حليم بوعمري*

إعلان إسرائيل والمملكة المغربية تطبيع العلاقات، على غرار الإتفاق المبرم بين إسرائيل مع كل من الإمارات والبحرين وقبل خروج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من البيت الأبيض، يقع في إطار صفقة تكمن تفاصيلها في حصول المملكة المغربية على اعتراف أميركي بسيادة الرباط على الصحراء الغربية مقابل تطبيع العلاقات مع الكيان، وهو ما يندرج ضمن التحالفات السرية بين الكيان وبعض الملكيات العربية السنيَّة التي برزت للعلن.

التغلغل الصهيوني في المغرب

على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين المغرب وإسرائيل وإعتبار الملك محمد السادس كرئيس لـ “لجنة القدس”، إلا أن المغرب يقبل تواجد المواطنين الإسرائيليين على أراضيه وتعيش به أكبر جالية يهودية في العالم العربي تحمل بنية ثقافية تاريخية مرتبطة بإرث ثقافي يهودي، كما يقيم المغرب علاقات سرية مع الكيان في مجالات التعاون الأمني والتجارة والسياحة.

المكاسب النسبية

على الرغم من أن الإتفاق المغربي مع الكيان يحمل مخاطر تولد أزمات سياسية وشعبية داخلية، إلا أن إستراتيجية المغرب في إدارة النزاع في الصحراء الغربية تقوم على نسج شبكات تحالف، خاصة مع فرنسا والولايات المتحدة الداعمتين للتطبيع وذلك بفضل العلاقات التاريخية المتميزة بينهما واعتبار المغرب حليفاً في شمال إفريقيا، حيث كان الموقف الأميركي من موضوع الصحراء، وما زال، أقرب إلى الموقف المغربي الداعي إلى منْح الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً، وهو موقف مخالف لموقف الأمم المتحدة والجزائر اللتين تنظران إلى موضوع الصحراء على أنه ضمن سياسات حق تقرير المصير، وإلى أن الموضوع جزء من الظاهرة الإستعمارية.

لذا، قد يكون دور الكيان دعم المغرب في قضية الصحراء، وتقديم الدعم العسكري والتقني، وتحريك اللوبيات اليهودية في أمريكا من أجل دعم الرؤية المغربية لتسوية النزاع.

القفز نحو المجهول

الآن ومن خلال الإقدام على التطبيع العلني مع الكيان، فإن المغرب يعلم أنه ليس الطريق الأسرع والأقصر ولن يكون الأكثر أماناً وذلك لعدة إعتبارات، داخلية وخارجية، كما تدرك واشنطن أن اعترافها بمغربية الصحراء سيدفع بعض دول الإتحاد الأوروبي إلى الإعتراض، بل ستدفع روسيا إلى قرارات ستتسبب حالة من اللا إستقرار في شمال إفريقيا، ومنها تسليح جبهة “البوليساريو” بأسلحة متقدمة عبر الجزائر.

من الممكن أيضاً أن تدخل منطقة المغرب الكبير في صراع إقليمي، قد يؤدي إلى إندلاع حرب في الصحراء الغربية، وفتح الباب على حالتي اللا أمن والحرب خصوصاً مع وجود التنظيمات الإسلامية العنيفة في منطقة الساحل الأفريقي والتي تصل إرتداداتها إلى جنوب أوروبا.

يبقى هذا الطرح مرهون بمدى حرص “البوليساريو” والمغرب على استئناف القتال، أو مدى إستعداد الدول الأخرى للمشاركة فيه.

الاستعداد رغم الفراغ في الجزائر

إن غياب الرئيس الجزائري عن المشهد السياسي الجزائري وأزمة الشرعية السياسية يعمّق حالة الترقب والشكوك حول مستقبل ومصير السلطة والبلاد ويعطل الآلة الدبلوماسية خاصة في القضايا المصيرية.يأتي ذلك في وقت يحافظ فيه الجيش الجزائري على توازن القوى مع المغرب حيث تهدف الجزائر، ومن اجل حماية السيادة الإقليمية عن طريق التحالفات الإستراتيجية مع الدول التي تشارك الرؤية الجزائرية في قضية الصحراء، إلى ضمان الغطاء السياسي والعسكري لجبهة “البوليساريو” لتمكينها من الصمود أمام الهجمات المغربية المتكررة، والمؤسسة العسكرية الجزائرية تدرك التحديات الأمنية التي تهدد الأمن الإقليمي في المنطقة، فيما يبقى الجيش الجزائري مستعد للمواجهة، لإعتبار وإلتزامات إقليمية، التي يفرضها دوره المحوري، إضافة إلى مبادئه التي لا يحيد عنها والمتمثلة في نصرة كل القضايا العادلة.

إن استعصاء تسوية النزاع في الصحراء الغربية عقّد الأوضاع الجيو – ستراتيجية وأدى بالمغرب إلى الجنوح نحو التصعيد بإقامة تحالف مع الكيان على حساب دول المغرب الكبير، ما ينتج عنه شرخ دائم للتجربة التكاملية المغاربية، ويطرح سيناريو واحد وهو استمرار الوضع الحالي الذي يشبه حالة “حرب باردة” مُتحكم فيها.

*باحث في العلاقات الدولية – الجزائر.

المراجع:

– د.وليد عبد الحي. العلاقات المغربية – الجزائرية العقدة الجيو – استراتيجية. مجلة سياسات عربية.
– ساسة بوست. هل يلحق المغرب بالإمارات ويُطبِّع العلاقات مع إسرائيل؟
– نزار بولحية. هل ستحصد إسرائيل ما زرعته في المغرب الكبير؟ القدس العربي.
– يتشارد بيريز بينا. قرار ترامب حول الصحراء الغربية يهدد بإندلاع حرب مفتوحة. نيويورك تايمز.
– مجلة الجيش. العدد: 689.

مصدر الصور: القدس العربي – الحرة.

موضوع ذ ا صلة: الداودي: الفوضى المغاربية ستنهي حلم الإتحاد