لا يزال الأزهر هدفاً للحركة الصهيونية لأنه يعد أهم ورقة لمصر الإسلامية في العالم الإسلامي، وحارس الإسلام الصحيح، وشيوخه كانوا دائماً على مستوى المسؤولية.

تهلل المصادر الصهيونية كلما لمست انحرافاً من الأزهر في هذه المهمة، بل إن غضب الصهاينة اتقد بمناسبة المؤتمر الدولي للأزهر وهدفه تجديد الفكر الإسلامي، يومي 27 – 28 يناير/كانون الثاني 2020، وحظي شيخ الأزهر، كالعادة، بأهم موجات الغضب إذ استمر الإعلام الصهيوني يندد بالشيخ لصموده في مواجهة المتطرفين والجهلة من كل الاتجاهات.

وقد لاحظت أن ما أثار غضبه بشكل أكبر هو وجود غضب مستمر لن يهدأ إلا بانحراف الأزهر عن مهمته أو فقدان المصريين لثقتهم فيه؛ لذلك، فإنني أعتبر أن الثقة به تعبير عن مناهضة المشروع الصهيوني، الذي يستهدف مصر كلها بأزهرها ومساجدها وكنائسها وشعبها ونيلها. وقد سعدت إسرائيل بمساندة إنشاء “داعش” وتدريبه الذي لا يزال يشكل “محرقة” للشباب المسلم ومِعول هدم لصورة الإسلام في الغرب خلال العصر الحديث.

لقد هاجمت إسرائيل الأزهر واتهمته بأنه يخرّج الإرهابيين، وتحالفت مع التيارات المعادية للإسلام في مصر والمنطقة لوصم الأزهر بأنه “مصنع” للإرهاب، وربما سعت إلى إغلاق جامعة الأزهر ومعاهده الدينية. ويرى الملاحدة في مصر أن الأزهر مؤسسة “عنصرية” لأن جامعته ومعاهده يقصران القبول فيها علي المسلمين فقط، ويود أن تقبل الجامعة والمعاهد غير المسلمين، لكن الجدل مع هؤلاء لا يفيد لأن الله ختم على قلوبهم غشاوة. ومن العجب أن هؤلاء الملاحدة يرون حقاً لليهود في فلسطين وليس الفلسطينيين، فألحدوا إلحاداً سياسياً ودينياً في وقت واحد.

أما موجة الهجوم على شيخ الأزهر فكانت، شكلياً، على ملاحظاته في المؤتمر، ولكن الحقيقة هي أن بُغض إسرائيل للأزهر وشيخه تصاعد بسبب كلمة الأخير عن “صفقة القرن” وشعوره بالمهانة لأن فلسطين تباع بين الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حتى دون حضور صاحب الحق.

كان الشيخ، بهذه الملاحظة، يرد على انهماك البعض في محاربة الإسلام، وشغل نفسه بهذه الحرب. وتحت ستار هذا الانشغال، تنفرد إسرائيل بفلسطين. هكذا عبر رايموند إبراهيم، في مقاله بتاريخ 16 فبراير/شباط 2020 بمجلة المفكر الأمريكي – American Thinker، حيث نشر مقالاً بعنوان “الإصلاح الإسلامي؟ أكبر جامعة إسلامية تقول لا للإصلاح.”

يقول الكاتب أن شيخ الأزهر رفض تجديد النصوص المقدسة قطعية الثبوت والدلالة، وفتح باب الاجتهاد فيما عداه، لكن المشكلة عند الكاتب هي في هذه النصوص التي تحض على الاسترقاق وضرب المرأة وقتل المخالفين في الدين؛ فهذا الكاتب يريد أن يغير النصوص القرآنية، لكن شيخ الأزهر متمسك بهذه الثوابت التي تقوم إلى قيام الساعة.

أيضاً، عندما تعرض رئيس جامعة الأزهر للتراث أعجبني بيان دار الإفتاء المصرية المنشور على موقعها تعليقاً على ذلك، حيث قالت إن التراث ليس مقدساً ولكنه جزء أصيل من تراث الأمة يجب احترامه، في حين أن الكاتب له تاريخ طويل في معاداة الإسلام وأحدث كتبه “السيف والمنشار: 14 قرناً من الحرب بين الإسلام والغرب”. إن هذه الانتقادات التي وجهها الكاتب إلى النصوص ليست بجديدة، فقد سبق أن رد عليها العلماء الأفاضل بكل اللغات، فلسنا بحاجة إلى مناقشة من في قلبه مرض ضد هذا الدين.

أخيراً، أقول للصهاينة إنكم ضد اليهودية، واليهودية شريعة من شرائع الدين، والدين هو توحيد الله منذ آدم حتى محمد(ص)، ونذكّر فضح القرآن الكريم لأحبار اليهود عندما كشف أنهم هم الذين كتبوا التوراة، وأن هناك أسباباً كثيرة سياسية في الأساس لكي يحارب اليهود الإسلام. لكن الإسلام، الذي يضم اليهودية أيضاً، والكتاب الخاتم وهو القرآن الكريم حجة على جميع البشر، ولن ينال الصهاينة المعادون لليهودية من هذا القرآن الذي تكفّل الله بحفظه إلى قيام الساعة بقوله تعالى “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

وليطمئن الصهاينة أن العرب الذين أعزهم الله بالإسلام صاروا خداماً للصهاينة عندما تخلوا عن دينهم وباسمه باعوا الآخرة بالدنيا، ولكن ذلك عرض زائل، والله يحق الحق وهو الهادي إلى سواء السبيل. لكن الغريب أن أعداء هذا الدين جميعاً يشاركون إسرائيل في معاداة الأزهر.

*نشر المثقال بتاريخ 22/2/2020 في “راي اليوم” ويعاد نشره بناء على رغبة الكاتب نفسه وتشابه الأحداث.

مصدر الصورة: البيان الإماراتية.

موضوع ذا صلة: التطبيع بين الدين والسياسة

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر