إن تغيير سياسة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في قطع الدعم العسكري والاستخباراتي لواشنطن عن الأسرة السعودية، وكذلك خطته للامتناع عن بيع الأسلحة الهجومية لها، ترك تركيا تغتنم الفرصة لتحقيق أقصى استفادة من عزلة السعودية. ومنذ الأيام الأخيرة من شهر فبراير/شباط، كانت هناك تقارير تفيد بأن تركيا تسعى لإرسال معدات عسكرية، والأهم من ذلك التنظيمات المسلحة السورية إلى السعودية لمرافقتها في الحرب على اليمن. حيث كان الوجود المفاجئ لتركيا في ساحة المعركة باليمن، في وقت تسعى فيه الولايات المتحدة والسعودية للخروج بـ “كرامة” من فضيحة القرن الكبرى هذه، مفاجأة لكثير من المحللين الدوليين.

ومع ذلك، فإن العلاقات المتوترة بين أنقرة والرياض على مدى السنوات القليلة الماضية بسبب دعم الرئيس رجب طيب أردوغان لقطر في مسألة تعتيم العلاقات القطرية – السعودية دفعت بتركيا إلى محاولة صنع غسم لنفسها خلال الفترة التي تسبق الإعلان النهائي عن النهاية للحرب في اليمن ووضع اسمها بجانب السعودية.

ومن المرجح أن يشمل الدعم التركي للسعودية طائرات عسكرية بدون طيار؛ وهي أداة عسكرية كانت لها قدرة على التألق بشكل جيد في الصراع الليبي وكذلك الحرب التي استمرت أياماً بين أذربيجان وأرمينيا وغيّرت من نتيجة الحرب. وبحسب تقارير إخبارية في وسائل الإعلام السعودية، دعا قادة حزب الإصلاح اليمني، والذي هو فرع “الإخوان المسلمين” في البلاد، على ما يبدو تركيا إلى دخول ساحة المعركة لصالح السعودية. ولكن موقف حزب الاصلاح اليمني ليس واضحا جداً حيث أن الإمارات، التي كانت أحد حلفاء السعودية في حرب اليمن، عارضت منذ البداية وجود ونشاط حزب الإصلاح وانخراطه في الحرب، وحتى يومنا هذا كانت السعودية هي الوحيدة التي سمحت لهذا الحزب بالمشاركة في الحرب ضمن البلاد بشكل مُتحفظ ومتردد.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية ستستفيد أيضاً من هذا الاتفاق الجديد مع تركيا في كل من الحرب اليمنية والقضايا الدولية. وبعد نشر إدارة بايدن وتقرير وكالة المخابرات المركزية تقريراً حول اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي – الذي اغتيل في القنصلية السعودية في اسطنبول، يخشى السعوديون من فقدان الدعم الأميركي وخاصة دعم حكومة بايدن لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لإجبارهم على إنهاء الحرب اليمنية في وضع لم يحققوا فيه أياً من أهدافهم في هذه الحرب، حيث يشير الوجود التركي في هذه الحرب أنه في مسألتي اغتيال خاشقجي واليمن، يمكن أن تكون تركيا حليفاً جيداً للمملكة.

ووفقاً للسعوديين، يمكن لهذا التحالف أيضاً أن يحتوي على رسالة مهمة لإيران في المنطقة، وهذه الرسالة هي أنه إذا لم تكن الولايات المتحدة حاضرة في المنطقة أو حتى عادت إلى الاتفاق النووي، فقد يتغير التحالف السعودي مع الرئيس أردوغان ميزان القوى في المنطقة لصالح السعوديين.

وقد أظهرت تركيا في الأزمات الإقليمية المختلفة أنها تحاول الاستفادة من وجودها على الحدود السورية لأقصى حدٍ ممكن. وهذا هو السبب في أنه وخلال الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، كانت هناك تقارير تُفيد بإرسال الإرهابيين السوريين إلى أذربيجان للدخول في الحرب مع أرمينيا، والآن هذه التنظيمات التي فشلت في أداء أي دور في سوريا وهزمت من قبل حكومة الرئيس السوري بشار الأسد ذاهبة إلى اليمن لتضيف هزيمة إلى هزائم المرتزقة السعوديين.

وبحسب التقارير، فقد عرضت تركيا على كل من هؤلاء الإرهابيين راتباً قدره 2500 دولار شهرياً ليتمكنوا من المشاركة في الحرب ضد اليمن مع المرتزقة السعوديين الآخرين، حيث قالت ليندسي سنيل، مراسلة مقيمة في تركيا، على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي، إنها تمكنت من الوصول إلى ملف صوتي يظهر أن المقاتلين يتلقون 400 دولار في طريقهم إلى اليمن و2000 دولار بعد الاستقرار في ساحة المعركة، وتم منح عائلاتهم 100 دولار حتى يتمكنوا من الحصول على جوازات سفر ودفع تكاليف رحلتهم إلى السعودية. وذكرت أن عدداً منهم كانوا على الجبهة الأذربيجانية من قبل وكانوا يتقاضون ذات الراتب في ذلك الوقت. وبالطبع، أعلن بعضهم في ذات الوقت أننا لن نأخذ هذا المبلغ لنكون في خط المواجهة ولن نضحي بأرواحنا من أجل الأذريين.

والجدير بالذكر بأن هنالك قضية أخرى تشير إلى تعاون تركيا الوثيق مع السعودية في الحرب ضد اليمن وهي إسقاط طائرة تركية بدون طيار من قبل قوات أنصار الله في اليمن. حيث تعود الطائرة المُسيّرة هذه إلى مصنع Westel Caryl، وهو نفس المصنع الذي زُعم أن الحكومة التركية تلقت 200 مليون دولار من العائلة السعودية مقابل بيع 40 طائرة من هذه المُسيّرات للسعودية. وقد استخدمت تركيا بالفعل مثل هذه الطائرات المُسيّرة في الصراع الليبي، وتشير بعض التقارير إلى أن القوات التركية استخدمت هذه الطائرات المُسيّرة ضد القوات الأرمينية في أزمة القوقاز.

وبهذا التبرير فقط، انضم الأتراك إلى حرب اليمن وشاركوا في فضيحة هذه الحرب، حيث شعروا أن “السعودية بقيت وحيدة في هذه الحرب”، وكتبت صحيفة يني شفق الموالية للرئيس التركي حول هذا الأمر “تركيا هي الدولة الوحيدة التي يمكنها حماية السعودية في هذه الحرب”، حيث يعتقد بعض المحللين أن الأكثر من استعداد تركيا للمشاركة في حرب اليمن، هو أن السعودية هي التي تريد أن تكون أنقرة حاضرة وتدعم أردوغان لأنها تعلم أنه بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة لن تتمكن من الاستمرار في عداوتها المتزامنة مع تركيا وإيران، وتقريب تركيا منها هو السبيل الوحيد لمواجهة إيران.

ورغم كل هذه الأخبار والتحليلات فإن الحقيقة الواضحة على أرض الحرب اليمنية هي التصاعد اليومي لقوة أنصار الله والشعب اليمني والضربات المُحكمة التي أصابت المواقع والمصالح السعودية في الداخل. وقد أدّت ضربات الطائرات المُسيّرة والصواريخ اليمنية على منشآت النفط السعودية إلى تغيير ميزان القوى لصالح الشعب اليمني في الأيام الأخيرة من الحرب، وتسعى السعودية الآن إلى الخروج بـ “كرامة” من الحرب دون الدعم الأميركي، حيث كتبت وسائل إعلام إقليمية أخرى أنه حتى لو كانت أنقرة تبحث عن طريقة لتعزيز علاقاتها مع السعودية، فإن الحرب اليمنية ستكون أسوأ مكان للتصالح بين البلدين. إن تركيا الآن في الجانب الخطأ، وقد دخلت ساحة المعركة مع الحوثيين في وقت أصبح من الواضح بالفعل أنه حتى لو لم ينتصر الشعب اليمني في هذه الحرب، فلن تنتصر السعودية أيضاً.

المصدر: صحيفة وطن امروز/ تعريب: جاده إيران

مصدر الصور: العربي الجديد – الحرة.

موضوع ذا صلة: جغرافيا البحر الأحمر: بين التسابق الدولي وشراء الولاءات.. تركيا مثالاً