سعيد بالمرونة الجديدة في تحرك السعودية نحو كل من تركيا وإيران واليمن وسوريا، وأرجو أن يكون ذلك ضمن رؤية متكاملة ومتماسكة. فالسعودية لها عندي مكانة خاصة لخمسة أسباب على الأقل؛ السبب الأول، لأنني تخصّصت في منطقة الخليج، ومنها السعودية، حيث كُنت ضمن عدد قليل من الباحثين العرب في مصر – خلال فترة ستينيات القرن الماضي – الذين اختاروا دراسة تلك البقعة الجغرافية، وكانت رسالة الماجستير خاصتي تتحدث عن مشروع إتحاد الإمارات التسع.
السبب الثاني، هو أنني من أشد المعجبين بعبقرية الملك عبد العزيز آل سعود، ولقد قرأت كتاب العقّاد “صقر قريش”، ثم لمست ذلك بخبرتي العملية في السعودية.
السبب الثالث، أنني خدمت ضمن البعثة الدبلوماسية المصرية في كل من جدة والرياض، وكانت أطول فترة خلال عملي الدبلوماسي، ولقد لمست بنفسي عمق التقدير المتبادل بين البلدين قيادة وشعباً، وشاهدت تجربة نادرة خلال قطع العلاقات العربية مع مصر بسبب صفقة “كامب ديفيد”، ففهمت أن المشاعر رغم كل شئ باقية مع مصر.
وخلال عملي في السعودية، إندمجت في حياتها الثقافية والعلمية، وأصدرت عدداً من كتبي فيها، حيث بدأت بأول كتاب عن مجلس التعاون الخليجي (طبعة الرياض العام 1983 ثم طبعة القاهرة العام 1988)، لتتوالى المؤلفات والبحوث في مختلف الدوريات العلمية، سواء في السعودية أو الكويت.
كان من حسن حظي أيضاً أنني بدأت مهمتي الدبلوماسية في البحرين، وإشتركت بإنشاء السفارة هناك، ثم عدت العام 2006 – أي بعد 32 عاماً – لكي اسهم بإنشاء وإدارة معهد البحرين للتنمية السياسية، وأزور كل دول الخليج، التي لي فيها آلاف الأصدقاء.
السبب الرابع، أنني لمست أهمية السعودية في العالمين العربي والإسلامي، وقد حصلت على ثقافة دينية هائلة خلال عملي الطويل هناك. فقد كان للسعودية مواقف مؤثرة في قضايا الأقليات الإسلامية، وقد إتضح لي ذلك من خلال إعارتي إلى منظمة المؤتمر الإسلامي فى جدة، حيث عملت كمستشار قانوني لها طوال 5 أعوام كانت حافلة بالأحداث، ولقد أضاف ذلك الكثير إلى تخصصي الأكاديمي لجهة الخبرة العملية الواسعة في هذه المنطقة وقضاياها.
أما السبب الخامس والأخير، فهو وقوع بيت الله الحرام في مكة، وقبر رسول الله في المدينة، وقد يسر لي الله زيارة هذه الأماكن المقدسة والاستمتاع بها، كما لمست تفاني المملكة في خدمة ضيوف الرحمن ورعايتهم وتوجيههم.
غير أن ما أحاط بالسعودية – خلال الأعوام القليلة الماضية – تسبب بالكثير من المشاكل واستنزاف للمال والسمعة؛ لذلك، فأنني أتمنى أن أرى السعودية كما كانت، وذلك وفق الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: أن يعود التماسك والود إلى الأسرة المالكة.
الملاحطة الثانية: المحافظة على موارد الدولة والتوسع في الاستثمار، حتى تكون قادرة على الرخاء في الداخل والمساعدة في الخارج.
الملاحظة الثالثة: التركيز على المكانتين العربية والإسلامية، ونصرة قضايا الأمة، وألا تدخل المملكة في محاور وتكتلات لا تليق بمكانتها، كما أرجو أن تكون مهمتها الأخيرة مدخلاً إلى تحقيق هذا الهدف.
الملاحظة الرابعة: إن الأمن القومى للسعودية يتأثر بثلاث دول، هن مصر واليمن والعراق؛ لذلك، لا بد أن تدخل مع هذه الدول في تفاهمات تحقق المصالح المشتركة بدلاً من الصراعات والتوترات.
الملاحظة الخامسة: أن تركز السعودية على إعادة إحياء جامعة الدول العربية، وإعادتها إلى المسار العربي الصحيح. كما تركز على الإطار الإسلامي ضمن منظمة التعاون الإسلامي، وإعادة تعريف القضايا الإسلامية، ودعم حقوق الأقليات الإسلامية في تفاهمات مستنيرة مع هذه الدول، مثل الصين وبورما، بالإضافة إلى الجاليات الإسلامية في أوروبا، ناهيك عن مسألتي العنف والإرهاب – الذين إقترنا بعناصر إسلامية- والدفاع عن الإسلام والمسلمين.
الملاحظة السادسة: المزيد من الإهتمام بالمقدسات في مكة والمدينة، فهذا شرف لحكّام المملكة الذين نهضوا بالمهمة تاريخياً على أحسن وجه.
الملاحظة السابعة: إحتضان مجلس التعاون الخليجي وأعضائه، والعودة إلى نظامه الأساسي على أساس الشراكة الواعية خاصة مع بداية العقد الخامس من عمر المجلس، حيث انشى في 25 مايو/أيار 1981، وذلك بإعداد تقييم دقيق لمسيرته وتقويم أي أعواج لها.
شخصياً، إنني أطمح أن تكون السعودية ملاذاً لكل خير يأمن فيها من يدخلها، كما جعل الله فيها البيت الحرام حرماً آمناً لكل المخلوقات، وألا تكون طرفاً في تجاذبات إقليمية أو سياسية، وأن تحتضن القضايا العربية العامة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية القدس.
تلك هي الخطوط السياسية الأساسية التي شهدتها في المملكة حتى ثمانينيات القرن الماضىي، وأرجو أن تعود ملاذاً للرخاء والعدل والإنصاف، وقلعة للدفاع عن قضايا العرب والمسلمين محاطة بقلوب كل العرب والمسلمين؛ فإذا غدت السعودية على منوال ما ذكرت، سعدت المنطقة كلها وصارت مركزاً للتفاعلات الإيجابية في المنطقة والعالم.
مصدر الصور: موقع عاجل.
موضوع ذا صلة: صراعات مكتومة.. السعودية وإيران وتركيا وروسيا
د. عبدالله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر