إعداد: يارا انبيعة

في إجراء يأتي رداً على القرار الذي صدر عن إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بشأن واردات البلد الآسيوي، أعلنت الحكومة الصينية أنها ستفرض رسوماً جمركية جديدة على منتجات أمريكية قد تصل إلى حدود الـ 50 مليار دولار، ما يدعو لبداية “حرب تجارية” حقيقية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم.

“لم يبقَ لدينا خيارات”

جاءت التصريحات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية بعد دقائق من إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن بلاده ستفرض رسوماً بنسبة 25% على بضائع قيمتها 50 مليار دولار من الصين فيما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية والتكنولوجيا متعهداً بفرض المزيد من الرسوم إذا أخذت الصين خطوات انتقامية.

وقالت الوزارة إن الصين غير راغبة في حرب تجارية لكن ليس من خيار لدى الجانب الصيني سوى مواجهة ذلك بقوة بالنظر إلى سلوك واشنطن القصير النظر الذي سيضر بكلا الطرفين، مضيفاً أن الإجراءات تلحق الضرر بمصالح البلدين، وتعرقل نظام التجارة العالمي، حيث ستطبَّق على الفور رسوماً بنفس النطاق والقوة، وأن جميع نتائج المفاوضات السابقة التي جرى التوصل إليها بين الجانبين ستكون لاغية.

يوليو/تموز.. الشهر “الساخن”

تشمل القائمة الصينية تعريفات بقيمة 25% على 659 سلعة مستوردة بما في ذلك المنتجات الزراعية والسيارات والمنتجات المائية، وفقًا لبيان صادر عن وزارة المالية، ولم يقدم البيان تفاصيل أخرى حول التفاصيل الدقيقة لتلك السلع. وتدخل الرسوم الجمركية على سلع بقيمة 34 مليار دولار حيز التنفيذ في 6 يوليو/تموز 2018، وهو نفس اليوم الذي ستبدأ فيه الولايات المتحدة بفرض الرسوم الجمركية على السلع الصينية، مع فرض رسوم جمركية على سلع بقيمة 16 مليار دولار إضافية في وقت لاحق.

التكنولوجيا.. أولى الأسباب

في معرض تبرير قراره بشأن فرض الرسوم الجمركية الكبيرة أثناء إعلانها، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب “لا يمكن للولايات المتحدة السماح بعد الآن بخسارتنا التكنولوجيا والملكية الفكرية من خلال ممارسات اقتصادية غير منصفة”، مشيراً إلى أن “هذه الرسوم ضرورية لمنع المزيد من النقل غير المنصف للتكنولوجيا والملكية الفكرية للصين، وأنها ستحمي الوظائف الأميركية.”

وكان مسؤول بالإدارة الأميركية قد أشار إلى أن الرئيس ترامب لم يعد يعتقد أن نفوذ الصين على كوريا الشمالية يمثل سبباً اضطرارياً لعدم فرض رسوم جمركية وقد أصبح للولايات المتحدة الآن خط اتصال مباشر مع بيونغ يانغ.

من جهة أخرى، أقر مكتب الممثل التجاري الأميركي بوجود مخاوف من أن يؤدي فرض الضرائب إلى زيادة الأسعار على المستهلكين، وقال المكتب إن القائمة لا تشمل سلعاً يشتريها المستهلكون الأميركيون كثيرا مثل الهواتف الخليوية أو أجهزة التلفزيون.

وقد اشتكى العديد من المسؤولين الأميركيين من سياسة الصين الصناعية وفتح الأسواق وفجوة بقيمة 375 مليار دولار في التجارة بين البلدين لصالح العملاق الآسيوي، حيث يقول أستاذ الاقتصاد الدولي، الدكتور عبد الرحيم البحطيطي، إن قرار فرض رسوم جمركية على واردات صينية سيحد بالفعل من تدفق السلع الصينية الى اميركا وسيؤثر على بعض الصناعات الصينية وسيخفف العجز التجاري بين البلدين، لكنه ليس في صالح الولايات المتحدة على المستوى البعيد. ويوضح الدكتور البحطيطي أن القرار في صالح الولايات المتحدة اقتصادياً، ولكن على المستوى السياسي يضرها لأنه ضد سياساتها الاقتصادية القائمة على الرأسمالية والحرية والعولمة الاقتصادية.

ويضيف لدكتور البحطيطي أن أسعار السلع الواردة في القائمة سترتفع على المستهلك الأميركي بنفس نسبة الرسوم وهي 25% كحد أدنى، متوقعاً أن تتراجع الولايات المتحدة لاحقاً عن القرار.

حائط القلق

عاد الخوف ليسيطر على أركان سوق المال الأميركية، بعد أن أنهت الولايات المتحدة والصين الهدنة التجارية بينهما بشكل أسرع من التوقعات، لينغمس أكبر اقتصادين في العالم في حرب رسوم جمركية متبادلة من المرجح أن تتسبب في أضرار بالغة للشركات العالمية الكبرى وتصل شظاياها إلى أسواق المال، حيث انهى مؤشر “داو جونز” الصناعي في تعاملاته على أكبر انخفاض له منذ مارس/آذار 2018 ، خاسراً ما يقرب من 85 نقطة.

ويؤكد مستثمرون أن الرسوم الجمركية المتبادلة، ستتسبب في خسائر كبيرة للعديد من القطاعات في الدولتين، كما في الدول المرتبطة في سلاسل التوريد معهما. ويقول جيم تيرني، مسؤول الاستثمار في شركة “ألاينس برنشتاين الأميركية”، ان “كل تلك التهديدات كانت موجودة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، لكن لا أحد توقع أن تتحول السحب إلى أمطار، لقد عدنا إلى حائط القلق.”

تداعيات خطرة

أعربت العديد من الشركات والمجموعات التجارية الأميركية عن قلقها من تداعيات النزاع التجاري المتصاعد مع الصين، ودعت “كارغيل”، أكبر الشركات الأميركية الخاصة المصدرة للمنتجات الزراعية، إلى الحوار بين واشنطن وبكين، مشيرة إلى أن من شأن ذلك أن يجنب الشركات والمزارعين والمستهلكين حرباً تجارية شاملة.

وقال نائب رئيس الشركة، ديفري بونر فورمرك “إن النزاع التجاري سيؤدي إلى تداعيات خطرة على النمو الاقتصادي وخلق الوظائف وسيؤذي الشركات الأكثر عرضة للتداعيات في العالم.”

بدورها، قالت متحدثة بإسم شركة تجارة الحبوب “آرتشر دانييلز ميدلاند”، إن الحوار الثنائي بين البلدين يجب أن يستمر، مضيفة أن الصين سوق مهمة للصادرات الغذائية والزراعية الأميركية.

وأعلنت شركات كبرى، مثل “بوينغ” العملاقة، أنها ستباشر تقييم الأثر المحتمل للرسوم الجمركية الصينية، اذ بلغت إيرادات بوينغ من الصين نحو 12.8% من مجموع إيراداتها لعام 2017، وهي غالباً ما تعتبر من بين الشركات الأميركية العالمية الأكثر عرضة لمخاطر حرب تجارية شاملة.

إجراءات وتوجهات جديدة

على المقلب الآخر، كشف مجلس الدولة الصيني عن المزيد من الإجراءات التي تهدف إلى تعزيز الاستثمار الأجنبي من أجل تحقيق المزيد من الانفتاح وتعزيز التنمية الاقتصادية عالية الجودة. وذكر البيان، الذي نشر على الموقع الإلكتروني للحكومة الصينية، أن البلاد ستوسع إمكانية الوصول إلى السوق، وستقوم بمراجعة القوائم السلبية الخاصة بالوصول إلى السوق بالنسبة للاستثمار الأجنبي وستصدرها قبل أول يوليو/تموز2018.

وبحسب البيان، سيتم تعزيز الانفتاح في القطاع المالي، كما سيتم تحسين الآلية الخاصة بالمستثمرين الأجانب المؤهلين، وسيتم تشجيع المستثمرين الأجانب على المشاركة في إجراء معاملات تجارية للعقود الآجلة للنفط الخام والحديد الخام فضلًا عن اكتتاب السندات الحكومية المحلية. وسيتم تشجيع الشركات الأجنبية على الاستثمار في المناطق الوسطى والغربية فضلاً عن قطاعات الزراعة وحماية البيئة والتصنيع المتطور والخدمات، كما سيتم تعزيز حماية مصالح المستثمرين الأجانب.

إضافة إلى ذلك، ستعمل الدولة على تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، وستتخذ إجراءات مشددة بشأن التزوير وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية، فضلا عن رفع سقف التعويضات الخاصة بانتهاكات حقوق الملكية الفكرية.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: دي دبلو.