في وقت تتجه فيه الأنظار إلى إيجاد حل للإتفاق النووي ضمن حولات فيينا وقرب الإتتخابات الرئاسية، تساءل العديد من المراقبين عن زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، العميد إسماعيل قآاني، إلى كل من بغداد وبيروت ضمن زيارتين خاطفتين لم يعلن عن تفاصيلها بشكل واضح.
تأتي هذه الزيارة أيضاً في توقيت مهم وهو رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن بعض الشخصيات والشركاء الإيرانية حيث قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها رفعت العقوبات عن 3 مسؤولين إيرانيين سابقين وشركتين، كانوا متورطين في السابق في تجارة المنتجات البتروكيماوية الإيرانية، وذلك في إشارة واضحة إلى قُرب إنجاز الملف النووي بين طهران ومجموعة الـ 4+1 باشراف أمريكي “عن بُعد”.
تهدئة وتصعيد
تم ربط زيارة العميد قآاني إلى بغداد بمسألة اطلاق سراح – قبل يوم من وصوله – أحد قيادي “الحشد الشعبي” قاسم صالح بعد أن براه القضاء، حيث أثار اعتقاله توتراً بين الحكومة العراقية والحشد، الذي طوّق “المنطقة الخضراء” الحكومية في مشهد وصف بـ “الانقلاب غير المعلن”.
فلقد أعلن الجيش العراقي – في بيان له – أن عملية الاعتقال تمت “وفق المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب”، حيث نفذت قوة أمنية عملية إلقاء القبض على المتهم قاسم محمود كريم مصلح “وجاري التحقيق معه من قبل لجنة تحقيقية مشتركة في التهم الجنائية المنسوبة إليه وفق السياقات القانونية”.
عن هذا الحدث، يشير بعض المراقبين إلى مدى سيطرة إيران على “الدولة العميقة” في العراق، ومدى النفوذ والتأثير الذين تتمتع بهم طهران في بغداد، هذا من جهة.
من جهة أخرى، خلّفت الزيارة جواً أمنياً تصعيدياً بعد إستهداف قاعدة بلد العسكرية، بصواريخ “كاتيوشا”، وبعض المواقع المحاذية لمطار بغداد الدولي، بطائرات مسيرة، وهو ما يعد أحد أبرز الجهمات المستجدة على الساحة الميدانية، خصوصاً مع إتهام القوات الأمريكية لميليشيات تابعة لطهران بتنفيذ العملية من خلال طائرات مسيرة إيرانية الصنع، بحسب تقارير أمريكية وغربية؛ هذا الأمر، حذا بواشنطن إلى رصد مبلغ يصل لـ 3 مليون دولار أمريكي لمن يعطي معلومات عن “هجمات مخطط لها أو سابقة ضد المنشآت الدبلوماسية الأمريكية”.
في المقابل، هناك من يرى بأن جهة ما تريد “دق اسفين” بين كل من بغداد وطهران، من خلال هذا الاستهداف.
من هنا، يمكن القول بأن زيارة العميد قآاني – وما سبقها وتبعها من أحداث – تعد رسالة إيرانية سياسية – عسكرية، للقريب والبعيد، متعددة الأهداف، أبرزها:
• بالمعنى العام، الاعتراف حقيقة وواقعاً بنفوذ طهران في المنطقة، والذي قد يصبح أقوى مع الانتهاء من انجاز المفاوضات النووية، وتحضير بغداد لمرحلة جديدة من التعاطي.
• أهمية الاستقرار في العراق، و”الاشراف” على هذا الاستقرار وتوازناته ميدانياً، لكونه ينعكس مباشرة على إيران.
• محاولة تأمين الجهة الغربية من حدودها، خصوصاً بعد الانسحاب الأمريكي المقرر من أفغانستان، على حدودها الشرقية، حيث تشير الكثير من المعلومات إلى حدوث تسوية ما مفادها اطلاق سراح مصلح مقابل التهدئة بين الفصائل، من جهة، والحكومة، من جهة أخرى.
• من خلال البند السابق، تشير بعض المصادر إلى أن التصعيد في الهجمات – بعد الزيارة – جاء نتيجة التصعيد من قبل القيادي الإيراني على بغداد، خصوصاً بعد لقائه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وعدد من زعماء الفصائل المسلحة، لجهة الضغط على حكومة بغداد للاسراع في عملية انسحاب القوات الأميركية.
• عدم المس بشخصيات إيرانية أو مقربة من طهران على غرار ما حصل، 4 يناير/كانون الثاني 2020، باستهداف كل من قائد فيلق القدس السابق، اللواء قاسم سليماني، وقيادي “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، على الأراضي العراقية، وهي لا تريد للمشهد أن يتكرر مجدداً.
• مع قُرب البدء بالتحضير للانتخابات النيابية المقررة في 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل (2021)، يمكن القول بأن الزيارة – في جزء بسيط منها – يصب في هذا الإطار من خلال تقوية المحور طهران أكثر، خصوصاً وان بعض المعلومات أفادت أن هدف العميد قاآني من الزيارة هو “البحث في ملف الانتخابات وترتيب البيت الشيعي” ورص الصفوف.
رسائل متفرعة
فيما يخص لبنان، يمكن القول أن أهداف الزيارة قد تختلف – إلى حد لافت – مع تلك في بغداد، في وقت لم ترشح فيه الكثير من المعلومات عن الزيارة، مع تأكيد بعض المصادر إلى أن زيارات العميد قاآني للبنان هي متعددة وكثيرة خصوصاً في الأوقات “الحرجة”، وأبرزها الحديث عن زيارتين قام بهما خلال عملية “سيف القدس”، مع تضارب المعلومات – بين تأكيد ونفي – عن وجود غرفة عمليات مشتركة (الحرس الثوري الإيراني – حزب الله – الفصائل الفلسطينية) ادارت المعركة من بيروت.
بحسب بعض المعلومات تأتي هذه الزيارة في ظل عدد من الأمور المحلية والدولية، أبرزها:
• إعلان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، خلال كلمته الأخيرة عن امكانية القيام بعمليات لاستيراد النفط من إيران مباشرة وبالعملة المحلية.
• الحديث عن قُرب تشكيل حكومة، خصوصاً بعد الحديث عن توافق أمريكي – فرنسي على تولي حلفائهم لبعض الحقائب السيادية المهمة، وذلك بحسب مصدر خاص لم يرد الكشف عن إسمه.
• على الصعيد الإقليمي، يفيد المصدر نفسه عن أن سبب الزيارة هو العمل على توحيد الجبهات بين بعض “دول الطوق” بشكل “أشمل وأسرع” لا سيما بعد الحرب الأخيرة على غزة ونتائجها الإيجابية (من وجهة نظر “محور المقاومة”)، خصوصاً مع وجود مخاوف من فشل حكومة يائير لبيد في نيل الثقة وبقاء بنيامين نتنياهو – الذي يحاول وضع العراقيل أمام رئيس الحكومة المكلف – على رأس السلطة التنفيذية، وارتفاع نسب حدوث أي عمل أمني هذا الصيف كي يؤمن لنسفه “خروجاً آمنا” من المأزق الداخلي الذي يحيط به وأبرز معالمه قضايا الفساد وامكانية محاسبته على فشله في ضرب البنية التحتية لحركة “حماس”، كما كان يتمنى، بالإضافة إلى تعريض حياة الإسرائيليين للخطر.
مصدر الصورة: CGTN.
موضوع ذا صلة: الاستراتيجية الأميركية في العراق: عزله عن إيران