في عطلة نهاية الأسبوع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هاتف نظيره اللبناني، ميشال عون، ليجدد له وقوف بلاده إلى جانب لبنان. وبحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية اللبنانية تم “تداول الأوضاع الراهنة وما آل إليه مسار تشكيل الحكومة العتيدة”، ونوه الرئيس عون “خصوصاً بالمبادرة الرئاسية الفرنسية المتعلقة بالمسألة الحكومية”، مجدداً “الترحيب بزيارة الرئيس ماكرون للبنان”.

وكان الرئيس الفرنسي قد زار لبنان في العام المنصرم (2020) مرتين عقب إنفجار مرفأ بيروت وأطلق مبادرة تقضي بتشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات المطلوبة، وأعلنت كافة القوى السياسية تمسكها بالمبادرة الفرنسية. ولكن تشكيل الحكومة لم يتم حتى الآن.

وفي 29 يناير/كانون الثاني 2021، أعلن الرئيس ماكرون أنه سيقوم بزيارة ثالثة إلى لبنان بعد التحقق من أمور أساسية، معتبراً أن النظام اللبناني في مأزق بسبب الحِلف بين ما سماهما “الفساد والترهيب”.

“زيارة مختلفة”

مصادر دبلوماسية فرنسية كشفت عن أن زيارة الرئيس الفرنسي الثالثة إلى لبنان ستكون مختلفة عن سابقتيها، وخصوصاً في ما يتعلق بالإشراف المباشر على وضع الآلية التنفيذية للمبادرة الفرنسية موضع التنفيذ العملي، التي يقع في بندها الأول تشكيل الحكومة.

وقالت المصادر لصحيفة “الجمهورية” اللبنانية، في عددها الصادر بتاريخ 30 يناير/كانون الثاني 2021، إن المستويات الرسمية الفرنسية باتت تقارب الملف اللبناني في هذه الفترة “باعتباره أولوية جدية، خلافاً لما كان عليه الحال قبل أسابيع قليلة”. وأضافت أن أجواء الرئاسة الفرنسية لا تتحدث عن موعد محدد لزيارة الرئيس ماكرون لبيروت، معتبرة أن حراجة الملف اللبناني تفترض ألا تتأخر هذه الزيارة بضعة أسابيع.

يذكر أنه كان تم تكليف الرئيس سعد الحريري، 22 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بتشكيل حكومة جديدة تخلف حكومة الرئيس د. حسان دياب، الذي قدم استقالة حكومته في 10 أغسطس/آب 2020، على خلفية انفجار هز مرفأ بيروت في وقت سابق من ذاك الشهر. وتعثر حتى الآن تشكيل حكومة جديدة يريدها الحريري من الاختصاصيين، بعد 14 لقاء بين عون والحريري.

الغرب “يشترط” أم “يساعد”؟

رئيس تحرير جريدة “الأخبار” المحسوبة على حزب الله، إبراهيم الأمين علق بالقول “يبدو أن تطوراً ما حرك المياه الراكدة في ملف تأليف الحكومة. وسواء عزا البعض الأمر إلى الأحداث اللغز في طرابلس أو إلى الاتصالات الجارية بين فرنسا والولايات المتحدة بشأن لبنان، فإن قوى داخلية بارزة وجدت أن من الضروري العمل على وصل الكلام بين بعبدا وبيت الوسط.”

ويضيف إبراهيم الأمين أن حزب الله استأنف الوساطة بين الرئيسين عون والحريري، حسب مصادر الأمين مردفاً “يبدو أن عون والحريري سمعا كلاماً واضحاً حول أن فشل المبادرة الفرنسية في صيغتها الأخيرة المفترض عرضها في الزيارة المقبلة للرئيس ماكرون إلى لبنان، سيتسبب بمشكلة كبيرة تنعكس مزيداً من التدهور السياسي والاقتصادي، وتالياً التدهور الأمني في كل لبنان” معتبراً أن ما يطلبه الرئيس ماكرون في تحركاته هي “شروط غربية متجددة.”

عبد الوهاب بدرخان كتب بنبرة تشاؤمية في صحيفة “الاتحاد” الإماراتية يقول إن “الحاجة ملحة إلى حكومة يتعامل المجتمع الدولي معها، لكنها مؤجلة منذ خمسة أشهر بل أكثر، وليس هناك أفق لظهورها ولا تصور محدد لفاعليتها، فالصراعات الطائفية والمذهبية تدير حالياً انهيار النظام والدولة آملةً في انبثاق نظام ودولة مستوحَيين من موازين القوى الإقليمية المتحوّرة، مثلها مثل الفيروس.”

ويرى بدرخان أن لبنان أمضى نصف الـ 16 عاماً الماضية، إما في فراغ رئاسي أو مع حكومات قيد التشكيل أو حكومات موجودة لكن معطلة ومكبلة، مما أدى إلى هزال الدولة واهترائها، وإلى عزل لبنان عن أصدقائه الدوليين وأشقائه العرب الذين دأبوا على مساعدته لتجاوز أزماته، حسب ما ذهب إليه في تحليله للوضع الراهن.

بلد على شفير الانهيار الاقتصادي

ما دعاه إبراهيم الأمين بالأحداث “اللغز” في عاصمة الشمال – طرابلس، هي في حقيقتها احتجاجات تشهدها المدنية الأفقر في البلاد منذ أسبوع تخللتها أعمال شغب ومواجهات مع الأمن والشرطة أسفرت عن إصابة أكثر من 400 شخص بجروح من الطرفين ومقتل شاب على الأقل. وأطلق عناصر أمن وأفراد من الجيش أمس الأحد قنابل غاز مسيل للدموع على متظاهرين الذين ألقوا بدورهم الحجارة، بحسب وكالة “فرانس برس”.

وشكك سياسيون ووسائل إعلام لبنانية خلال الأيام الأخيرة في عفوية التظاهرات، في بلد اعتاد الأزمات والخلافات بين الأحزاب الكبيرة المهيمنة على المشهد السياسي.

وجاءت التظاهرات، التي انطلقت في 25 يناير/كانون الثاني، على خلفية التداعيات الاقتصادية للإغلاق المفروض لاحتواء تفشي فيروس “كورونا”. وفي نهاية العام، شهد لبنان، الذي يعيش فيه ستة ملايين شخص، قفزة غير مسبوقة في معدل الإصابات بفيروس “كورونا” المستجد والوفيات. ودفع ذلك السلطات الى تشديد إجراءات الإغلاق العام وفرض حظر تجول على مدار الساعة مع استثناءات قليلة، وقد بدأ تطبيقها منتصف شهر يناير/كانون الثاني وتستمر حتى 8 من شهر فبراير/شباط. وبحسب برنامج الأغذية العالمي، تسبّب الإغلاق الأول، بين آذار/مارس وحزيران/ يونيو 2020، بإنتقال نحو ثلث اللبنانيين إلى البطالة.

وأبدت منظمة “أنقذوا الأطفال” قلقها “العميق” من أن يؤثر الإغلاق الجاري على العائلات والأطفال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية هشة، ما لم يتم دعمهم بشكل فوري، في بلد يشكل العمال المياومون قرابة نصف اليد العاملة فيه، بحسب وزارة العمل. ولا يستفيد هؤلاء من أي تطورات اجتماعية أو صحية.

ومنذ العام 2019، يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية، التي أدت إلى خسارة العملة المحلية أكثر من 80% من قيمتها مقابل الدولار، وفاقمت معدلات التضخم وتسببت بخسارة عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم. وصار أكثر من نصف اللبنانيين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، فيما ارتفعت نسبة من يعيشون فقراً مدقعاً من 8% إلى 23% من السكان.

ويقول الأكاديمي والباحث الاقتصادي جاد شعبان، لوكالة “فرانس برس”، إن القيود المصرفية “أدت إلى انخفاض فعلي في قيمة الودائع بأكثر من 50%.”

وعلى وقع تضاؤل احتياطي المصرف المركزي من الدولار، تدرس السلطات منذ أشهر رفع الدعم عن استيراد مواد أساسية هي القمح والأدوية والوقود. ويوضح شعبان أن “رفع الدعم الذي كان متوقعاً أساساً في نهاية 2020 ستكون له آثار تضخمية”. أما الحصول على دعم دولي فيبقى مرهوناً بتنفيذ الإصلاحات وتشكيل حكومة ذات مصداقية، وفق شعبان.

المصدر: دي دبليو.

مصدر الصور: الحرة.

موضوع ذا صلة: ليلة “حرق” طرابلس.. هل تدخلت قوى خارجية لحسم تشكيل الحكومة؟