يارا انبيعة

يعد التخفي أمراً مهماً للجاسوس، لكن الموضوع يصبح غريباً عندما يتم استخدام الحيوانات لتأدية تلك المهمات. لكن الأمر لا يعتبر حديثاً، فلقد تم استخدام الحمام الزاجل للتجسس خلال الحرب العالمية الأولى، واليوم تتطور الأمر إلى استخدام الدلافين، في بلدان مثل الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، للقيام بعمليات بحث تحت الماء.

لكن قاعدة “لا تبدو أبداً كجاسوس”، قد انطبقت فعلاً على الحوت الأبيض الذي عثرت عليه السلطات النرويجية قبالة سواحل البلاد في أواخر شهر أبريل/ نيسان 2019. فلقد ارتكب الحوت خطأ ساذجاً للغاية ليكشف عن حقيقته، حيث أثار شكوك الصيادين والعلماء النرويجيين، من خلال وجود طوق حول جسد الحوت وعلامة تقول إنه من سان بطرسبرغ في روسيا.

وتنفي روسيا ارتكاب أي مخالفة، فضلا عن أن الحوت التزم الصمت تماماً ولم يكشف عن هويته. فهل لا يستطيع أم أنه لا يريد؟

“حوت بطرسبورغ”

قال خبير نرويجي إنه تم العثور على حوت أبيض قبالة السواحل النرويجية ومزود بسرج روسي خاص، ورجح أن يكون قد حصل على تدريب من جانب البحرية الروسية. وقال أودو ريكاردسين، عالم الأحياء البحرية، إن السرج مزود بحامل لوضع كاميرا وبملصق يحدد المصدر بسانت بطرسبورغ، واستطاع صياد نرويجي نزعه من على الحوت، وأضاف أن عالماً روسياً كان قد قال له إنه ليس من نوع الأطقم التي يستخدمها العلماء الروس.

هذا وقد اعتاد الحوت الأبيض المدرب الاقتراب من الزوارق النرويجية قبالة سواحل جزيرة إنغواي، وهي جزيرة في القطب الشمالي تبعد نحو 450 كلم من مدينة مورمانسك، التي يتمركز فيها الأسطول الشمالي الروسي، وعرضت هيئة الإذاعة النرويجية العامة فيديو يظهر نزع سرج الحوت الأبيض.

وقال ريكاردسين “إن السرج كان ملحقاً بالفعل بطوق محكم على الرأس، أمام الزعانف الصدرية”، مشيراً بأنه لم يكن مزوداً بكاميرا، مضيفاً “قالت زميلة روسية إنهم لا يجرون مثل هذه التجارب، لكنها تعرف أن البحرية تستخدم الحيتان البيضاء منذ سنوات وتدربها، والمرجح أنه على صلة بذلك.”

تجنيد الثديات

أثار حوت التجسس الروسي مخاوف حول تجنيد موسكو لثدييات بحرية مشابهة من أجل تنفيذ عمليات تجسس بمناطق أخرى حول العالم. وحسب مجلة “نيوزويك” الأمريكية، فقد ذكرت بأنه “يجب أن يدرك العالم أن هذا الحوت ليس الأول فيما يخص كتيبة الكائنات البحرية الروسية في مجال التجسس.” هذا وأشارت المجلة إلى احتفاظ روسيا بمزرعة كاملة من الحيتان في منطقة خليج سريدينيايا، وتعدّ منطقة حجز الحيتان والكائنات البحرية المؤهلة لأداء مثل هذه المهمات.

وتابعت أنه خلال فترة الحرب الباردة، كان استخدام الكائنات البحرية سمة مشتركة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي، موضحةً أن الجيش الأحمر درب حيوانات، مثل الكلاب، على حمل قنابل ناسفة للدبابات في الحرب ضد الجيش النازي أيضاً. وكشفت المجلة ايضاً ان موسكو سبق وأن دشنت منشأة بحرية تتولى تدريب الدلافين على أداء مهمات عسكرية، غير أن تمويل مثل هذه المشاريع توقف مع سقوط الإتحاد السوفياتي.

وفي تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية العام 2000، يفيد بأن روسيا باعت 27 فصيلة من الكائنات البحرية المدربة على المهام الإنتحارية، وكان من بينها حيوان الفظ، وأسد البحر، والفقمة، وفصائل الحوت الذي عثر عليه في سواحل النرويج، ووفق تقرير الوكالة فإن جميع الحيوانات البحرية المذكورة باعتها روسيا لإيران في هذا الوقت.

