شارك الخبر

في مقال له بعنوان “الصين تعرض السلام.. هل تستجيب واشنطن؟”، يقول الصحفي الأذري سيمور محمدوف إن العلاقات الصينية – الأمريكية “تمر بأصعب الأوقات” خصوصاً بعد الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بالإضافة إلى مسألة إنتشار وباء “كورونا” الذي أعاق تنمية وتقدم البلدين (والعالم).

في هذا الخصوص، يجب أن نذكر هنا بمسألة إتهام الرئيس ترامب لبكين بنشر الفيروس، حيث أطلق عليه تسمية “الفيروس الصيني”، وهو ما أدى إلى مزيد من التشنّج بين البلدين خصوصاً وأن دوافعه كانت تكمن في حضّ الصين على دفع تعويضات مالية للمتضررين، خصوصاً وأن واشنطن كانت من أكثرهم، وما زالت، وهي سياسة “ضرب عصفورين بحجر واحد”، أي تحميل الصين المسؤولية المعنوية، من جهة، وجعلها تدفع تعويضات بعشرات، إن لم نقل بمئات أو ألوف، المليارات ما سيعيق تقدم الصين، من جهة أخرى.

أيقنت الصين “مكيدة” الرئيس ترامب، فقامت بدور إيجابي كبير بهذا الإتجاه، إذ أنها لم تبخل بتصدير المعدات وعينات الفحص وتقديم أية مساعدة ممكنة من أجل تخطي الدول لهذه المرحلة السوداء، بالإضافة إلى أن وفد منظمة الصحة العالمية، الذي زار مدينة ووهان حيث رُصد الوباء لأول مرة، لم يثبت أو يعطي دلائل على تسربه من المعمل الموجود في المدينة وهو ما يشكك، بل ينفي، إتهام الرئيس الأمريكي السابق.

بالعودة إلى المقال، يرى الكاتب أن الطرفين “يستحقان فترة راحة. فربما يكون الحوار هو السبيل للقضاء على الخلافات التي نشأت بين البلدين”، حيث ذكّر بتصريح وزير الخارجية وانغ يي الذي قال فيه إن “الحوار هو المفتاح لإستعادة العلاقات الصينية – الأمريكية” إذ يرى الوزير الصيني أنه من المهم لكلا البلدين “تكثيف الحوار وحل خلافاتهما بشكل مناسب، والتحرك بنفس الإتجاه لاستئناف التعاون متبادل المنفعة.”

في المقابل، يستبعد الكاتب أن تلقى دعوة بكين “صدى لدى واشنطن”، حيث أن الأمريكيين خائفون من “فقدان مكانتهم كقوة مهيمنة على العالم”، لكنهم لا يدركون، برأي محمدوف، أن زيادة نسبة “الهستيريا المعادية للصين لدى الجانب الأمريكي سيكون لها عواقب وخيمة، إلا أن الولايات المتحدة لا تريد أن تفقه هذا بعد.”

ويركّز الكاتب الأذري على أن الحوار هو “أهم أداة لحل النزاعات، والشيء الوحيد القادر على تغيير الواقع الفعلي للعلاقات الأمريكية – الصينية”، حيث يعود إلى ما قبل وصول الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون للبيت الأبيض، ويذكّر بعدم وجود أي نوع من التواصل على مستوى رفيع بين البلدين لأكثر من عقدين. ولكن مع مجيء الرئيس نيسكون، كان الحوار هو المفتاح لإعادة العلاقات الثنائية حيث أظهر الوقت أن هذه الطريقة قادرة على حل “العقدة الغوردية”.(1)

هنا، يمكن الإشارة إلى موضوع مهم مهمة وهو أن تقارب الرئيس نيكسون مع بكين حينها جاء على حلفية تصاعد الخلافات بين الصين وروسيا وحرب العام 1969 الحدودية، حيث رأى أن التقرّب منها قد يساعده في تطويق الإتحاد السوفياتي وتقليص نفوذه وإلهائه بنزاعات إقليمية.

فيما يخص المقال، يشير محمدوف إلى تأكيد الجانب الصيني مراراً إستعداده للحوار مع الولايات المتحدة وإزالة الخلافات بين البلدين، لكن الكاتب يتسائل ما إذا كان الجانب الأمريكي مستعد لذلك أم لا، وهل ستبقى واشنطن على سياسة المواجهة، كإستراتيجية مفضّلة لديها، في وقت يجتاح فيه الوباء إلى تضامن دول العالم، وهو ما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية داخلية في العديد منها؟

وبحسب الكاتب “لا تشكل الصين تهديداً للولايات المتحدة. على العكس من ذلك، فهي عامل ديناميكي في الاقتصاد العالمي. ففي وقت قصير، أصبحت بكين الشريك التجاري الرئيسي لجميع جيرانها ومعظم الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة. إن المواجهة الطويلة بين البلدين لن تؤدي إلا إلى مزيد من الإضرار بالاقتصاد العالمي، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها للبشرية جمعاء. لذا، تتحمل الدولتان الكبيرتان، اللتان تتمتعان بإمكانيات اقتصادية ضخمة، مسؤولية التفاعل مع بعضهما البعض، لأن العلاقة بينها تعد أمراً أساسياً للحفاظ على السلام العالمي والازدهار المشترك.”

هذا الأمر صحيح للغاية، فلكلا الدولتين مزايا يستطيعان من خلال تعاونهما إظهارها للعالم، ما يعني أن الأمور قد تسير أفضل بكثير مما قد تكون عليه حال نشوب أي نزاع بينهما لأن ذلك سيكون له تأثير على كافة دول العالم، ليس فقط بين بكين وواشنطن، نظراً إلى تشابك العلاقات الدولية الحالية.

من هنا، يقول الكاتب إن أمام الرئيس الأمريكي جو بايدن “فرصة جيدة” لتصحيح أخطاء سلفه، وبناء مسار جديد لتطوير العلاقات على المدى الطويل، والتقليل من التوترات ضمن العلاقات الثنائية من خلال رفع العقوبات عن الشركات الصينية والتخلي عن سياسة الإحتواء التدخل في شؤون بكين الداخلية، مشيراً إلى وجود الكثير من أوجه التعاون، حتى مع وجود تلك الخلافات، مثل مسألة الإنبعاثات الكربونية. فمن خلال التعاون، يمكن حل الكثير من الأزمات الدولية، وأبرز مثال على ذلك أزمة تفشي فيروس “كوفيد – 19” وعودة الإنتعاش للإقتصاد العالمي.

ويضيف محمدوف أنه يجب على واشنطن إستبدال الإستراتيجية القائمة على المواجهة بإستراتيجيات لبناء عالم متعدد الأقطاب، وهو نوع جديد من الشراكة لصالح التنمية العالمية. فكما قال الرئيس الصيني شي جين بينغ، مؤخراً خلال محادثة هاتفية مع الرئيس بايدن، إن المواجهة بين البلدين ستكون كارثة لكلا البلدان والعالم بأسره، لكن التعاون الصيني – الأمريكي قد يكون مفيداً عالمياً، ويجب أن يكون كذلك.

ويضيف الكاتب أن الصين “دولة ثابتة في الإقتصاد العالمي ولن تتمكن أية عقوبات من إخراجها من موقعها، فبمعاقبة بكين تخلق الولايات المتحدة المشاكل لشركائها وحلفائها إذ لا يمكن القضاء على العامل الصيني في الإقتصاد العالمي أو تقليص نطاقه. إنه حاسم وسيظل كذلك.”

في هذا الشأن، يبدو أن الكاتب يقدم دعوة “شبه مستحيلة” لواشنطن، إذ أن المشكلة الكبرى لدى الولايات المتحدة هي منازعتها على عرش القيادة العالمية. فقيام نظام دولي متعدد الأقطاب، سيكون بداية النهاية لهيمنة واشنطن على العالم، وهذا ما لا ترضى ولن ترضى به بسهولة. فالأمر يحتاج إلى وقوع حرب عالمية عسكرية ثالثة تفرز المنتصرين والمنهزمين من أجل إعادة تكون النظام العالمي الجديد بناء على موازين القوى الجديدة، وهو ما حدث في كلا الحربين العالميتين حيث أفرزت كلاهما نُظماً دولية جديدة.

يختم الكاتب بالقول إنه، ولتجنب الصدمات، تحتاج واشنطن “إلى التراجع عن طموحاتها، وتعديل سياستها، ورفع العقوبات غير المنطقية والحظر المفروض على الشركات والمؤسسات العلمية الصينية، ووقف محاولاتها لقمع التقدم التكنولوجي لبكين. يجب أن نكون أصدقاء مع الصين، لا أعداء. إن التعاون سيفيد الولايات المتحدة، وشركائها، والعالم بأسره. كان يُعتقد بأن الحرب الباردة قد انتهت منذ فترة طويلة، لكن يبدو أن الغرب لا يزال بحاجة إلى أعداء. دعونا نأمل أن تكون القوة الناعمة للشرق قادرة على إذابة الجليد.”

الهوامش:

(1) “العقدة الغوردية” هي أسطورة فريجيان غورديوم المرتبطة بالإسكندر الأكبر. غالباً ما يستخدم التعبير كاستعارة لمشكلة مستعصية يتم حلها بسهولة من خلال إيجاد نهج للمشكلة يجعل القيود المتصورة للمشكلة محل نقاش. (المترجم)

المصدر: China Daily.

تعريب وتعليق: مركز سيتا

مصدر الصور: الشرق – سي.أن.أن.

موضوع ذا صلة: كيف ستكون سياسة بايدن تجاه الصين؟

سيمور محمدوف

مدير نادي الخبراء الدولي – EurAsiaAz ورئيس تحرير وكالة الأنباء الأذربيجانية Vzglyad.az.


شارك الخبر
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •