ازدهرت الدراما التركية خلال العقدين الماضيين لأسباب متعددة إذاعة الفضائيات العربية جزء منها، ونلقي نظرة نقدية على هذا الموضوع في هذه المقالة، علماً بأن الزخم الذي كان كاسحاً لهذه الدراما بدأ في التراجع ونلخص رأينا في الموضوع من خلال النقاط الآتية:

أولاً: هذا الازدهار له علاقة بالسياحة التي أقبل فيها العرب على تركيا وانصرفوا عن مصر في السنوات الأخيرة ولذلك فإن رواج السياحة فتح الباب للإعجاب بالمسلسلات التركية خاصة وأن المشاهد العربي قد أصابه الملل من الدراما المصرية والسورية.

ثانياً: أن هذا الازدهار الذي نعتقد أن له علاقة بالسياحة العربية في تركيا واكب أحداثاً سياسة كبرى في مصر ولها علاقة بإسلام تركيا وحزب العدالة والتنمية في تركيا وعلاقته بالإخوان المسلمين ولكن لا أظن أن الصدام مع الإخوان له علاقة بهذا الازدهار بل إن هذه الفترة واكبت توتر العلاقات بين مصر وتركيا حول أمور عديدة ولا علاقة لها بالازدهار في الدراما التركية في مصر على سبيل المثال.

ثالثاً: يربط بعض المشاهدين بشكل مبطن بين موقفه من النظام في مصر والرغبة في تحديه وبين توتر العلاقات بين مصر وتركيا فكأن ازدهار الدراما التركية له رسالة سياسية مؤداها أن الجمهور المصري بشكل غير مباشر بأردوغان وبقطع النظر عن علاقة اردوغان بالإخوان المسلمين وقد ثبت أن اردوغان سياسي ماهر وليس إيدولوجي بدليل أنه يفضل مصالح بلاده الاستراتيجية مع إسرائيل وأمريكا وروسيا ومصر على اتجاهاته الشخصية من الناحية الدينية.

رابعاً: أن الدراما التركية فيها بعض الجوانب الموضوعية وهي إتقان الدراما وجمال الإخراج والطبيعة وجمال الذين يقيمون بالتمثيل نساءً ورجالاً لدرجة أن المسلسل الأمريكي الذي تم دبلجته باللغة التركية قد أظهر بطلاً درامياً تركياً مهند في مسلسل العشق الممنوع وكان المشاهدون يتقبلون هذا النوع من الأفكار رغم أن الدراما التركية في معظمها تخالف الشريعة الإسلامية فالاتجاه العلماني البراغماتي للحكومة التركية هو الذي شجع الحكومة على دعم هذه الدراما وهذه الاتجاهات.

خامساً: يبدو أن العرب كانوا مشوشيين اتجاه صورة تركيا الإسلامية الأوروبية ذات البعد التاريخي في الدولة العثمانية ولذلك فإن مسلسل أرتوغرل أعلى مشاهدة في التاريخ الفني على مستوى العالم رغم أنه كان يتحدث عن الحروب الثمانية ضد الأوروبيين ومنافسيهم في المنطقة، والحق أن الدولة العثمانية انتصرت للإسلام في وقت دقيق كانت فيه الأندلس في الغرب تتهاوى وكانت الدولة العثمانية تبزغ كدولة إسلامية شابة حتى أن بعض الكتاب عقدوا مقارنة بين الدولة العباسية وبين الدولة العثمانية واعتبروا أن الأخيرة امتداد للأولى بعد أن قضى التتار على الدولة العباسية في منتصف القرن الثالث عشر وهي اللحظة التي بدأت فيها الدولة العثمانية في الظهور.

ونطالع كتابات متعددة فانقسم العالم العربي من الناحية السياسية بين الدولة العثمانية وبين الانجليز ولايزال هذا الانقسام قائماً فمن الباحثيين العرب من يعتبر الدولة العثمانية امتداداً للخلافة العثمانية في بغداد وعلى العكس فمنهم من يعتبر أن الدولة العثمانية لا تختلف عن الدول الاستعمارية الأوروبية ولذلك فإن الأتراك لديهم حساسية اتجاه هذا الطرح والمجتمع التركي نفسه منقسم ولكن الأغلبية فيه تعتز بماضيها الإسلامي ولذلك كانت قسوة كمال أتاتورك على المسلمين والإسلام كافية لأن ينجح أردوغان في استثمار هذا الرصيد في نفوذ الأتراك فنجح أردوغان في تحويل علمانية أتاتورك الذي تجرأ على الإسلام وطارد المسلمين وأغلق مساجدهم تماماً كالنظام الشيوعي إلى علمانية إيجابية تحترم حق العبادة وحرية اختيار الدين وهو ما يتفق تماماً مع موقف الإسلام لقوله تعالى: “يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.”

وإقبال العرب على الدراما التركية خاصة تلك التي تتعارض مع الشريعة يحتاج إلى تفسير نفسي وهو أنني أعتقد أن الرقابة السياسية على العرب في دولهم أثرت على إقبالهم على الدراما التركية لأنهم يستريحون لهذا المسلك الذي تشيعه الدراما التركية دون أن يجرأو على المجاهرة به أو تقليده وعزائهم في ذلك أن تركيا دولة إسلامية تحرص على الإسلام ومشاعر المسلمين وهذا التفسير ينسجم مع الازدواجية للشخصية العربية.

مصدر الصورة: الخليج أونلاين.

إقرأ أيضاً: سياسة التقارب مع الجوار.. تركيا على خطى الحلول الإقليمية؟!

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر