تحالف “شاي الحليب”؛ هو حركة شبابية تضم ناشطين من تايلاند وتايوان وهونج كونج، وانضم إليهم مؤخراً ناشطين من ميانمار بعد الانقلاب العسكري. يقدم هذا التحالف، الذي تشكَّل في البداية عبر الإنترنت، قبل أن ينظم احتجاجات حقيقية على الأرض، رؤية لميانمار الديمقراطية والفيدرالية، وهي الخطوة التي عجزت عنها حتى الآن رابطة دول جنوب شرق آسيا، المعروفة اختصاراً إسم “آسيان”.

للحديث عن هذا التحالف الشبابي، ودوره في إعادة صياغة المشهد في ميانمار، نشرت مجلة “ذا دبلومات” مقالاً شارك في كتابته كلٌّ من جاسمين شيا، وسكوت سينجر؛ وهما باحثان يدرسان العلاقات الدولية للحصول على درجة الماجستير من جامعة أكسفورد.

ستهل الباحثان مقالهما بالإشارة إلى مشهد احتراق علم الآسيان مراراً وتكراراً على مدار شهر يونيو/حزيران في شوارع يانجون، أكبر مدينة في ميانمار، وهو ما اعتبراه دليلاً على الاستياء العميق الذي يسري في أوساط الحركة المؤيدة للديمقراطية في ميانمار بسبب عدم اتخاذ الرابطة الإقليمية إجراءاتٍ ضد حكومة الانقلاب التي يقودها الجنرال مين أونج هلاينج، بعد استيلائها على السلطة في 1 فبراير/شباط 2021.

استدل الباحثان على استنتاجهما بالنقد اللاذع الذي وجهته حركة العصيان المدني في ميانمار إلى رابطة الآسيان عبر تغريدة قالت فيها “إذا كنتم لا تعرفون الإجابة عن هذا، فلا مناص من التوقف عن رفع شعار مركزية الآسيان.. أنتم تُلحِقون بنا المزيد من الضرر”.

يلفت المقال إلى أن هذا الإحباط من الآسيان ليس جديداً، بل لطالما كان موجوداً منذ تأسيس الرابطة، التي يبدو أنها لا تفعل شيئاً يُذكَر في تلك المنطقة التي اعتادت حكوماتها أن تتصرف بلا رقيب أو حسيب. ومع ذلك، فإن التركيز المبالغ فيه على الآسيان – في ميانمار وخارجها على السواء – في غير محله، بحسب الخبراء الإقليميين الذين يعدون الآسيان المؤسسة الإقليمية الرئيسة؛ لأنها تحظى باعتراف الحكومات داخل المنطقة وخارجها، لكن ليس من مسؤولية الرابطة اتخاذ التدابير التدخلية المطلوبة لإحلال سلام إقليمي حقيقي.

والأهم من ذلك، عجز العلماء والمعلقون عن النظر إلى ما وراء المؤسسات الإقليمية الرسمية، ودراسة الرؤى الإقليمية المتنافسة التي يمكن أن يكون تأثيرها بالقوة نفسها – إن لم يكن تأثيرها أكبر – في أزمة مثل تلك التي تواجه ميانمار. فهناك أبعاد رمزية وإيديولوجية وطموحة لإحلال السلام الإقليمي يمكن أن تأتي من المنظمات الشعبية ذات التأثير الإقليمي المماثل.

على وجه الخصوص، كان تحالف “شاي الحليب”، وهو حركة إقليمية مؤيدة للديمقراطية انطلقت من “تويتر”، قوة مركزية في تشكيل الطريقة التي يستوعب بها شباب ميانمار المعركة الحالية الدائرة بين المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية وخصومهم الأكثر تسليحاً، وهو مأزق يواجه الشباب الآخرين في البلدان المجاورة.

لماذا لا تستجيب رابطة الآسيان؟

في 14 يوليو/تموز، أصدر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين بياناً أكد فيه على مركزية دور رابطة آسيان في المنطقة، وضرورة اتخاذها إجراءاتٍ قوية بشأن ميانمار. يرى الباحثان أن تصريحات بلينكين كانت صفعةً على وجه الناشطين والمعلقين المحليين، الذين طالبوا المجتمع الدولي مراراً وتكراراً بمحاسبة آسيان. وأدان أحد قادة الاحتجاج، تحدَّث شريطةَ عدم الكشف عن هويته، الرابطة قائلاً “لم ولن تتخذ آسيان أبداً أي إجراء بشأن المجلس العسكري في ميانمار”.

يأتي هذا الاستياء بعد ما كان يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه أكبر التزام تتعهد به الآسيان تجاه ميانمار، في اجتماع القادة الذي انعقد في جاكرتا، 24 أبريل/نيسان، وكان له هدف واضح هو إنهاء أعمال العنف في ميانمار. وافق قادة دول آسيان العشر، ومن بينهم الجنرال مين أونج هلاينج المثير للجدل، بالإجماع على خمس نقاط، من بينها: الوقف الفوري للعنف في ميانمار، وتعيين مبعوث خاص للرابطة للتوسط في المفاوضات، وتقديم المساعدة الإنسانية الممولة من الآسيان.

في التقييمات العديدة التي أجريت لاحقاً لإجماع قادة آسيان على النقاط الخمس، خلص العلماء والخبراء الإقليميون بأغلبية ساحقة إلى أن آسيان فشلت مرةً أخرى في إحلال السلام الإقليمي، إذ لم تتخذ الرابطة أي إجراء، ووصلت حالياً إلى طريق مسدود بشأن اختيار مبعوث خاص لمراقبة الأزمة في ميانمار. ولا يوجد حتى الآن تمثيل للرابطة على الأرض، ولم تعرب الآسيان حتى الآن عن استعدادها للاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية في المنفى، التي يرى معظم المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية أنها الحكومة الشرعية في ميانمار.

يُرجع الباحثان إحجام الآسيان عن التدخل في ميانمار جزئياً إلى المنطق الإقليمي الخاص بجنوب شرق آسيا. ويستدلان بقول الباحث الهندي أميتاف أتشاريا “حين أُنشئت في العام 1967 رابطة دول آسيان ووكالاتها بُنيت على مبدأ عدم التدخل، مع الالتزام بالمعايير المحلية مثل صنع القرار القائم على الإجماع، وتجنب البيروقراطية المتجاوزة للحدود الوطنية، وهي الركائز التي تشكل التصميم المؤسسي للمنظمة الإقليمية.”

لكن بالنظر إلى المنظمات المشابهة من منظور أوسع يتضح أنها لا تفعل الكثير لتسهيل التغييرات الشاملة لأنها تتطلب موافقة الدول المستقلة التي يجب أن تكون على استعداد للتخلي عن السلطة إلى هيئة سياسية أخرى؛ وبالتالي، إن التعاون الدولي، رغم أنه ممكن نظرياً، فإنه يصعب تحقيقه على الأرض. وإمكانية التعاون – أو بشكل أكثر دقة، استحالة التعاون – في عالم فوضوي يضم دولاً متعددة ذات مصالح متضاربة يحدد مسار العلاقات الدولية. وتمثل المنظمات الدولية الإقليمية مثل آسيان شكلاً رسمياً للغاية للمؤسسة التي يمكن للدول استخدامها لتحقيق هدف مشترك.

يتابع المقال “بسبب هيكلها المؤسسي الغارق في الرسميات، تأسست آسيان لجعل التغيير الجذري صعبَ المنال، وبالتالي فهي غير مجهزة لتنفيذه في ميانمار، ناهيك عن صياغة رؤية لما قد يبدو عليه مستقبل البلاد. بدلاً من ذلك، يتعين على العلماء والمعلقين النظر إلى ما وراء الهياكل الرسمية المقيدة للمنظمات الدولية الإقليمية، ودراسة البدائل على غرار: تحالف شاي الحليب.”

ميانمار ورؤية تحالف “شاي الحليب” الجديدة

يكمل الباحثان مقالهما بالقول “يتحدى تحالف شاي الحليب فهمنا التقليدي للحركة الشعبية. فهو أولاً وقبل كل شيء حركة افتراضية ولِدت من رحم تغريدة غير عدائية نشرها الممثل التايلاندي فاشيراويت شيفا-أري (المعروف باسمه المستعار: برايت) وصفت هونج كونج بأنها دولة. من حينها، تصاعدت حرب افتراضية بين متصيدي الإنترنت المؤيدين لبكين ومستخدمي الإنترنت التايلانديين الذين انضووا تحت لواء تحالف مناهض للحزب الشيوعي الصيني يضم مستخدمي الإنترنت في هونج كونج وتايوان.”

منذ ذلك الحين، أصبح تحالف “شاي الحليب” مصدر إلهام للمتظاهرين المناهضين للحزب الشيوعي الصيني في جميع أنحاء العالم. وفي الآونة الأخيرة، ابتكر الفنان التايلاندي سينا ويتاياويرج ملصقاً يدمج ميانمار في هذا التحالف. على الرغم من كونها حركةً افتراضية في الأساس، استطاع تحالف “شاي الحليب” أن يحفِّز دعماً مادياً ويحشد احتجاجات مناهضة للانقلاب في جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.

الأهم من ذلك، في حين أن تحالف “شاي الحليب” يختلف اختلافاً جلياً عن رابطة الآسيان؛ من واقع المقارنة بينهما على أصعدة ثلاثة: الاعتراف الرمزي بقادة ميانمار، وآليات المساءلة، والتطلعات، يسلط المقال الضوء على قدرة المؤسسات التي تعمل خارج سياق المنظمات الإقليمية، وخاصةً تحالف “شاي الحليب”، على الإسهام بدورٍ حاسم في معركة الدفاع عن الديمقراطية في جنوب شرق آسيا.

اولاً؛ فيما يتعلق بالاعتراف بشرعية النظام، بدا أن قمة آسيان أضرَّت أكثر مما نفعت حين وجهت الدعوة إلى مين أونج هلاينج. ووصف أشاريا هذه الخطوة بأنها خطأ سياسي، ناهيك عن كونها وصمة عار كبرى؛ لأنها أضفت الشرعية على المجلس العسكري وسمحت له بادعاء كونه الممثل الوحيد لميانمار في القمة. في المقابل، فشلت آسيان في التعامل مع حكومة المنفى، حكومة الوحدة الوطنية، التي تضم بعض المشرعين المنتخبين الذين أُطيح بهم في انقلاب فبراير/شباط.

في المقابل، يتخذ تحالف “شاي الحليب” موقفاً حازماً، ويصر على عدم الاعتراف إلا بحكومة الوحدة الوطنية، وتوجيه دعمه إلى السياسيين في حكومة الوحدة الوطنية، والمشاركة في منتديات حكومة الوحدة الوطنية للمطالبة بتمثيل أفضل للسياسيين في المنفى أو تبني سياسات اتحادية أكثر انفتاحاً.

وكان بيان حكومة الوحدة الوطنية، الصادر في 3 يونيو/حزيران، والذي تعهد بالاعتراف بمجتمع الروهينجا في ميانمار وضمان حقهم في المواطنة الكاملة، نتاجاً جزئياً للتنظيم الشعبي بين أعضاء تحالف “شاي الحليب”، الذين حددوا هذا الهدف بوصفه أولويةً رئيسة للحكومة الجديدة منذ لحظة تشكيلها. وحتى الآن، يواصل التقدميون تتبع التقدم الذي أحرزته حكومة الوحدة الوطنية في بيانها الصادر في 3 يونيو/حزيران، مطالبين باتخاذ إجراءات إضافية وبمزيد من الوضوح.

من خلال التعاون الجاد مع حكومة الوحدة الوطنية، يمثل شباب ميانمار المشاركين في تحالف “شاي الحليب” نموذجاً لنوعٍ جديد من السياسة في البلاد؛ يتسم بمشاركة المواطنين في صنع السياسات بفعالية، ومساءلة السياسيين أمام المواطنين بغض النظر عن الثروة أو السلطة التي يتمتع بها هؤلاء المواطنون.

في الوقت نفسه، لدى تحالف “شاي الحليب” مصلحة قوية في فهم وتشكيل تطلعات شباب ميانمار نحو مستقبل أكثر شمولاً. ويضرب المقال على ذلك مثلاً “استطلاع الرأي الذي طرحه تحالف شاي الحليب على تويتر وشارك فيه أكثر من 200 شخص رداً على أسئلة من قبيل: ما الذي ندرجه في الدستور الجديد؟ كيف نبني ديمقراطية فيدرالية أفضل؟”

على هذا النسق، يعيد تحالف “شاي الحليب” باستمرار تصور المواطنة في ميانمار – مع إعطاء الأولوية لإدماج الروهينجا واحتضان مسلحي كارين ووا وتشين الذين يدافعون عن الشعب – بطريقة شكَّلت تصور عديد من مواطني ميانمار للقومية البورمية. ولقد حقق التحالف الغاية ذاتها خارج ميانمار أيضاً؛ إذ أعاد صياغة تصور الجنسية الإندونيسية في مقاطعة بابوا الغربية، كما يعيد النظر في علاقة هونج كونج بالصين.

في النهاية، وبينما يتجاهل الخبراء الإقليميون دور تحالف “شاي الحليب” لصالح التركيز على الدور الراسخ الذي تضطلع به رابطة آسيان، يشدد الباحثان على أن آليات المساءلة في آسيان تفتقر إلى الفعالية التي تتمتع بها الحركة الناشطة على الإنترنت، فهي على الأقل قادرة على تحميل المسؤولية لحكومة الوحدة الوطنية.

كما أن طموحات الآسيان محدودة للغاية، واعترافها بالمجلس العسكري يسهم في تطبيع إعادة دمج جيش ميانمار، المعروف بإسم تاتماداو، في النظام الدولي. على النقيض من ذلك، يواصل أعضاء تحالف “شاي الحليب” تخيل المستقبل المحتمل ليس فقط لميانمار الديمقراطية، ولكن أيضاً لميانمار الفيدرالية.

يوضح الباحثان أن تحالف “شاي الحليب” لا يشكل فاعلاً إقليمياً بالمعنى التقليدي، ولا يتناسب نطاقه الجغرافي على الإطلاق مع رابطة آسيان. وفي نهاية المطاف، يسهم تحرر تحالف “شاي الحليب” من الهيكل المؤسسي الرسمي – وتمتعه بالمرونة في التخيل الافتراضي ومن ثم الدفاع بأدوات ملموسة عن ميانمار الديمقراطية والفيدرالية – في تمكين التحالف من تقديم رؤية لمستقبل لميانمار لن تتمكن رابطة آسيان أبداً من تقديمها.

يختم الباحثان مقالهما بالقول “لن يعود جيش ميانمار إلى ثكناته بهدوء، أو قريباً. لكن ميانمار ستتغير بغض النظر عن المحاولات المضنية التي يبذلها مين أونج هلاينج لوقف عقارب الساعة. ودعم الجهود الإقليمية لتشجيع هذا التحوُّل التدريجي أمر بالغ الأهمية لبناء ميانمار بعد زوال الانقلاب.”

المصدر: ساسه بوست.

مصدر الصور: النهار – ذا إيكونومست.

موضوع ذا صلة: قصة إنقلاب الجنرالات على زعيمة ميانمار