إجتاحت القوات التركية شمال العراق بعملية أطلق عليها تسمية “المخلب النسر”، تبعتها بأيام عملية ثانية سميت “المخلب النمر” لتعقب عناصر من حزب العمال الكردستاني المعارض. لم يكن إجتياح القوات التركية للأراضي العراقية هو الأول من نوعه، بل هناك سوابق عديدة في هذا المجال وبنفس الحجج التي تسوقها أنقرة لتبرير وجودها العسكري في منطقة الشمال.
لكن ما يثير الإستغراب هو الموقف التركي الرسمي غير المبالي للإحتجاجات العراقية لتواجد عسكري غير مبرر من قبل دولة جارة، إذ أن أنقرة لم تُراعِ مبادئ حسن الجوار وشرط إقامة أفضل العلاقات بين الدول وكما ورد في ميثاق الأمم المتحدة؛ بالتالي، تعطي تركيا مبرراً لعملياتها القتالية بمقاتلة ومطادرة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لسياساتها، إذ ترى في الحزب خطراً على أمنها القومي إذ سبق وصنفته ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية التي يجب محاربتها وإن كان خارج حدودها متذرعة بالقانون الدولي الذي يتيح لها حق التدخل في أراضي دولة اخرى للحفاظ على أمنها القومي ضمن موارد معينة أتاحتها قواعده.
في الوقت ذاته، تريد تركيا إستثمار تلك النقطة للقضاء على حزب العمال ذات التوجهات الإنفصالية وحلم إنشاء دولة كردية في الجنوب الشرقي منها، إذ يسكن تلك المنطقة غالبية كردية تريد تكرار تجربة كردستان العراق، على الأقل من حيث تمتعها بحكم ذاتي، وهذا بحد ذاته يشكل خطراً على الأمن القومي التركي ووحدة البلاد، كما تصفه أنقرة. وتنطلق في فرضياتها للتدخل العسكري في الشمال من إتفاقيات سابقة تتيح لها ذلك التدخل في الأراضي العراقية، وهذا ما تنفيه الحكومة العراقية جملة وتفصيلاً، بل إنها رفعت شكوى ضدها لدى مجلس الأمن للنظر في تجاوزاتها وإنتهاكها للسيادة العراقية وتعريض أمنه القومي للخطر، فضلاً عن إستخدام القوة لبعض النقاط التي تقول بأنها مقار وأهداف لحزب العمال الكردستاني وليس قصف المواقع المدنية الآمنة.
هذا التدخل أثار موجة من الإستنكار على صعيد الجامعة العربية لا سيما على لسان أمينها العام، أحمد ابو الغيط، الذي عد ذلك التدخل العسكري مرفوضاً ويمثل اعتداء على دولة ذات سيادة وعضو في مجلس الجامعة. فضلاً عن ذلك، إن التدخل التركي يمثل خرقاً فاضحاً للمبادئ التي قامت من أحلها الأمم المتحدة ومن أهمها مبدأ إقامة العلاقات الودية وعدم التدخل بشؤون الغير، وهذا ما نقضته أنقرة بالإعتداء على سيادة دولة جارة دون إخطارها بالعمليات العسكرية.
في هذا الشأن، سلم العراق مذكرة إحتجاج رسمية للسفير التركي في بغداد ضمن محاولة دبلوماسية للخروج من هذه الأزمة؛ وإذا لم تنفع تلك الوسيلة، فسيتم رفع شكوى رسمية إلى مجلس الأمن، خصوصاً وأنه قد سبق للعراق أن رفض كل التبريرات التركية بشأن تواجد قواتها فوق أراضيه إذ أنه لم يُعطِ أية موافقة مسبقة لإقامة قواعد عسكرية عليها كما تزعم أنقرة، التي تتواجد حالياً ضمن العديد من القواعد العسكرية في بعشيقة بحجة مراقبة ورصد عناصر حزب العمال الكردستاني.
بالنسبة إلى أنقرة، فهي ترى بأن القضاء على تلك المنظمة يعني تعزيز دورها في إقرار الأمن والسلام فيها ويبعدها عن التوترات في المثلث الحدودي الذي يربطها مع كل من العراق وسوريا، حيث يتركز نشاط الحزب. فعلى الرغم من توصل الجانب التركي مع حزب العمال الكردستاني الى إتفاق سلام العام 2013، إلا أننا نرى بأن ذلك الإتفاق بقي حبراً على ورق بعد الخروقات المستمرة بين كلا الطرفين ومحاولة إستهداف بعضهما بعضاً، وهذا ما أدى إلى تواصل الحرب بينهما.
أخيراً، يمكن للعراق أن يمارس الضغوط على الجانب التركي من أجل سحب قواته من الشمال ولا سيما من بعشيقة الذي تتخذ تركيا منها معسكراً لقواتها في الزليكان. إن العراق لديه نشاطات تجارية تقدر بحدود 12 مليار دولار، ويشكل حجم التبادل التجاري بين البلدين ورقة فعالة لتحقيق الإنسحاب من الحدود العراقية وعدم التدخل مجدداً في الشأن الداخلي.
*باحث في الشأن السياسي – العراق.
مصدر الصورة: صحيفة العرب.
موضوع ذا صلة: “البحر المفتوح”: تدريبات عسكرية على السيطرة الإقليمية