مهام قتالية

خلال مقابلة مع إحدى الإذاعات الروسية، أشار فيكتور بارانيتس، كولونيل روسي سابق، إلى أن بلاده كانت تستخدم “مثل هذا الحيوان للتجسس، فهل تعتقد حقا أننا نرفق رقم هاتف محمول مع رسالة تقول: الرجاء الإتصال على هذا الرقم؟”، مضيفاً “لدينا دلافين عسكرية لأدوار قتالية، نحن لا نعتم على ذلك.”

وقال بارانيتس “نمتلك في مدينة سيفاستوبول مركزاً للدلافين العسكرية، المدربة على مختلف المهام، من تحليل قاع البحر إلى حماية مجرى المياه، وقتل الغواصين الأجانب، وربط ألغام بأجسام السفن الأجنبية، وكان مركز الدلافين في شبه جزيرة القرم يخضع للسيطرة الأوكرانية، ولكن البحرية الروسية استولت عليه في العام 2014، عندما استولت القوات الروسية على شبه الجزيرة.”

إلى ذلك، يشير العديد من الباحثين في هذا المجال بأن الحيتان البيضاء، مثل الدلافين والحيتان القاتلة ذكية جدا، إنها حيوانات في القطب الشمالي واجتماعية جداً، ويمكن تدريبها كالكلب، خصوصاً وأن بعض الأنواع البحرية، كالحوت الأبيض، اعتادت الإقتراب من القوارب مراراً وتكراراً لمدة يومين أو ثلاثة أيام بحثاً عن الطعام، وفمها مفتوح.

حيوانات سرية

بغض النظر عن حقيقة الواقعة، فإنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الحيوانات السرية للتجسس، وهذه قائمة بأبرز الحيوانات التي استُخدمت للتجسس، ومن أبرزها:

  1. القطط: قامت وكالة المخابرات المركزية – “سي.آي.إيه” بمحاولة جعل قطة عميلة ميدانية. ففي ستينات القرن الماضي، تم إنفاق 14 مليون دولار على مشروع لزرع أجهزة تنصت داخل القطط، بهدف تجولها لالتقاط معلومات استخباراتية حيوية في روسيا. لكن التجربة باءت بالفشل منذ اليوم الأول عندما تم دهس القطة بسيارة خارج السفارة السوفياتية في واشنطن.

  1. الخفافيش: يُعرف عن الخفافيش أنها صامتة وتعمل في الظلام وغالباً ما تعيش في مخابئ سرية في الكهوف. من هنا، كانت محل اختيار للجاسوسية من قبل الولايات المتحدة. فخلال الحرب العالمية الثانية، اقترح طبيب أسنان تركيب أجهزة صغيرة في مليون خفاش، بحيث تمر فوق مدن يابانية ثم تنفجر وتسبب عاصفة حارقة، وتم إجراء العديد من الاختبارات، لكن الفكرة لم تفلح أبداً.

  1. البق: في العام 2008، حاولت وكالة مشاريع الأبحاث المتقدمة التابعة لوزارة الدفاع الأميركية تطوير حشرات البق وذلك بإدخال أسلاك في أعصابها حتى يمكن السيطرة عليها. وذكرت شبكة “بي.بي.سي” أن التجربة شهدت نجاحاً متفاوتاً، وتم تطبيقها على أسماك القرش والفئران والحمام، ومع تقدم التكنولوجيا، ينصب التركيز الآن على إنشاء أجهزة تنصت صغيرة تبدو كأنها بق حقيقي.

  1. السناجب والطيور: في العام 2007، أمسك الجيش الإيراني فريقاً مكوناً من 14 سنجاباً عثر عليها بالقرب من محطة لتخصيب اليورانيوم، ولم يكن الأمر واضحاً تماماً حينها. وفي العام 2013، احتجزت السلطات المصرية اللقالق ليس فقط بسبب العبوة المشبوهة التي كانت تحملها في منقارها، لكن أيضاً لأنها كانت مزودة بجرس إنذار لأجهزة الأمن.

مصدر الأخبار: وكالات.

مصدر الصور: سبوتنيك – National Geographic