يان فان زيبروك*
في تكملة لما سبق ونشر عن مختبرات الحرب البكتريولوجية، سنستكمل البحث بإستخدام مفهوم معروف جداً وهو “السبب والنتيجة”، حيث يثير مسح ميداني، تم إجراؤه سابقاً، الدهشة خصوصاً عندما أحداثاً متكررة نشك في أنها ناتجة عن طريق الصدفة، كالإتفاقيات الموقعة سابقاً بين دول ووكالات “صحية” أمريكية.
في هذا المجال، سنتحدث عن حالة واحدة بالتحديد: دولة أوكرانيا التي يوجد فيها عدد من المختبرات البكتريولوجية، 5 على الأقل، أربع منها يقع قرب الحدود مع روسيا والبحر الأسود، وآخر بالقرب من الحدود البولندية (الغرض منه استحواذ وارسو في حال تم تقسيم أوكرانيا مستقبلاً وعودتها إلى بولندا العضو في حلف “الناتو”) خصوصاً مع وجود قاعدة عسكرية روسية في مالدوفيا إضافة إلى أهمية البحر الأسود بالنسبة لموسكو.
وعند النظر إلى نقاط تواجد تلك المختبرات في مناطق “كرسون” و”فينيتسا” و”كييف” و”زابوروجي” وأخيراً “ليفيف” (التي تقدم نفسها كمركز للأبحاث الوبائية)، يتبين لنا أنها تقع ضمن حوض “دنيبر” وروافده. إضافة إلى ذلك، يوجد مختبر آخر في مدينة “خاركوف”، بالقرب من النهر الذي يبلغ طوله 71 كلم. وما ذكر هنا يعد بالغ الأهمية لأن أي تقسيم مستقبلي لأوكرانيا ستكون قاعدته الأساسية حوض “دنيبر” نفسه. في هذا المجال، لا بد من التوقف عند “طلب غريب” للولايات المتحدة.(1)
في أكتوبر/تشرين الأول 2017، طُلب من روسيا، وبشكل مباشر، تقديم “خريطة الجينات” للمجموعات العرقية في الإتحاد السوفياتي السابق (2 – 3)، غير أن رد موسكو تمثل في عدم وجود جينات “روسية” تقليدية بسبب التخالط الجيني بين سكانها عبر العصور. في العام 2016 وخلال فترة انتشار وباء H1N1، استشعرت وجود أحد مختبرات الأسلحة البكتريولوجية على حدودها حيث تأثرت هي أيضاً بهذا الفيروس.(4)
هنا الشيء بالشيء يذكر. فلقد اشتهر الطبيب فاوتر باسون – Wouter Basson بأنه كان من أوائل الذين عملوا على تطوير سلاح بكتريولوجي يستهدف أصحاب البشرة السوداء، حيث كان دائماً يتحدث في مقابلاته التلفزيونية عن بلد علاقته الجيدة ببلد “ما”، ليتضح لاحقاً أن هذا البلد الـ “ما” هو إسرائيل.(*)
ماذا يجري؟
بعد الانتصار الأول لـ “الثورات الملونة” والتي أوصلت موالي الغرب الى السلطة، فيكتور يوشينكو في العام 2005، تم التوقيع على خطة المساعدات الأمريكية مع وزارة الصحة الأوكرانية المسماة “برنامج الحد من التهديد البيولوجي”(6)، من العام 2008 حتى العام 2013(7) وتم تجديدها العام 2018.
فلقد أبرمت شركة “Black and Veatch” عقوداً مع وكالة الحد من التهديد بالدفاع – DTRA ومؤسسة الأبحاث التكنولوجية المبتكرة “BTRIC” بقيمة 215.6 مليون دولار لبناء وتشغيل مختبر بيولوجي في أوكرانيا (8 – 9)، كذلك الحال مع الكاميرون وأذربيجان وتايلاند وأثيوبيا وفيتنام وأرمينيا. والسؤال الحقيقي هنا: لماذا يشرف الجيش الأمريكي على هذه البرامج بدلاً من الوكالات المتخصصة؟(10) أما في أوديسا، تقوم شركة “Black and Veatch”، المتخصصة في بناء المختبرات، بالعمل منذ العام 1994، أي بعد انهيار الإتحاد السوفياتي، في محاولة أمريكية للإستحواذ على أراضي الإتحاد.(11)، فيما وقعت شركة “Metabiota” عقداً من الباطن عقد بقيمة 18.4 مليون دولار مع DTRA.(12)
الموجة الأولى: 2009 وفيروس “إنفلونزا الخنازير”
في المنطقة الغربية من أوكرانيا، تحديداً، تعرضت مدينتي “لفيف” و”ترنوبل”، والتي تقل المسافة بينهما عن الـ 150 كلم، لفيروس H1N1. هذا الوباء أصاب أوكرانيا بكاملها (13 – 14)، غير أن السياسيين اعتبروه مجرد مرض رئوي عادي لا وباء يشكل خطراً على الدولة، بالرغم من قلته للكثير من المواطنين.(15 – 16) كما أشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أن سبب انتقال المرض كان مواطناً أوكرانياً عاد من الولايات المتحدة عن طريق باريس.(17) كل هذا يجعلنا نفكر في أول تقرير عن مرض نقص المناعة المكتسبة “الإيدز” حيث ذكر بأن السبب كان المثلية الجنسية ثم بعد ذلك قيل أن مصدره القرود في أفريقيا.
في ذلك الوقت، تم فرض حظر دولي على نقل لحم الخنزير، في مقابل فرض رقابة على أماكن الجزارة، لكن كل ذلك لم يمنع انتشار المرض. وما يلفت النظر هنا، أن الدولة الأوكرانية قامت بإستيراد الترياق المعرف بإسم “Tamiflu” من الولايات المتحدة حيث توجد الشركة الوحيدة لإنتاجه في العالم وهي “Gilead Science”.(18)
وبين العامين 2010 و2011، أجرت لجنة حكومية، برئاسة وزير الدفاع الأوكراني، تحقيقاً على حول مختبرات “لفيف” و”أوديسا” أسفرت عن وجود انتهاكات لمعايير السلامة من جانب شركة “Black and Veatch” (أكد صحة هذا التقرير نائب رئيس الوزراء فاليري خوروشكوفسكي في العام 2012) بالإضافة إلى تورطها بقضايا مالية احتيالية.(19) على الرغم من كل هذه التقارير، إلا أن الشركة استمرت بممارسة عملها حتى العام 2015 من دون أية معوقات.
بالتزامن مع عمل “وكالة الحد من الأخطار الدفاعية – DTRA” وشركة “Black and Veatch”، عملت “وكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة – DARPA” (التي أسسها الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور في العام 1958 لمواجهة التطورات التكنولوجية في الإتحاد السوفياتي)(20)، في أوكرانيا أيضاً، حيث ظهرت لمسات طوني تيثر Anthony Tether(21 – 22)، المستشار السابق للرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريغان، الذي سعى جاهداً لجذب أوكرانيا بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.(23 – 24)
هذا وتتميز DARPA بالإبتكارات التكنولوجية، سواء الدراسات البكتريولوجية أو الجينية.(25 – 26)
الموجة الثانية: حصبة وفيروس B3
العودة الثانية لفيروس H1N1 شهدت الكثير من الوفيات حيث اعتبرت نسبته الأعلى بين أسباب الوفاة.(27 – 28 – 29) فبين عامي 2015 و2016 ، ضرب الفيروس أوكرانيا وصولاً إلى حدودها مع روسيا(30) وأرمينيا وجورجيا. وعلى عكس حالة العام 2009، تحول الفيروس إلى عدة أنواع مختلفة مثل H5N1.(31) حيث ظهر في مدينة لفيف وانطلق منها نحو منطقتي أوديسا وخيرسون (التي كانت الأقل تأثراً)، ليعود وينتشر من جديد بين العامين 2015 و2016.(32)
في مارس/آذار 2016، توفي حوالي 364 شخصاً بسبب الأنفلونزا (81.3 ٪ من الحالات كانت ناجمة عن الأنفلونزا H1N1). أما في العام 2018، فلقد انتشرت الحصبة بشكل كبير في عدة مناطق، وأشهرها أوديسا(33) حيت تسببت بحالات من الذعر خصوصاً مع انتشار فيروس الإنفلونزا من نوع B3، الموجود فقط في أفريقيا والصين.(34 – 35)
حمى “القرم – الكونغو”: وباء الإيبولا القاري المتعدد
إذا كانت كلمتا “إيبولا” و”ماغدبورغ” تحدثان قلقاً بين الناس، فإن كلمة “القرم – الكونغو” ليست معروفة كثيراً بل يمكن القول إنها مجهولة، ولكنها تشكل خطراً مثل مثيلاتها الأفريقية سابقتا الذكر، حيث ظهرت في العام 2008، وتأثرت بها بعض المناطق في الشرق الأوسط وأفريقيا.
أفغانستان: أولوية “مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها – CDC“
يدير تلك المراكز أفراداً عسكريين ومدنيين أمريكيين على السواء.(36) ففي العام 2008، تم الإعلان عن افتتاح مركز الوقاية من الإيدز في أفغانستان.(37) وبإستثناء عامي 2007 و2008، فقد كان معدل الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية أقل من 0.1٪ مقارنة ببقية العالم، وليس من قبيل الصدفة أن تعلن منظمة الصحة العالمية عن عودة ظهور حمى “القرم – الكونغو”(38) في نفس المناطق التي فتحت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها مركزها لها. لم يقتصر الأمر فقط على أفغانستان بل امتد إلى العديد من البلدان المجاورة الأخرى. وعند النظر إلى خرائط انتشار المرض بين عامي 2008 و2017، يتبين لنا أن نفس المناطق تقريباً انتشرت فيها الحمى والإيدز.(39)
وإذا كنا قد أسهبنا في الحديث عن أوكرانيا وجورجيا (في مقال سابق)، فمن المؤسف أن الشيء نفسه حصل في دول آسيا الوسطى والشرق الأوسط.(**) من هنا، إذا استمرت الحكومات بالسماح لأقامة هذه المختبرات وتنشيط العمل فيها، فإن الموضوع سيبقى مطروحاً على مؤسسات المجتمع المدني ليسأل نفسه عن مدى شفافيته في إثارة هذه الأمور. لكن السؤال الأهم يبقى: لماذا يختبئ الجيش الأمريكي وراء ستار “الأعمال الخيرية”؟
*باحث في مركز “سيتا”
المراجع:
https://bit.ly/2RO3yF3(*)
https://bit.ly/2qANevs(1)
https://bbc.in/2QvXvol(2)
https://bit.ly/2AtnQvw(3)
https://bit.ly/2Qs2zdm(4)
https://bit.ly/2z1SxsN(5)
https://bit.ly/2JQdpHB(6)
https://bit.ly/2RL1pJY(7)
https://bit.ly/2JS4HIX(8)
https://bit.ly/2PiTQOa(9)
https://bit.ly/2zFLe9D(10)
https://bit.ly/2FcCsG3(11)
https://bit.ly/2t7hJgc(12)
https://bit.ly/2DfDYor(13)
https://bit.ly/2qCj62V(14)
https://bit.ly/2FdKQ8i(15)
https://bit.ly/2RNZrsx(16)
https://bit.ly/2qAcMsM(17)
https://mayocl.in/2Fq4E8H(18)
https://bit.ly/2DsJqoR(19)
https://bit.ly/2DsJW6h(20)
https://bit.ly/2zIHQdR(21)
https://bit.ly/2JP32Ue(22)
https://bit.ly/2RLYWPD(23)
https://bit.ly/2Ou3Vm1(24)
https://bit.ly/2QpDwHo(25)
https://cbsn.ws/2Ddm59J(26)
https://ind.pn/2Pg6ux8(27)
https://ind.pn/2Pg6ux8(28)
https://bit.ly/2Qs2zdm(29)
https://bit.ly/2tF52dA(30)
https://bit.ly/2JRdhrk(31)
https://bit.ly/2OzIzUc(32)
https://bit.ly/2DynJ6w(33)
https://bit.ly/2JRPur8(34)
https://bit.ly/2PRaR1k(35)
https://bit.ly/2j6mAqB(36)
https://bit.ly/2AVv7X7(37)
https://bit.ly/2DufkB7(38)
https://bit.ly/2DcWdul(39)
(**)
At the Russian border
https://bit.ly/2zEI4mm
DTRA ARMENIA
https://bit.ly/2D9V4Uw
https://bit.ly/2DcjooP
Kazakhstan
https://bit.ly/2AWy5e0
https://bit.ly/2QqToK2
https://bit.ly/2DxObxt
JORDAN / IRAQ
https://bit.ly/2yW14NG
https://bit.ly/2RKq4hT
https://www.urc-chs.com/projects/cooperative-biological-engagement-program-cbep
مصدر الصور: inquisitr.com + الكاتب.