أدى قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، زيارة استغرقت يومين لقطر، أواخر يناير/كانون الثاني 2021. ورغم الترويج لهذه الزيارة على أنها روتينية، إلا أنها تأتي بعد سنة من توتر العلاقات بين باكستان ودول الخليج، وهو ما يشير إلى أن إسلام آباد قلقة بشأن تقلص دورها في الهندسة الأمنية الخليجية.
لطالما كانت بين باكستان ودول الخليج علاقةٌ متعددة الأبعاد، حيث كانت قائمة في البداية على الدين والعلاقات الإستراتيجية ثم تطورت لتشمل العلاقات الاقتصادية. تتضمن العلاقة العسكرية التدريب والتعاون الأمني، في حين أن العلاقات الاقتصادية مرتبطة إلى حد كبير بمجتمع العمال المهاجرين الباكستانيين، الذين يعد وجودهم مهماً في المنطقة.
لبعض الوقت، ركزت سياسة باكستان الخليجية إلى حد كبير على الحفاظ على الروابط الثقافية والدينية، بدلاً من بناء روابط اقتصادية مستدامة. عرَضت إسلام آباد التوسط في التوترات بين الرياض وطهران، مع تجنب الوقوع في فخ مختلف الحروب الجارية. وعلى الرغم من إعطاء الأولوية لموارد الطاقة، إلا أن الجهود الشاملة المبذولة لتحسين العلاقات الاقتصادية مع الخليج كانت باهتة.
راعي الأمن
لطالما نصّبت باكستان نفسها على أنها الراعي الأمني لدول الخليج، وبسبب العلاقات الأسرية بين أنظمة الخليج ومختلف القادة الباكستانيين على مر السنين، كان يُنظر إلى إسلام آباد عموماً على أنها حليف يمكن الاعتماد عليه عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مصالح المنطقة. لكن في العام 2015، عندما منعت الاعتبارات السياسية المحلية باكستان من إرسال قواتها للمشاركة في حرب اليمن، اتخذت العلاقات منحى تنازلياً، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسعوديين والإماراتيين، وقد سمح ذلك للهند، العدو اللدود لباكستان، بالحصول على موطئ قدم أكبر في الخليج.
في الواقع، سعت حكومة ناريندرا مودي إلى تعزيز الروابط مع الخليج، التي أثمرت من خلال الاستثمار السعودي المكثف في مشاريع البنية التحتية والنفط في الهند، فضلاً عن التعاون في جهود مكافحة الإرهاب. من الواضح بشكل متزايد أن الهند بدأت تحل محل باكستان في الساحات التي كانت لباكستان سلطة فيها في السابق، مثل تصدير القوى العاملة. كما سلطت الزيارة “التاريخية” التي قام بها قائد الجيش الهندي إلى الخليج، العام 2020، الضوء على الدور العسكري المتنامي للهند.
كما أن المواقف المتغيرة لدول الخليج تجاه إسرائيل تؤثر بشكل غير مباشر على العلاقات الباكستانية – الخليجية، حيث رفضت القيادة الباكستانية رفضاً قاطعاً الاعتراف بإسرائيل، على الرغم من ضغوط الدول المؤثرة المختلفة. في المقابل، تعد العلاقة القوية بين الهند وإسرائيل، اللتين تشتركان في روابط في قطاعات مثل تكنولوجيا المعلومات جنباً إلى جنب مع الدفاع والاستخبارات، “إكسيراً” لدول الخليج التي تضفي علاقات رسمية مع إسرائيل.
يتمثل السبب الآخر لتدهور العلاقات الباكستانية – الخليجية في أن إسلام آباد تشعر بأن دول الخليج ليست جادة بما يكفي لإدانة الفظائع الهندية في كشمير. في أغسطس/آب 2020، انتقدت باكستان علانية منظمة التعاون الإسلامي التي تقودها السعودية بشأن هذه المسألة. لكن بينما ركزت باكستان على منهج الخطابة، تحركت الهند وجعلت نفسها أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية بالنسبة لهذه الدول.
العمال المهاجرون
وسط التغييرات الجارية في الخليج، وبالأخص التقارب بين دول الخليج وإسرائيل، لم يعد لدى باكستان الكثير لتقدمه. إنّ الحيز المفتوح للمنافسة يضيق نطاقه بسرعة، ولا بد أن يدرك المسؤولون الباكستانيون حقيقة ذلك.
في المقام الأول، يجب أن تركز السلطات الباكستانية على جعل فئة المهاجرين أكثر أهمية في دول الخليج، لما تشكله هذه الدول من تدفق هام جداً من التحويلات المالية. ولعل أفضل طريقة عمليّة للقيام بذلك هي التقييم الدقيق لخطط التجديد الوطنية لدول الخليج، مثل خطط “رؤية 2030″ السعودية و”رؤية 2035″ الكويتية و”رؤية 2040” العُمانية، وتدريب العمال على المهارات الموائمة للمشاريع المعينة. وهذا من شأنه أن يضمن قدراتهم التنافسية في أسواق العمل الخليجية.
في المقام الثاني، ينبغي على المسؤولين الباكستانيين دراسة وتحديد المجالات الاقتصادية المتاحة في الخليج وأبرزها التعاون الزراعي، لأن الظروف القاحلة إلى جانب ندرة المياه في الخليج تجعل الأمن الغذائي مصدر قلق دائم لدول المنطقة. وبما أن قطاع الزراعة يمثل نطاق تصدير قوي لباكستان، لا بد من اللجوء لاستثمارات جادة في البحوث الزراعية وتحسين المحاصيل الزراعية من أجل الاستفادة من سوق صناعات الأغذية الخليجية.
إلى جانب الحفاظ على الشركاء التقليديين، يجب على باكستان أن تواصل توسيع وإعادة النظر في العلاقات الثنائية مع دول أخرى في الخليج، مثل عُمان والكويت. وقد انعكست الخطوات الإيجابية في هذا الصدد في اتفاق يونيو/حزيران 2020 الذي أرسلت باكستان بموجبه عمالاً في مجال الصحة إلى الكويت للمساعدة في التصدي لجائحة “كوفيد – 19”.
حتى وقت قريب، لم تأخذ السياسة الخارجية الباكستانية بعين الاعتبار تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جميع دول الخليج. لكن مبادرات على غرار تأسيس منتدى الاتحاد الفيدرالي الباكستاني – العربي تظهر أن القيادة الباكستانية جادة في عكس أخطاء الماضي.
الاستثمار الأجنبي
تكمن أكبر فرصة لباكستان حالياً في الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني، وهو المشروع الرئيسي لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية الضخمة. وقد أعربت دول الخليج بالفعل عن رغبتها في أن تكون جزءاً من هذا المشروع، لارتباطه بخططهم للنمو الاقتصادي في القطاعات غير النفطية.
من خلال وضع حوافز مثل الإعفاءات الضريبية في المناطق الاقتصادية الخاصة للممر الاقتصادي، يمكن تشجيع دول الخليج على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر إلى باكستان، وهو أمر تعتبر البلاد في أمس الحاجة إليه في خضم الانكماش الاقتصادي الحالي.
توفر المنتديات المختلفة، بما في ذلك اجتماع منظمة التعاون الإسلامي لوزراء الخارجية في إسلام آباد الذي سيتم عقده في وقت لاحق من هذا العام، منصةً يجب على القيادة الباكستانية استغلالها. إن محاولة الحفاظ على النفوذ بمجرد لعب دور الوساطة بين السعودية وإيران لن يحقق أي شيء لإسلام آباد.
لقد حان الوقت لتنفيذ الخطوات العملية. فأبواب التغيير مفتوحة دائماً للراغبين في فتحها.
المصدر: ميدل إيست آي – تعريب وتحرير نون بوست.
مصدر الصورة: سي.أن.أن.
موضوع ذا صلة: العلاقات السعودية – الباكستانية: مصالح وإهتمامات متبادلة
باحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية – باكستان