د. عبدالله الأشعل*

تراجع العالم العربي وفقد مشروعه، لأنه قام على الشعارات تعبيراً عن “أمة عربية واحدة”، وصار ساحة للصراع بين المشاريع الإقليمية الثلاثة وهي الإسرائيلي، والإيراني، والتركي إذ ظهر الصراع جلياً بينها، خصوصاً وأن العالم العربي لم يستطع أن ينتج قوة تعوض قوة مصر.

في فترة من الزمن، برز العراق، أيام الرئيس الراحل صدام حسين، كقوة حقيقية؛ فـ “تكالب” عليه الخليج وواشنطن وورطوه في حرب طويلة إستنزافية ضد “إيران الثورة” حيث وقف الخليج، ما عدا سلطنة عمان، مع الرئيس صدام ليس كراهية بإيران وإنما إمتثالاً للأوامر الأمريكية التي بالغت في مخاوفهم من خطر التيارات العروبية. لكن خطأهم كان أنهم غفلوا عن معادلة أن العراق كان يتوازن مع إيران والتخلص منه مصلحة لأمريكا وإسرائيل وإيران. بعدها، ثم وروطوا العراق في غزو الكويت، فكان ذلك إيذانا بالقضاء على بغداد وخروجها، بعد القاهرة، من دائرة القوى العربية.

ثم برزت السعودية ولكنها عادت وتورطت في اليمن وأماكن أخرى، بالإضافة إلى ترتيبات داخلية غير مستقرة. ونظراً لأهمية كل من العراق والسعودية وسوريا ومصر، فقد تم التخطيط لإفراغها جميعاً من عوامل القوة لصالح إسرائيل، فكانت النتيجة “تكالب” إيران وتركيا وإسرائيل، وفق حسابات مدروسة، على الجسد العربية.

واما كان العرب أقرب إلى تركيا، جاء موقف واشنطن حاسماً في توجيه العرب نحو إستنزاف تركيا والإحاطة بإيران والتقاطر لكسر عزلة إسرائيل، وذلك بعد أن ضمنت واشنطن خلو المنطقة من قيادة مصرية أو سعودية أو سورية أو عراقية، بل إن هذه الدول الرئيسية خُطط التقسيم لها في ظروف مختلفة، وفق مخطط برنارد لويس منذ بداية ثمانينات القرن الماضي.

تريد واشنطن أن تخطط لتقسيم المنطقة، بالتواطئ مع إسرائيل. ولذلك، قررت معادلة صارمة، أعلم بها من مصادر أمريكية رسمية عندما كنت مرشحاً للرئاسة في مصر العام 2011 – 2012 وكنت أيضاً على علاقة طيبة بالأطراف الفاعلة في مصر، خصوصاً وأن كلاهما يخشيان يقضة مصر، كما سماها محمد رفعت باشا. أيضاً، قيل لي أن مصر “رمانة الميزان” في أمن الشرق الأوسط، كألمانيا في الأمن الأوروبي. ولذلك، يمكن القول بأنه بات لمصر قواعد خاصة تضمن ألا تعود قائدة للعرب نحو عداء إسرائيل، إنما تتحول إلى مسهل لدمج إسرائيل في المنطقة بعد نزع عروبتها.

لا شك بأن الشعوب العربية تتأثر بسبب مواقف حكوماتها من هذه المشاريع الثلاثة. فإيران جار قديم هيمن على الخليج طوال فترات التاريخ على أساس أنها جزء أساسي من ثقافة المنطقة، وهي ألصق بالخليج منه بآسيا. لذلك، فهي قوة خليجية وليست قوة آسيوية وهو ما يبين هدف سيطرة بريطانيا على جنوبها وهو تأمين سيطرتها على الخليج. ومنذ أوائل القرن التاسع عشر، سيطرت الامبراطورية الروسية على شمالها، ولهذا صار العنصر الفارسى جزءاً أساسياً من مكونات المجتمعات الخليجية.

لكن إيران بدأت تثير مخاوف الدول الخليجية، منذ قيام الثورة الإسلامية فيها، وتحول المذهب الشيعي إلى طابع سياسي ظاهر، بالإضافة إلى ما ترتب على الثورة من عداء أمريكي وخليجي المتأثر بالعداء الأمريكي؛ بالتالي، أصبح الصراع الإيراني – الأمريكي محوراً سياسياً هاماً وفاصلاً في المنطقة. ثم، تقدمت إيران إلى قلب الصراع العربي – الإسرائيلي، بمناسبة غزو إسرائيل لبيروت، فصارت رقماً أساسياً في المعادلتين اللبنانية والسورية، ثم زحفت إلى اليمن دعماً للحوثيين، إضافة إلى العراق ما دفع بالسعودية للتدخل بدعم السنَّة العراقيين ضد هيمنة إيران.

في الواقع، لا تشكل إيران تهديداً للخليج لكن واشنطن هي التى تستخدم الأخير في صراعها مع طهران، وهذا هو السبب الأساسي في أن الخليج “باع” فلسطين وإشترى إسرائيل حتى يضمن رضا واشنطن، في وقت رفع فيه شعار “إيران هي الخطر وليس إسرائيل”.

أما المشروع التركي، فيعد الأقرب إلى العقل والمجتمع العربي لأنه يحتضن التيارات الإسلامية التي يوظفها الخليج في سوريا لصالح إسرائيل. ولكن، هناك توتر مكتوم بين تركيا وكل من السعودية والإمارات حيث تتهم أنقرة الأخيرة بالمشاركة في محاولة إنقلاب يونيو/حزيران 2016.

ويرجع جزء من العداء السعودى – الإماراتى لتركيا إلى مساندتها قطر ضد خطط غزوها. فكان طبيعياً أن تهرول دول الخليج نحو إسرائيل، التي تعتمدها واشنطن، وأن تقدم معاداة إيران إكراماً لهما كـ “ذريعة” حتى لو كان الثمن هو ضياع المسجد الأقصى.

بذلك، ينقسم مجلس التعاون إلى مجموعتين؛ المجموعة الأولى مع تركيا وإيران، وتشمل قطر. أما المجموعة الثانية فمع إسرائيل وتشمل الباقي، فيما عدا الكويت. بالنسبة إلى واشنطن، فهي تريد أن تنهي الأزمة الخليجية وتوحدها للتطبيع مع إسرائيل، وإنشاء “شرق أوسط” بلا فلسطين أو عروبة، وانما شرق أوسط تتسيد عليه إسرائيل ومن وراءها “القطيع” العربي إحتفالاً بضياع فلسطين.

*سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق.

مصدر الصورة: راديو سوا.

موضوع ذا صلة: المآسي العربية في ضوء القانون الدولي