في بداية المقال، سنبدأ سؤال مهم جداً: أين وكيف وضد من تم تطوير الأسلحة البكتريولوجية؟ أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن الولايات المتحدة تجري تجارب على عينات من فيروس “كورونا” على طيور الخفاش في أوكرانيا، وهذا ما تؤكده الوثائق والحقائق التي لا تقبل الجدل والتي تم كشف عنها خلال العملية العسكرية الروسية الخاصة لحماية جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
بالنسبة لي، لم تكن هذه المعلومات والحقائق تعد خبراً مثيراً، فلقد تحدثت – في وقت سابق – عن حقيقة وجود ما لا يقل عن 13 معملاً في أوكرانيا يمكنها انتاج أسلحة بكتريولوجية منذ أكثر من عام، وتحديداً في سبتمبر/أيلول 2021 في منتدى دولي في خاباروفسك، والذي خصص لذكرى محاكمة مجرمي الحرب اليابانيين المتهمين بالتحضير لشن حرب جرثومية ضد الإتحاد السوفياتي خلال الحرب الوطنية العظمى.
وكما بات معروفاً، تمت إدانة العسكريين اليابانيين خلال محاكمتهم في طوكيو، في حين أن المجرمين الذين قاموا بتجارب وحشية على أشخاص في ملاجئ يابانية وأعدوا للعالم كارثة بكتريولوجية رهيبة لم يمثلوا أمام المحكمة، لماذا؟ أجابني على هذا السؤال كل من بيتر كوزنيك، أستاذ التاريخ في جامعة واشنطن، سينجي كوندو، الكاتب والصحفي، بالقول: “لقد أبرم الأمريكيون اتفاقاً مع اليابانيين بأنهم حصلوا على نتائج التجارب من الألف إلى الياء، لكنهم لم يحضروا المجرمين اليابانيين إلى المحكمة.”
بناء على ما سبق، قرر الاتحاد السوفياتي اقرار محاكمة منفصلة، والتي جرت العام 1948 في خاباروفسك، المدينة التي – وفقاً لخطط الجلادين اليابانيين – كانت أول من يجب أن يتعرض لهجوم وحشي غير إنساني.
لقد تحدثت بالتفصيل عن هذا التهديد للإنسانية في كتبي “جلادو الجحيم” و”الأسلحة البكتريولوجية”؛ بفضل عملية خاباروفسك، تعلّم الناس حقيقة أنه لولا الأعمال البطولية للجيش السوفياتي لكان العالم قد انغمس في كارثة بكتريولوجية. فمجرد وجود الحياة على هذا الكوكب كان موضع شك، وذلك باعتراف الجنرالات اليابانيون المتهمون أنفسهم، بمن فيهم قائد جيش كوانتونغ، الجنرال أوتزو يامادا، شخصياً. لقد أعدت اليابان بالفعل هجمات جرثومية على كل من الاتحاد السوفياتي والصين والولايات المتحدة، لكن الإجراءات السريعة التي قام بها “الجيش الأحمر” – والتي هزمت جيشها البالغ 1.5 مليون عسكري في 10 أيام – أحبطت تلك الخطط.
فبعد أن أوقفت أجهزة المخابرات الأمريكية جميع التطورات اللاإنسانية للمجرمين اليابانيين، قامت – بالفعل – بنشر مختبرات سرية في أوكرانيا وفي عدد من البلدان الأخرى، وهذاما علمته من سكوت بينيت، الضابط السابق المتخصص في العمليات النفسية ضمن الكتيبة 11 الأمريكية، حيث اكتشف وجود مختبرات في أوكرانيا يتم فيها تصنيع أسلحة بيولوجية، وهي منتشرة على مساحة البلاد، وأبرزها في لفيف وأوزجورود وفينيتسا وكييف وأوديسا وخيرسون وخاركوف. بالإضافة إلى ذلك، قال بينيت إن عمل المتخصصين في المختبرات الأوكرانية قدمته ودعمته الولايات المتحدة الأمريكية.
إقرأ أيضاً: أسرار خطيرة.. هجوم بيولوجي كان يحضر على روسيا من أوكرانيا
ووفقاً له، عرضت واشنطن على السلطات الأوكرانية أموالاً طائلة لهذا الغرض من أجل بسط سيطرتها على الحكومة واختراق أراضي دونيتسك ولوغانسك، ومن ثم التوجه إلى روسيا؛ فوفقاً لبينيت أيضاً وفي حال حدوث نزاع عسكري مع روسيا، ستصبح أوكرانيا واحدة من القواعد المتقدمة التي من الممكن القصف والاستهداف منها.
بطبيعة الحال، نفت السلطات الأمريكية كل تلك المعلومات المسربة حول التهديد الوشيك؛ ومع ذلك، بدأ التأكيد غير المباشر للخطر يظهر أكثر فأكثر. لذلك، تحدث ناشطون أوكرانيون عن حالات وفاة غريبة في خاركوف، على سبيل المثال، حيث صرح رئيس منظمة خاركيف العامة – روس تريدينايا، سيرجي مويسيف، في وقت سابق أنه تم تسجيل تفشي إنفلونزا غريبة جداً بالقرب من المدينة ما أدى إلى موت العشرات من الأشخاص؛ وبحسب مويسيف نفسه، فإن السبب في ذلك هو اختبار فيروسات مختلفة على البشر.
ضمن السايق ذاته، قال سكوت بينيت إن الولايات المتحدة تستخدم هذه المعامل لتطوير أسلحة بيولوجية من خلال متعاقدين معها، ويعملون تحت رعاية مكتب “فورت ديتريك” للبحوث العلمية المتقدمة (المختبر العسكري الرئيسي للولايات المتحدة). أيضاً، قال بينيت إنه “كان من بين المتعهدين الشركة التي كنت أعمل بها – بوز أند هاملتون. كما أن زميلي إدوارد سنودن كان قد عمل أيضاً معها.”
في الوقت الحالي، تلقت وزارة الدفاع الروسية وثائق تشير إلى أن المعامل تعمل على علاج إنفلونزا الخنازير الإفريقية والجمرة الخبيثة؛ بالإضافة إلى ذلك، أجريت بعض التجارب على فيروس “كورونا”، وكان أحد أهداف البحث هو إنشاء آلية للانتشار السري لمسببات الأمراض الفتاكة. وفقاً للممثل الرسمي لوزارة الدفاع اللواء إيغور كوناشينكوف، علمت إدارتنا العسكرية أيضاً بمشروع UP-4. في إطاره، تمت دراسة إمكانية نقل الأمراض الخطيرة بشكل خاص بمساعدة الطيور المهاجرة. علاوة على ذلك، تم اختيار هذه الأنواع من الطيور، والتي مرت هجرتها بشكل أساسي عبر أراضي روسيا.
من هنا، أعلنت وزارة الدفاع أنه “من بين جميع الأساليب التي تم تطويرها في الولايات المتحدة لزعزعة استقرار الوضع الوبائي، تعد هذه الطريقة من أكثر الأساليب تهوراً وغير مسؤولة، لأنها لا تسمح بالتحكم بالنتائج في حال اتجهت الأوضاع نحو التطور إلى حد أبعد مما هو مخطط له”.
في العام 1999، أعطى مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك، جورج تينيت، المجمّع الصناعي العسكري توجيهات لخلق مسببات الأمراض التي من شأنها أن تكون “محددة عرقياً”. لكن السلطات الأمريكية تنفي ضلوعها في تطوير أسلحة بيولوجية في أوكرانيا؛ ومع ذلك، فمن المعروف أنه في العام 1999 وضع تينيت (الذي ترأس هذا القسم من 1997 إلى 2004) مهمة للمجمع الصناعي العسكري لخلق مسببات الأمراض التي من شأنها أن تكون محددة عرقياً؛ وبالتالي، فإن التكهنات حول صنع أسلحة بيولوجية من شأنها التأثير على أشخاص من أصل عرقي معين لكنها ستكون آمنة على أعراق الأخرى ليست عبارة فارغة، وذلك إنطلاقاً من حقيقة أن المواد البيولوجية مأخوذة من مئات من أفراد الجيش الأوكراني، وهو ما يعني بأن علماء الفيروسات الأمريكيون يستهدفون مواطنينا على وجه التحديد.
في المحصلة وبعد كل ما أوردناه، تجدر الإشارة إلى مسألة مهمة وهي أن كلاً من الروس والأوكرانيين ينتمون إلى نفس المجموعة العرقية.
تعريب: د. نواف إبراهيم – مستشار سياسي وإعلامي / روسيا.
مصدر الصور: الكاتب.
ألكسندر زفياغينتسيف
نائب مدير معهد الدولة والقانون التابع لأكاديمية العلوم الروسية – روسيا