ذكرت في مقالٍ سابق كيف أن ذاكرة الأمة العربية في خطر، من خلال الاعتماد على الأجهزة التكنولوجية، حتى في الحروب واستخدام الصواريخ الدقيقة العابرة للقارات؛ كلها عوامل تبيّن أن النظام العالمي الجديد لا يدّخر جهداً من خلال الحفاظ على الهيمنة والآحادية القطبية حتى ولو أباد البشرية كلها.

وسمع الجميع عن أوبئة وفيروسات اجتاحت العالم، مثل إنفلونزا الخنازير – H1N1، أو مثل جنون البقر، أو فيروس نقص المناعة البشري – الإيدز أو أيبولا وغيرهم الكثير، لكنها لم تحقق النتيجة الذي يريدها البعض، لأنها فتكت بشعوب معينة ومناطق معينة. وهنا، لا أتحامل على العلم، بل فقط علينا أن نفكّر بشكل منطقي، بالنظر إلى أن ما حدث مع انتشار فيروس “كورونا” المستجد وقضائه على ملايين البشر، والسرعة الهائلة في اكتشاف الأمصال المضادة له في زمن قياسي.

ففي أي وضعٍ طبيعي، يحتاج الأمر إلى أعوام من الدراسات؛ وبالتالي، لا يمكن أن نغفل هذا الجانب. ولكن الجانب الأخطر هو في تصريحات منظمة الصحة العالمية التي وبدل أن تطمئن الشعوب أرعبت العالم ليعتقد المتابع أن اختصاصها هو نشر الأخبار التي تقتل الجهاز المناعي لا أن تنصحه باتباع الخطوات التي تقيه وأقرانه من عدوى الفيروس الفتّاك. وأكرر، لا أتحدث هنا من وجهة نظر علمية ولست ممن يتطفلون على اختصاصات الغير، لكن في عام ونصف ظهرت أسئلة كثيرة تدور وتدور، وأنا لا زلت أبحث لها عن إجابات منطقية تجعلني أتقبّل منطق هذا الوضع العبثي الذي دمر اقتصادات كبرى الدول.

ومع بداية أزمة فيروس “كورونا”، رأينا وسمعنا تصريحات وتقارير منظمة الصحة العالمية المريبة والمضطربة، حيث يستشعر المتابع بين طيّات هذه التصريحات وكأن هناك كلام مكتوب بالحبر السّري؛ وباعتقادي وبحسب متابعتي لمجمل هذه التقارير والتصريحات، أنهم يعلمون الشيء الكثير عن هذه الحرب البكتريولوجية إن صح التعبير- بغض النظر عن الآحاديث الصحيحة منها والكاذبة – وهي مخفية كمجلّدات لا تُرى إلا بفتحها من صاحب العلاقة شخصياً.

هذا الرأي تكوّن لدي بسبب عدم ثقتي بالمنظمات الدولية عموماً، من الأمم المتحدة وكل ما خرج عنها، وحتى منظمات حقوق الإنسان وغيرها؛ فكل ما نشاهده من قرارات فيها مناقض 100% للواقع على الأرض، لأن الغرب والإدارة الأمريكية لا يؤمنون إلا بمصالحهم. وأما أكذوبة الحرية والديمقراطية – خصوصاً في دول العالم الثالث والعالم العربي – لا يطبّق من أمرها شيء.

يملك الغرب نظرية يتبجّحون بها دائماً وهي أنه “لا ديمقراطية لمن لا يملك ديمقراطية”. هذه العبارة، يُستخدم من قبلهم في مواقع معينة يحتاجونها فيه، خاصة المسائل اللا أخلاقية، لكن هم يغضون الطرف في تقاريرهم السنوية عن حقوق الإنسان، سواء في اليمن وموضوع المجاعة والتخلّف ومستوى التعليم في العالم العربي، فترى منظماتهم مغيّبة عن كل الوقائع الحاصلة على الأرض وتُرفع تقارير مغايرة للوقائع على الأرض، حتى في مسألة انتهاكات حقوق الإنسان داخل معتقلات الدول العربية، خصوصاً وأن الأخبار حولها مرعبة جداً؛ وبالتالي، لست متحاملاً على أحد، لكن لا أثق بكل المنظمات – كما ذكرت آنفاً – فالواقع يثبت أن كل ما يحدث وتتم مشاهدته، خصوصاً من الشباب العلماني والليبرالي في عالمنا العربي المغترّ بالولايات المتحدة وأكاذيبها، حول الجمعيات والمنظمات والهيئات الحقوقية وغيرها، كله “هراء”.

فمنذ عام ونصف وموقف منظمة الصحة العالمية مريب حول أصل فيروس “كورونا” من خلال تسريبهم لعشرات التكهنات، على غرار منشئه من أطعمة فاسدة أو أكل الحيوانات النية كالأفاعي والخفافيش كما في الصين؛ وبرأيّ، إن كل ذلك عبارة عن تمويه استطاع أن يؤثر على العقل العالمي عموماً والعقل العربي على وجه التحديد، خاصة مع خروج أطبّاء أدلت هي الأخرى بتصريحات مضطربة عبر طرح رؤى لا ترقى سوى إلى درجة التكهنات. ستلاحظون ذلك إفي حال عدتم بعقارب الساعة إلى بداية هذه الأزمة، لنجد أن كلامهم الآن غير صحيح، إلا من رحم ربي، والذين ذهبت تكهناتهم باتجاه الحرب البيولوجية.

ما يؤكد نظريتي هنا – أو على الأقل يجعلكم تقفون قليلاً عند القصد المطروح – هو أن الدكتور أنتوني فوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية، حذّر أعضاء إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الجديدة، يناير/كانون الثاني 2017، من حتمية “تفش مفاجئ” لمرض جديد، لكن كيف له أن يعرف؟ إذ قال حرفياً “إن الولايات المتحدة عليها بذل مزيد من الجهود للتأهب لهذا المرض”.

لقد دعا فوتشي إدارة ترامب إلى تحضير الولايات المتحدة لمثل هذه التحديات قبل ظهورها؛ وبالتالي، تعددت النظريات. لكن أنظار الإدارة الأمريكية توجهت إلى الصين “العدو” التجاري اللدود، وكيف لا وقد انتشر في بداية الأمر في ووهان الصينية، فلن تكون هناك فرصة أفضل من تلك للرئيس ترامب. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى أن اتهم سلفه باراك أوباما – ونقلاً على وجه التحديد عن رودي جولياني محامي الرئيس ترامب الخاص – أنه منح مختبر في ووهان الصين مبلغاً مالياً العام 2017. لم يدري جولياني أن صديقه ترامب كان هو الرئيس آنذاك، أضافة إلى الحديث عن وجود كائنات فضائية ومختبرات كثيرة تموّل لغايات سرية لينام العالم ويستفيق على أمراض تفتك بكل شيء.

ومع بداية الجائحة، رأينا هجوم الرئيس ترامب الدائم على الصين الآسيوية – سواء بقصد أو بدون قصد لكنه لم يدخر جهداً في ذلك، حيث اعترض عليه حينها أعضاء الكونغرس الأمريكي والديمقراطيين، وهذا يأخذنا مباشرةً إلى الرئيس الحالي جو بادين، الرئيس الديمقراطي الذي اعترض حزبه نفسه على ترامب عندما أدلى بدلوه السابق؛ فتراهم اليوم – أي بايدن وفريقه – يعيدون الكرّة من خلال العودة إلى المربع الأول أي الصين، وأن أصل الفيروس خرج من المختبرات الصينية. هذا الأمر لا يأخذنا إلا لنبيّن النفاق الأمريكي، فما سر تحول بايدن هذا من خلال السماح للمخابرات الأمريكية تسريب هذا الموضوع مجدداً؟

وبالعودة إلى الأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي، كـ “فايسبوك” و”تويتر” وغيرها، وباختصار ودون مواربة كلها تدار برعاية المخابرات الأمريكية، بل أكثر من ذلك برعاية من الموساد الصهيوني أيضاً، حيث يراقبون من خلالها كل شيء، ويدرسون حالات الشعوب النفسية واكتشاف نقاط الضعف للدخول إليها من خلالها وذلك بهدف تحطيم نقاط القوة؛ فإن وجدت تقارير صحيحة على سبيل المثال تؤكد أن الفيروس صناعة بشرية، كانت هذه المواقع تشوش على المعلومات وتنشر الروايات التي تريدها. فمحركات البحث تعتبر أدوات مساعدة رديفة للمخابرات الغربية والأمريكية على وجه التحديد، وما سيصدر لاحقاً عن الاستخبارات الأمريكية بطلب من بايدن حول اتهام الصين بأصل الفيروس يثبت حقيقة هذا الكلام لأن العملية هنا ليسيت سوى “ورقة” سياسية للضغط في أية مفاوضات أو مواجهات مقبلة، فالأرواح البشرية التي قضت أو أصيبت لا تهمهم، فلقد سبق لهم وأن استثمروا أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، واليوم هم سيستثمرون الجائحة لصالحهم؛ فالإدارة والإمبريالية الأمريكية لا تعرف الإنسانية، وما بيتهم الأبيض إلا بيتاً “احمراً” لكثرة الأرواح التي تزهق عن طريقه.

