إن التحديات التي تواجه العالم في الألفية الجديدة لا تصدّق، خاصة لجهة التطورات في استخدام القوة العسكرية وفي السياسة الاقتصادية والتنمية الاجتماعية.

فيما يخص طريقة تعامل العالم مع العمليات المرتبطة بالعولمة، نجد أنه من ناحية هناك إجماع سياسي واضح على الحاجة لتطوير شكل حكم عالمي، وقانون دولي وسياسة دولية تعكس استجابة متعددة الأطراف لتهديدات الأمن الإنساني. ومن ناحية أخرى، هناك مقاومة مكافئة واضحة ضد المس بالسيادة الوطنية الذي ينطوي عليه إجماع دولي، خصوصاً عند القيام بمسح للتطورات الأساسية في الطريقة التي نشرت بها المجموعة الدولية قواتها العسكرية أو رسمت سياسة اقتصادية تنموية لمهمة واسعة جداً في مقدمة العلاقات الدولية.

وبالنسبة لما يتعلق بالاستخدام المناسب للقوة في السياسة الدولية، حيث هناك قوانين تحدد متى يمكن اللجوء إلى القوة، إلى جانب القوانين التي تتعلق بالكيفية التي تتعلق بالعملية العسكرية على الأرض، وكيفية التعامل مع العدو في حال هزيمته، نرى أيضاً طريقة التعامل مع أراضيه ومواطنيه المدنيين؛ وبالتالي، إن تساهل هذه القوانين وتعديلاتها المتعلقة باستخدام القوة شكّلت نوعاً من المحاولات للتماشي مع ممارسات القوى الكبرى وتقنيته العسكرية المتقدمة (حروب الجيلين الرابع والخامس)، ليكون التطور السريع في فهمنا السياسي لموقع القوة العسكرية في العلاقات الدولية والتطور السريع المماثل للقانون الدولي العام المتعلق باستخدام القوة منذ العام 1945، وهو ما يقترح تغيراً مهماً جداً وسريعاً في المزاج الدولي لما يُعتبر الوسيلة السياسية الأساسية لدى السياسة الدولية.

وفيما يتعلق بالعدالة الاقتصادية الدولية، فلقد بدأت أصواتها تتعالى خصوصاً مع النداءات التي تطالب بالتخلص من الفقر في البلدان النامية، والتي حظيت بدعم كبير في العلاقات الدولية المعاصرة، حيث يُناقش هذا الموضوع على أعلى المستويات في الأمم المتحدة وقمم الـ 8 الكبار، إلا أن التقدم الذي أحرز بخصوص تلبية مطالب العدالة الاقتصادية العالمية، لا سيما التخفيف من وطأة الفقر في العالم النامي، لا يمكن اعتبارها مسألة إعطاء هبات أو صدقات، لكنها مسألة تتعلق بالعدالة والأخلاق، وهي أساسية للاستقرار السياسي في السياسة الدولية.

في خضم ذلك، يحدث جدل كبير جداً حول مستقبل السياسة الدولية، الأمر الذي قسم العالم إلى معسكرين، فمعظم الدول الفاعلة لها موقف واضح في أن هناك حاجة حقيقية لإجراء رسمي يسمح للمجموعة الدولية بالتدخل لأغراض إنسانية، ومجموعة أخرى تقبل بأن تمنح الأمم المتحدة القوة الضرورية لتأسيس ذلك الحق في التدخل. لكن الجامع هنا أن هناك اعتراف عالمي بأن الفقر – لا سيما في بلدان العالم الثالث – ليس مسألة “سوء حظ”، بل مشكلة ينبغي على المجتمع الدولي مواجهتها، خاصة وأن هناك قلة ممن يرغبون في الاعتراف بمركزية الفقر العالمي بما يتعلق بمبدأ العدالة.

أخيراً، يجب البحث في كيفية تطوير طرق تفكير جديدة وتصور هياكل جديدة لنظام الحكم العالمي، لكن معضلة البلدان النامية اليوم تفاقمت بشكل كبير في ضوء جائحة “كورونا” العالمية ولم يعد بالإمكان تحسين الاقتصادات المعدمة ولا حتى الناشئة؛ وبالتالي، إن حل مشكلة العالم الثالث – رغم التطور في المجتمع الدولي وداخل الأسرة الدولية نفسها – لن تستطيع تقديم المساعدة على الأقل لأعوام عديدة قادمة.

مصدر الصورة: بريتانيكا.

موضوع ذا صلة:  العدالة الدستورية وتطورها

عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت