن خطط لفتح أماكن لإحياء حفلات، ومهرجانات جاز وأفلام في السعودية، تهدف إلى نشر السعادة في المملكة.

واعتبرت الزيارة بأنها غير مُنظمة تمامًا، ويعود ذلك لقلة التنسيق والتعاون بين الأطراف المسؤولة عن الجولة، إلا أن الأمور استقرت بعد فترة وجيزة، بعد أن تولت السفارة السعودية في واشنطن زمام الأمور، وساعدتها جماعات الضغط الأمريكية وشركات العلاقات العامة، فأصدروا نشرات إخبارية بشكل يومي، عن جدول أعمال ولي العهد.

لا خلافات

بعد لقاء أول اتسم بالتوتر بين الئيس الفرنسي وولي العهد السعودي في الرياض، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هيمن عليه خلاف في الرأي حول إيران سعى كل من ماكرون والأمير محمد للتعرف على الآخر والتركيز على النقاط المشتركة لا على خلافاتهما.

والتقى الأمير بقيادات دينية ودعا إلى شراكة استراتيجية جديدة تتركز في جوهرها على القوة الثقافية الناعمة التي تتمتع بها فرنسا وخبراتها السياحية بدلا من توقيع عقود بمليارات الدولارات كما فعل في الولايات المتحدة وبريطانيا.

وقال ولي العهد مازحا خلال المؤتمر الصحفي بقصر الإليزيه: أنا وأنت من كبار السن في السعودية لأن 70 في المئة من السكان أصغر منا سنا، وأضاف، الشراكة بين السعودية وفرنسا مهمة للغاية وخاصة الآن لما تشهده أوروبا والشرق الأوسط من تغيرات في العالم.

كما شهد الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توقيع اتفاقيتين حكوميتين بين السعودية وفرنسا، ما يرفع عدد الاتفاقيات المشتركة بين البلدين خلال زيارة ولي العهد السعودي، إلى 38 اتفاقية بين القطاعين العام والخاص، بقيمة إجمالية تفوق 20 مليار دولار.

وقال ماكرون خلال المؤتمر الصحافي مع الأمير محمد بن سلمان في قصر الإليزيه: لن نسمح بأي نشاط باليستي في اليمن يهدد أمن السعودية واستقرارها وسلامة شعبها، وأضاف، نقف مع السعودية ونتبادل المعلومات لمواجهة خطر الصواريخ الحوثية.

وحذر لا نريد تدخلاً إيرانياً في الانتخابات التي ستجري في العراق، مضيفاً نشترك مع السعودية في ضرورة التصدي لتوسع إيران في المنطقة، وقال: لدينا رغبة مشتركة مع السعودية لدعم لبنان، وأضاف ماكرون “نحتاج ركائز دولية لمكافحة الإرهاب وقطع مصادر تمويله.

وجدد ال إنقول بأن فرنسا لديها اتفاقيات تسليح مع السعودية وهذا ليس سرا لأن أي بيع للمعدات العسكرية يتم حسب معايير تحترم القانون الدولي، كما قال: لا نريد أي تصعيد للوضع في المنطقة، مضيفاً بأننا سنواصل تبادل المعلومات وسنعلن خلال أيام عن قرارنا بشأن سوريا.

وأشار الرئيس الفرنسي إلى أنه يجب التركيز على العمل الإنساني في سوريا بالتعاون مع الأمم المتحدة، مشدداً على أن لدينا خطوطاً حمر فيما يتعلق باستخدام السلاح الكيمياوي في سوريا، مشيرا، أن الأولوية في سوريا هي محاربة داعش والتنظيمات الإرهابية.

وقال ماكرون إننا نريد أن نستكمل الاتفاق النووي مع إيران ليشمل حظر الصواريخ، مشيرا إلى أنه يؤيد ما قاله الأمير محمد بن سلمان فيما يتعلق بإيران، موضحا أن الاتفاق النووي مع إيران غير كامل.

وهاجم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منتقدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وقال: إن من السهل توجيه الانتقادات لتعجل الأمير الشاب في حركة الإصلاح وحث من يذمه على منحه فسحة من الوقت.

بدوره كشف السفير السعودي في فرنسا، خالد بن محمد العنقري، عن التحديات التي يواجهها ولي العهد محمد بن سلمان خلال زيارته الخارجية، والتي بدأت بمصر ثم بريطانيا والولايات المتحدة وحاليا فرنسا.

وقال العنقري إن زيارات ولي العهد الخارجية تأتي لمواجهة التحديات في سوريا واليمن، وضرورة دعم الشرعية في الأخيرة، وأضاف أن التحدي الأهم هو إيران باعتبارها دولة راعية للإرهاب، تتدخل في شؤون الدول الأخرى، وتنتهك القرارات الدولية.

وحول زيارة ولي العهد لفرنسا، قال السفير السعودي إن هناك تطابق في الرؤى بين فرنسا والسعودية حول إيجاد حل مناسب للأزمة السورية ووضع حد لتدخلات إيران في المنطقة وأهمية التصدي لها.

من جهة أخرى، اجتمع الأمير محمد بن سلمان، في مقر إقامته بباريس، وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، جرى خلال الاجتماع استعراض العلاقات الثنائية في مختلف المجالات، وسبل تعزيزها، بالإضافة إلى بحث مستجدات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط، والجهود المبذولة تجاهها.

والمحطة الفرنسية تعتبر أساسية، لأنها البوابة الأوروبية الأكثر تأثيرا وقلب القارة العجوز من الناحية السياسية والثقافية والإعلامية، وتكتسب العلاقات السعودية الفرنسية أبعادا إستراتيجية كبيرة، إذ تعد فرنسا ثالث أكبر مصدر للسلاح في العالم، كما أن المملكة تدخل ضمن أكبر المشترين للسلاح الفرنسي، وأبرمت عقودا دفاعية ضخمة على مر الأعوام الماضية.
واستحوذ السعوديون في الأعوام القليلة الماضية على دبابات وعربات مدرعة وذخيرة ومدفعية وسفن حربية من فرنسا، كما أكدت فرنسا في 2016.

تفاهم وشراكة

أجرى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز محادثات مكثفة في مدريد مع الملك فيليب السادس، ورئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، ووزيرة الدفاع ماريا دولوريس دي كوسبيدال، وتم توقيع عدد من الاتفاقات ومذكرات التفاهم.

وأكد مصدر بوزارة الدفاع الإسبانية أن البلدين وقعا اتفاقاً إطارياً لبيع سفن حربية للسعودية، بما قيمته 1.8 مليار يورو، وأعرب المسؤولون الإسبان عن رغبة بلادهم في المشاركة في تنفيذ مشاريع رؤية السعودية 2030 التي يرعاها ولي العهد، وتهدف لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي، ليخرج من دائرة الاعتماد على النفط وحده، كما تنص مذكرة التفاهم من بين ست مذكرات واتفاقيات وبرامج ثنائية تمّ التوصل إليها، توزعت على مجالات العلوم والثقافة والدفاع والنقل الجوي والعمل وعلى المجالين التقني والتنموي.

مصدر في الخارجية الإسبانية قال إن السعودية: بالإضافة إلى دورها الاقتصادي الدولي تعتبر مفتاحاً لحل أزمات كثيرة في منطقة تعتبرها إسبانيا حيوية لأمنها الاستراتيجي.

 وتعد السعودية أكبر شريك تجاري لإسبانيا في الشرق الأوسط، بتبادل بلغ حجمه 5.5 مليار يورو في 2016، وتعد مدريد آخر محطات جولة ولي العهد التي شملت القاهرة، ولندن، وواشنطن، وباريس.

 وبما تم توقيعه من اتفاقات ومذكرات تفاهم مع إسبانيا، يمكن وصف نتائج جولة الأمير محمد بن سلمان بالنجاح في تعزيز وتعميق شراكات إستراتيجية مع حلفاء السعودية في الغرب.

مصدر الأخبار: وكالات

مصدر الصور: أرشيف سيتا