اليوم، الديمقراطيون يكذبون، فلم يعد أمامهم عائق وهم يحكمون العالم، في وقت باتت فيه طبيعة السياسة التلّون علناً. وإن أردنا وضع مثال حي قريب لنوضح حقيقة تحكم الاستخبارات الأمريكية في مسألة التعامل مع القضية الفلسطينية وتكذيب الحقائق سابقاً وحالياً، خاصة حول النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة والقدس، ويكفي أن تعلن موقفك وتنشر منشوراً عن فلسطين ومقاومتها حتى يأتيك إنذار بالإغلاق وحذف المنشور وفي أحيانٍ كثيرة إغلاق الحساب دونما إمكانية عودة، خاصة في حملات “الهاشتاغ” دعماً لفلسطين؛ وبالتالي، هم من يقفون خلف تلك الإغلاقات وهذا أمر مفروغ منه، وهنا الحذر مطلوب وأخذ الموقف مطلوب، وحتى المعلومات. أنت اليوم كمثقف ومحلل سياسي أو اقتصادي أو حتى اختصاص طبي، لا تجعل محركات البحث ومواقع التواصل مصدراً لك، حتى وإن كان علمياً، فهناك نسب مدروسة لدس الجمل الاستخباراتية يجعلك – أنت العربي (المسلم والمسيحي) والمشرقي والخليجي وأياً كنت – تتبناه.

الغاية من هذه الدسائس هو زعزعة مواقفك السياسية والدينية وقيمك الأخلاقية؛ لذلك، أجلعوا الأبحاث من مصادرها الأصلية من الجامعات والمؤسسات ومراكز الدراسات والندوات الفكرية والعلمية والثقافية من المكتبات العامة ونفائس الكتب التي نملك، واسألوا أهل العلم من أصحاب التخصصات في كل المجالات، فهم موسوعات بشرية. وإن لم نتعظ، ما هي إلا أعوام قيلة وتفقد الأمة ذاكرتها بكل تأكيد، لأن هذه الثقافة زائفة وغير دائمة؛ أنصحك هنا بألا تقرأ لهم فقط بل إقرأ بكل اللغات، لكن بحذر وتفحص قوي مع التأكد من المصادر لتبني علماً لا ثقافة وقتية.

من هنا، إن هذه الجائحة – وبصرف النظر عن أصلها وفصلها – تقع ضمن أنواع الحروب البكتريولوجية التي تشكل خطراً على البشرية؛ ولا أقول على العرب والمسلمين، بل على كل العالم لأن سلاح مجابهة هذا الوباء وأي سلاح بيولوجي بشري أو غير بشري هو التسلّح بالوعي أو سيفتك بنا جميعاً. أيضاً، لا تنغروا بتبدل رؤساء الولايات المتحدة، من بايدن إلى ترامب، فالأخير رغم كثرة حماقاته لكنه كان صادقاً مقارنة بمن سبقه ومن تلاه، لأن العدو الواضح أفضل من المتخفي حلف شعارات زائفة، وإلا لما سمح بايدن الآن تحديداً بإعادة ترويج هذا الأمر، بدليل رفع الحظر عن تقارير لم نجدها قبل عام ونصف من الآن، وهم من استخدم اسلحة محرمة دولياً – ومنها ما يحتوي على اليورانيوم المنضّب – في حروبهم المختلفة من فيتنام إلى العراق إلى اليمن إلى فلسطين لأن هناك غاية من ذلك وإن غداً لناظره قريب؛ لذلك، حافظوا على ذاكرتنا وأرشيفنا الشرقي والمشرقي من خبث الغرب.

مصدر الصور: تليغراف – واشنطن تايمز.

موضوع ذا صلة: سلسلة المختبرات البكتريولوجية: أوكرانيا بعد جورجيا

عبد العزيز بدر القطان

كاتب ومفكر – الكويت