تتلخص أمراض الرعية في 5 أمور وكلها ساهمت السلطة عمداً في تفاقمها، لأن تفاقم هذه الأمراض يمكن هذه السلطة من أن تكون مريحة للحاكم وأعوانه. أما هذه الأمراض فهي:
1. الجهل
تقوم كل النظم العربية بوضع برامج متعمدة لتجهيل المواطن وتردي عقله وتغييب وعيه حتى ينصرف عن فساد السلطة وأخطائها، والحل هو وضع برامج لاستعادة العقل بشرط أن تسمح السلطة بذلك حيث لا بد أن تصبح الثقافة قيمة أساسية للمجتمع، وهذا يتطلب حرية التعبير والابداع وتكريم المتعلمين والعلماء واسناد مهمة تطوير المجتمع للعلماء.
2. الاشاعات والأوهام
تنتشر هذه الاشاعات والأوهام في البيئة التى تخلو فيها من المعلومات الصحيحة، والحاكم العربي حريص على حجب تلك المعلومات عن الرعية لأنها – في الغالب – تتعلق بفساده أو بطانته أو تباعيه للخارج وليس لديه معلومات صحيحة عن خدمة الوطن.
3. تراجع العقل والشعور بالأزمات
أبرز تلك الأزمات هي سياسية واقتصادية واجتماعية وناهيك عن عدم التفكير في الأمور السياسية وغيرها، حيث أصبح أفراد الرعية كائنات بيولوجية، وكان طبيعياً أن سوء الادارة وجشع الحكام والرغبة في ارضاء الاتباع – ممن يصفقون للحاكم على حساب الوطن – أسهم في صنع الأزمات المتعددة، بالاضافة إلى نهب الثروات. كما أصبح سوء الظن بالحاكم – لدى أغلبية الشعب – وعدم الثقة بوطنيته سمة غالبة؛ إذ يقول العامة أنه لو كان الحاكم حسنُ النية وفشل بسبب الحسد، فإنه – أخلاقياً – لا يجوز أن يستمر فى السلطة. ولكن العقبة تكمن في أن الذي يغير الحاكم ليس الشعب، وإنما الخارج الذي اتى به إلى السلطة.
4. الشعور بإنعدام الإمل في المستقبل
كل الأمور تحتاج إلى واسطة أو رشوة حيث يستشري الفساد، ويكون الحاكم راعياً له. يترتب على ذلك أن الذي عمل لمصلحة الوطن ينكل به الحاكم. الحاكم العربي وضع المواطنيين في اختيار بينه وبين الوطن، وفي أحسن الفروض يروج اعلامه بأنه هو الوطن، وأن عبادته أعلى درجات الوطنية، فيشعر المواطن بالدونية، وبأن وطنه مكشوف ولا يجد من يدافع عنه مقابل الحاكم والمنتفعين؛ وفي هذه الحالة، يستحيل استعانة المواطن بالخارج الذي فسد فساداً مطلقاً، والخارج هو الذي دعم الحاكم على حساب الوطن والمواطن، ويجري انتخابات صورية على انها ديمقراطية بينما هو لا يعترف بالشعب ويعتقد – في أسوأ الأحوال – بأنه هو الحارس لهذا الوطن وهو الحريص عليه. هذا صحيح، ولكن لمصلحته الشخصية وليس لمصلحة المواطنيين، فيتحكم بجميع مؤسسات الدولة وينفرد بالسلطة، فتفسد اجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية. وفي هذه الحالة، تنحسر الاخلاق وينحل المجتمع ويتحسر الكبار.
5. الشعور بأن الراعية فى وطن مكشوف.
علاج الأمراض
الخطوة الأولى، علينا الإشارة بأن للجهل فهو نوعان؛ جهل سياسي بأحوال السلطة، وجهل عام. القضية ليست في كمية المعرفة غنما في إصلاح الجهاز الذي يتلي هذه المعرفة؛ ولذلك، نختلف مع من يرى أن الثقافة فى ظل الوضع الراهن وعدم وجود الحرية والابداع مضيعة للوقت، ولكن الحقيقة أنه لا بد من أن ينهض المجتمع دفاعاً عن نفسه، وأن ينشر الرواد ويسدون الثغرات المعرفية، وهذه المقدمة الضرورية لاستعادة العقل. الحل يكمن في تبني الكيانات الأهلية هذا البرنامج التثقيفي في عموم العالم العربي حتى يمكن استعادة العقل. وفي هذه الحالة، إن الحاكم الذي ينقض على السلطة ويغطي الخارج على فساده يصبح مكشوفاً للمواطن العربي في عصر تكنولوجيا المعلومات، إذ لا يزال حكام العرب يمارسون أساليب الستينيات التي لا تناسب تربص المواطن العربي بالسلطة التي فقدت المصداقية ولم يعد في وسع الإعلام أن يقنع أحداً بقرارات الحاكم.
الخطوة الثانية تكمن في تكوين نُخب جديدة بعد أن إحبطت النخب القديمة، فدورها مهم للغاية بعملية التوسط بين الحاكم والمحكوم بحيث لا يحرض المحكوم على الحاكم ولا يرتمي لمصالحه الخاصة في عطايا الحاكم.
الخطوة الثالثة تغيير مفهوم الوطنية ووظيفة الدين لإنتاج مواطن يحرص على المصلحة العليا للوطن ولا يدور حول مصالحه الشخصية؛ فلا شك أن الحاكم العربي سيتمسك بالسلطة وسيجلب خدماً إليها مما يعلون مصالحهم الشخصية على المصلحة العامة.
الخطوة الرابعة والأخيرة، يمكن للكيانات الأهلية أن تناضل حتى يكون يكون هناك اعلام أهلي يناقض الاعلام الحكومي ويتغلب عليه خاصة وأن الأخير لا يتمتع بأية مصداقية، بل انصرفت الشعوب العربية عن هذا الإعلام وأصبحت مهيئة – على الأقل – للتعددية، فلا مانع أن يقوم الإعلام الأهلي بجانب الحكومي، وألا يتعرض له في المرحلة الأولى، وأن يترك الشعوب تقارن بين الإعلامين ثم ينقض الإعلام الأهلي على أكاذيب الحكومي – في مرحلة لاحقة – ويسقطه، وهذه آخر أدوات الحاكم العربي للسيطرة على الشعوب وقهرها.
مصدر الصورة: وكالة الصحافة الفرنسية
إقرأ أيضاَ: هل يمكن الفصل بين الحكام العرب وشعبهم؟
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر