تعريب وتعليق: مركز سيتا

يبدأ الصحفي الأمريكي، نيكولاس كريستوف، في مقال له بصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، بالتشكيك في إمكانية حدوث مواجهة أو قيام حرب أمريكية – صينية، ولكن إذا حدث ذلك فسيكون من “مكان غامض لم يسمع به سوى القليل” قاصداً جُزر راتاس وكينمن، التي تسيطر عليها تايوان والأقرب إلى البر الصيني حيث أن هناك خشية مشتركة بين بعض الصينيين والأمريكيين من قيام الرئيس شي جين بينغ بإصدار أوامره للجيش للسيطرة عليها من أجل الضغط على تايبيه.

ويستطرد الكاتب هنا إلى أمر آخر وهو إمكانية قيام الصين بإرسال “غواصة لقطع الكابلات البحرية الناقلة للإنترنت إلى تايوان، أو إعاقة شحنات النفط المتوجهة إليها، أو الأمر بهجوم إلكتروني لإسقاط النظام المصرفي فيها.”

بالنسبة إلى بكين، تعتبر تايوان أرض صينية يجب أن تعود إلى البر الأم، عاجلاً أم آجلاً. وعلى هذا الأساس، تنطلق سياسة بكين وعلاقاتها الدولية من قاعدة “صين واحدة”، أي تلك التي تضم تايوان وهونغ كونغ وماكاو. فأية دولة لا تعترف بهذا المبدأ، لن تتعامل الصين معها مطلقاً أو أن تعاملها سيكون في أضيق الحدود والمسائل.

بالعودة إلى المقال، يرى الكاتب أن معظم الخبراء لا يتوقعون إحتمالية وقوع مثل هذا الهجوم، لكنه يردف بالقول أن إمكانية حدوثه تزايدت عما كانت عليه في السابق، متوقعاً أن البدء فيه سيجعل واشنطن “تنجذب” ربما إلى أخطر مواجهة، مع قوة نووية، منذ أزمة الصواريخ الكوبية.

من هنا، يرى كريستوف أنه يجب العمل بجهد أكبر على “منع حرب دولية حقيقية في آسيا”، والتي قد تمثل أكبر الأخطار القادمة على الولايات المتحدة، خصوصاً أنه خبير في العلاقات الصينية – الأمريكية منذ أوائل ثمانينيات القرن الـ 20، ومرد ذلك إلى “الثقة المفرطة بالنفس” لدى الرئيس شي ناهيك عن إعتقاده بأن واشنطن “في حالٍ من التدهور”.

هذا الإعتقاد الموجود لدى الرئيس الصيني بدأ ينتشر بشكل كبير خصوصاً مع تراجع الولايات المتحدة، في عصر الديمقراطيين أنفسهم حيث توجد العديد من المؤشرات، كخسارة الرئيس الأسبق باراك أوباما للعديد من الدول في “الحديقة الخلفية” في فترة ما والتي توالي واشنطن، وهو ما دفع بالرئيس السابق دونالد ترامب إلى إعادة التدخل لإخضاع تلك الدول مجدداً، كما حدث في البرازيل من فوز اليمين ووصول جايير بولسونارو إلى سدة الحكم، أو إنشقاق خوان غوايدو في فنزويلا، وغيرها الكثير.

بالعودة إلى كريستوف، فهو ينقل عن بوني جلاسر، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إعتقادها بعدم قيام نزاع بين الطرفين مع عدم إستبعاد ذلك. هذا الرأي يشاركها فيه الكاتب لكنه يتمنى أن لا يكون مخطئاً، حيث يعطي مثلاً عن أن قلة من المراقبين كانت لتتصور حدوث نزاع على الحدود الصينية – الهندية، كما حصل في العام الماضي (2020)، ويرى أن قيام الرئيس الصيني بمثل هذه الخطوة ضد تايوان أو القوات الأمريكية سيكون “مساعدة من الجنة”.

وفي مقارنة مع الداخل الأمريكي، يقول الكاتب أن تعامل الرئيس جو بادين مع ميتش ماكونيل، زعيم الأقلية الجمهورية في الكونغرس، “سهلاً جداً” مقارنة بالتعامل مع الرئيس شي، حيث لن يستطيع الرئيس الأمريكي “تقييد” الزعيم الصيني، واصفاً إياه بأنه كان “قمعياً” في أحداث هونغ كونغ و”مرتكباً” لجرائم الإبادة الجماعية في شينجيانغ و”متصلباً” على صعيد التبادلات التجارية و”قاسياً” في مجال حقوق الإنسان، بينما لا تزال واشنطن تتعامل معه في الكثير من القضايا، مثل حقوق الإنسان وتغير المناخ وكوريا الشمالية، وينهي الفقرة بالقول “آه.. ولا زلنا لا نملك إستراتيجية تجاه الصين”.

