يجب على الأمم المتحدة و”العالم الحر” أن يتدخل حتى لا ينفّذ القضاء الصهيوني “المستقل” النظرية الصهيونية في استرداد فلسطين والكشف بصراحة عن أن ما حصلت عليه إسرائيل في فلسطين بأنه كان استرداداً لأرضهم وليس احتلالاً؛ وما دامت معظم قرارات الأمم المتحدة والدبلوماسية الدولية تعتمد نظرية العدوان والاحتلال، فيجب على أمين عام الأمم المتحدة ورئيس الجمعية ومجلس الأمن والدول الدائمة العضوية – التي حمّلها الميثاق مسؤولية خاصة في حفظ السلم والأمن الدولي والقانون الدولي – أن تتصدى لإسرائيل.
لقد كشفت إسرائيل عن هذه النظرية منذ أعوام، لكن العالم اغفل هذا الاتجاه ووافق على ما تفعله. وللأسف إن الدول العربية والدول الأخرى – التي اعترفت بإسرائيل – تعترف ضمنياً بنظرية “الاسترداد”؛ لذلك، يجب على الجامعة العربية والدول العربية المعترفة بإسرائيل على امتداد بضعة عقود وأهمها مصر أن تراجع موقفها من إسرائيل. كما يجب على الأمم المتحدة أن تُسقط عضوية إسرائيل فيها لأنها انتهكت الميثاق و”قرار التقسيم” بل وشروط قرار قبولها كعضو في الأمم المتحدة، 9 مايو/أيار 1949، حيث قامت إسرائيل على أساس أن التعايش بين صاحب الأرض والضيف صار مستحيلاً وتلك ذريعة لتقسيم فلسطين، فتم تقسيمها بين العرب واليهود – الذين يضمرون غير ما يعلنون – في وقت رتبت فيه بريطانيا العظمى لهذه المؤامرة مع كل من واشنطن وموسكو والغرب عموماً.
من هنا، يمكن القول – بالفعل – أن إسرائيل لم تحترم “قرار التقسيم” الذي يعتبر هو الأساس الوحيد الوضعي لشرعية قيامها رغم أنه يتصادم مع نظام الشرعية في الميثاق. فقد كان قيامها مؤامرة، والاعتراف الفوري بها أيضاً مؤامرة، وتماديها في تنفيذ المشروع الصهيوني امتداد لتلك المؤامرة.
المهم أنه خلال صمود الفلسطينيين ضد محاولات إسرائيل طردهم من بيوتهم، وإطلاق جموع المستعمرين – تحت رعاية الشرطة الصهيونية وبمباركة حاخامت إسرائيل استناداً إلى النص المحرّف من التوراة – واستيلائهم على المنازل في القدس، لجأً الفلسطنيون إلى القضاء الصهيوني الذي أقرّ بأن هذه البيوت يجب أن تؤول إلى أصحابها من المستعمرين على أساس أن الأرض ملك لأجدادهم، وأن العرق الفلسطيني استولى عليها وحرم اليهود منها لآلاف السنين.
بالإضافة إلى ذلك، قررت المحكمة الصهيونية أن يتم دفع ثمن بيوتهم بأثر رجعي يعود إلى العام 1945، أي 3 أعوام قبل قيام إسرائيل، لكن الفلسطينيين طلبوا أن تحصل هذه الأموال لصالح “أصحاب” الأرض اليهود. وقد وافق الفلسطينيون تحت ضغوط الطرد من بيوتهم، لكنهم طلبوا من المحكمة أن تودع هذه الأموال في صندوق خاص لتفادي التعامل المباشر بين الفلسطينيين والمستعمرين. في كل الأحوال، هذا إقرار بنظرية “الاسترداد” التي تطبّق في كل فلسطين الآن، خاصة في مدينة القدس.
أيضاً، المعلوم أن الغرب يشيد باستقلال القضاء الإسرائيلي ويتعاون معه، وهو في الواقع أحد أذرع المشروع الصهيوني ويعْلم الفلسطينيون ذلك، لكن لا ملجأ لهم إلا هذا القضاء الذي – أحياناً – يتظاهر بالعدل.
من هنا، أرجو أن يقوم أحد الباحثين الفلسطينيين بتحليل موقف القضاء الصهيوني من المسائل المتداخلة مع الفلسطينيين، وأن تمد حركة المقاطعة الأوروبية نشاطها إلى هذا القضاء.
بقى أن نطالب العرب بإعادة النظر في مسألة الاعتراف بإسرائيل ما دامت تفاهمات الاعتراف وفرضياته قد اختلفت. كما أنني أناشد الأمم المتحدة أن تتدخل لحماية الفلسطينيين وبيوتهم من بطش المستعمرين المدعوم بأحكام القضاء الصهيوني.
وأخيراً، أناشد منظمات حقوق الإنسان أن تركز على حماية الفلسطينيين في بيوتهم وهدم نظرية “الاسترداد” الصهيونية.
مصدر الصورة: سبوتنيك.
موضوع ذا صلة: تحرير المصطلحات الصهيونية في الصراع العربي – الإسرائيلي
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر