ماتياس فون هاين/ ع.خ

زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، إلى أوروبا تأتي في وقت مثالي. المحطة الأولى قمة السبعة الكبار في بريطانيا، ثم تليها قمة زعماء الناتو في بروكسل، ثم يلتقي الرئيس الأميركي نظيره الروسي فلاديمير بوتين على “أرض محايدة”، في جنيف بسويسرا. وقبل هذه الرحلة الدبلوماسية العابرة للأطلسي، ينشر مؤتمر ميونيخ للأمن تقريره حول مستقبل التعاون بين الدول الديمقراطية والشمولية تحت عنوان: “المنافسة والتعاون بين الدول المهمة /Between States of Matter – Competition and Cooperation”.

عنوان التقرير يصف فعلاً المعضلة، الديمقراطيات الغربية تواجه تحدياً كبيراً، خصوصاً من قبل الصين. في الوقت نفسه تحتاج هذه الدول الديمقراطية بعضها ليس فقط ضمن الشراكات التجارية بل لمواجهة التحديات العالمية الكبرى. جائحة “كورونا” – التي عصفت بالعالم – ليست سوى مثالاً لمثل هذه التحديات، بجانب أمثلة أخرى مهمة مثل التغيرات المناخية، والتهديد بدخول سباق نووي قادم. هذه وتحديات أخرى تتطلب تعاوناً بين هذه الدول؛ في إطار ذلك، فإن العلاقة مع الصين غريبة، فهي شريك وفي الوقت نفسه منافس استراتيجي للاتحاد الأوروبي.

تحدي الصين

الدولة الرأسمالية بقيادة شيوعية تمكنت من تحقيق ما فشل فيه الاتحاد السوفيتي، ألا وهو الجمع بين نظام شمولي وبين اقتصاد ناجح وازدهار متزايد للسكان؛ ولهذا، تظهر جملة يكررها بايدن مراراً “علينا إظهار أن الديمقراطيات لا تزال قادرة على فعل المزيد لشعوبها”. فقد اتضح أن بلداً بتعداد سكان يبلغ 1.4 مليار إنسان ينمو فيه الاقتصاد على مدى 40 عاماً بشكل مضطرد ويتحول إلى قوة اقتصادية عالمية، يمكن أن يستعمل هذه القوة للتأثير سياسياً ومن ثم عسكرياً.

بكين رسمت لنفسها أهدافا طموحة جداً؛ فبحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية والذي يصادف العام 2049، ترغب الصين في أن تصبح قوة اشتراكية حديثة قادرة على وضع القواعد وتحقيقها على أعلى المستويات تكنولوجياً واقتصادياً وثقافياً.

الغرب يستجمع قواه

يؤكد تقرير “مؤتمر ميونيخ للأمن” أن الديمقراطيات الليبرالية مستعدة للدفاع بحزم عن نفسها ضد القوى غير الليبرالية. ينقل توبياس بوند، مدير الأبحاث في المؤتمر وأحد الكتاب الرئيسيين للتقرير، عن الرئيس بايدن، قبل نشر التقرير، قوله “نحن في نقطة تحوّل. ويجب على ديمقراطيات العالم التماسك”. وهذا ما يحدث بالفعل. إذ يوضح بوند أن “رؤساء الدول والحكومات عبر ضفتي الأطلسي توصلوا لإجماع على ضرورة تعزيز التعاون بين أهم الديمقراطيات في العالم من أجل مواجهة التحديات المشتركة”.

ويرى بوند أن من ضمن هذه التحديات هي أن الهيمنة الإيديولوجية الغربية قد أصبحت موضع تساؤل في المؤسسات الدولية، فقبل أعوام كان يدور الحديث عن مفاهيم مثل “مسؤولية الحماية” وانتصار حقوق الإنسان حتى في العالم العربي، يضيف بوند “اليوم تتمكن الصين ببساطة من تحشيد عشرات الدول لدعم سياساتها في شينجيانغ وهونغ كونغ”.

التركيز على المحيطين الهندي والهادي

تلعب منطقة المحيطين الهندي والهادئ دوراً مركزياً في التقرير، ليس لأن المنطقة تمثل 60% من الناتج الاقتصادي العالمي وثلثي النمو الاقتصادي فحسب، فبالنسبة لصوفي إيزنتراوت – المشتركة في كتابة التقرير – من الواضح “أننا بصدد التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ لأن الكثيرين قد اتفقوا الآن على أن هذه ليست منطقة تتعلق بالاستقرار فحسب، بل هي أيضاً المنطقة التي ستحدد شكل النظام الدولي في العقود القادمة”.

بدأ هذا التصور يجد مكاناً فعلياً له على أرض الواقع، فوزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عاد، في بداية شهر يونيو/حزيران الجاري (2021)، من رحلة إلى إندونيسيا التقى خلالها بوزير الدفاع الإندونيسي برابو سوبيانتو. وكان بوريل قد أعلن عن استعداد الاتحاد الأوروبي لتوسيع تعاونه الأمني مع منظمة “آسيان”، خصوصاً في مجال الأمن البحري. وفي جاكرتا، أكّد أن الاتحاد الأوروبي لديه مصلحة في ضمان بقاء النظام الإقليمي مفتوحاً وقائماً على قواعد، وأن الاتحاد الأوروبي يمكنه تقديم مساهمة مهمة في ذلك. وعلى مدونته، خلص أكبر دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي إلى أنه “إذا أردنا أن نكون (الاتحاد الأوروبي) لاعباَ جيو – سياسياً، فيجب النظر إلينا على أننا فاعل سياسي وأمني في المنطقة، وليس فقط كشريك في التعاون التنموي أو التجارة أو الاستثمار”.

ويأمل كاتبو التقرير في المزيد من الجهد من الأوروبين ليصبحوا “فاعلين عالميين”، مثلما نقلوا عن رئيس المفوضية الأوروبية السابق، جان كلود يونكر.

أما برلين، فتأخذ خطوات حذرة في هذا الاتجاه. ففي نهاية شهر أيار/مايو 2021، سافرت وزيرة الدفاع الألمانية، أنغريت كرامب كارينباور، إلى كوريا الجنوبية للتحضير لنشر الفرقاطة الألمانية “بافاريا” في المحيط الهادئ. وفي طريقها، زارت كارينباور جزيرة “غوام”، حيث تقع أهم القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ؛ وبالتالي، ستكون هدفاً محتملاً في حرب محتملة بين الصين والولايات المتحدة. في بداية نيسان/أبريل، حين أُرسلت الفرقاطة، قالت وزيرة الدفاع لشبكة التحرير الألمانية إن ألمانيا لا تتحدث فقط عن حرية الطرق البحرية التي تهددها الصين. ألمانيا أيضاً مستعدة للقيام بشيء ما.

تحدي توحيد المواقف

يدعو التقرير الدول الأوروبية والشركاء في أميركا الشمالية إلى إشراك القريبين في أطراف العالم الأخرى بشكل أوثق؛ فقط من خلال التعاون الوثيق بين القوى الديمقراطية الليبرالية، يمكن التصدي لتحدي الأنظمة الشمولية، يقول التقرير. ولكن قبل كل ذلك، يجب على الأوروبيين التعاون بينهم، كما يرى رئيس مؤتمر ميونيخ فولفغانغ إيشنغر. وبالنسبة له، فإن نتائج التقرير تظهر “أن تطوير سياسة خارجية أوروبية ذات صلة ليس فقط تجاه الصين وروسيا، ولكن أيضا تجاه شركائنا عبر الأطلسي، في رأيي، هو بالتأكيد حتمية ضرورية للمستقبل”.

وهذا ما يؤكده التقرير بوضوح، إذ يتنبأ التقرير بصعوبة الحفاظ على التوازن بين مسألتي التعاون والمنافسة أو حتى المواجهة “من أجل السيطرة على أهم التحديات البشرية، يتعين على الشركاء عبر الأطلسي، الوقوف جنباً إلى جنب مع الدول ذات الرؤيا المماثلة، وإيجاد التوازن الصحيح بين التحديين للحد من المخاطر العالمية، يتعين عليهم التعاون مع الأنظمة الشمولية، وحيث تتعرض مبادئ الديمقراطية للخطر، فلا يجب عليهم الخشية من الدخول في مواجهة مع الدول غير الليبرالية.”

المصدر: DW.

مصدر الصور: EU Observer – The Japan Times.

موضوع ذا صلة: هل يقود التنافس الأمريكي – الصيني لحرب عالمية باردة؟ش