هنا، نتذكر ما قالته وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، إن القرن الـ 21 سيكون “قرناً باسيفيكياً”، ما يعني إنصباب جام الإهتمام الأمريكي على الشرق الأقصى بشكل واضح وكبير، خصوصاً وأنها كانت ضمن إدارة الديمقراطيين التي كان يحتل بايدن فيها منصب نائب الرئيس.

فيما يخص وزير الخارجية الجديد أنطوني بلينكن، يقول الكاتب إنه أشار بوضوح إلى إستمرار نهج الرئيس السابق ترامب تجاه الصين بشكل “أكثر صرامة”، وإنه سيعمل مع الحلفاء من أجل أن يكون الضغط “أكثر فعالية”. ومع ذلك، يرى كريستوف أن الجمهوريين ينظرون إلى أن السياسة الموجهة ضد الصين تعتبر “نقطة ضعف” هذه الإدارة، حيث سخِر البعض من عبارة “بايدن – بكين”، كما شجب السناتور تيد كروز “إحتضان فريق بايدن للحزب الشيوعي الصيني”، لكن الكاتب يناقض هذا القول خصوصاً وأن الرئيس الجديد قد عيّن “فريقاً ممتازاً ومتشدداً من الخبراء بآسيا.”

من هنا، يقول الكاتب أنه لا يمتلك شعوراً بالقلق لجهة بكين بحد ذاتها، لكن شعوره بالقلق مصدره أن الحال اليوم أشبه بـ “قطارين يندفعان نحو بعضهما البعض”، مشيراً إلى مبالغة الأمريكيين للتهديدات عبر العقود، مثل الناصرية ودومينو جنوب شرق آسيا واليابان، التي كان لها بعض الأساس ولكن ليس بالشكل المفرط التي بانت عليه حينها، متمنياً أن لا يتكرر الأمر نفسه تجاه الصين.

هنا، يقف كريستوف مدافعاً، بعض الشيء، عن بكين بما يخص فيروس “كورونا” حيث إعتبر أنها أخطأت في تعاطيها معه، لكنها تحركت بعد ذلك “بالطول والعرض” من أجل إحتواء الجائحة وأنقذت آلاف الأرواح، داعياً إلى التفريق بين إنتقاذ الرئيس شي والصين، حيث يقول إنه يجب التركيز على الأول من دون الثانية لأن إهانتها سيجعل المواطنين الصينيين يلتفون حول زعيمهم أكثر.

في قراءة لما سرده الكاتب، لقد كان من الأجدر به أن يعنون المقال “شي كابوس الرئيس” وليست الصين، حيث يرى بأنه يجب التركيز على الشخص وليس البلد.

وفي توجه عقلاني، يقدم الكاتب بعض الإقتراحات للرئيس الجديد بأن عليه “إدارة” الرئيس الصيني وتقليل مخاطر التصادم معه. على سبيل المثال، يحب على الرئيس بايدن “إدانة الإبادة الجماعية الثقافية في شينجيانغ من دون السعي إلى مقاطعة أولمبياد بكين 2022، وعليه أن يقوي العلاقات مع تايوان ولكن ليس على مرأى من شي، ويمكنه أن يرسل جنودنا للتدرّب مع القوات المسلحة التايوانية دون نشر الفيديوهات، كما يمكنه التعامل مع الصين لتقليل مخاطر الحوادث والتصعيد.”

يبدو أن للكاتب بُعد نظر ورؤية إستراتيجية واقعية خصوصاً وأن البلدين يتنافسان بشكل كبير ومخيف، وهو ما يقرّب إحتمالية وقوع نزاع ما بشكل كبير، وهنا نذكر أبرز الأمثلة على ذلك وهي الإعتراضات المتكررة والمتبادلة والخطيرة بين الطائرات الحربية فوق بحر الصين والتي لا تزال تحت السيطرة إلى حد الآن.

في ختام المقال، يستشهد كريستوف بديفيد شامبو، الباحث في جامعة جورج واشنطن والخبير في العلاقات الأمريكية – الصينية، الذي قال “لقد تعلمنا مع الإتحاد السوفيتي كيفية الحفاظ على برودة الحرب الباردة”، مقترحاً إستعمال الإسلوب والأدوات نفسها “لمعرفة ما إذا كانت إتفاقيات الحد من التسلح والخطوط الساخنة والمشاورات العسكرية يمكنها تخفيض درجات التوتر.. نحن الآن في مستنقع خطير للغاية”.

المصدر: نيويورك تايمز.

مصدر الصور: إندبندنت عربية – نون بوست.

موضوع ذا صلة: لماذا تراجعت واشنطن أمام الصين في قيادة البحار؟