مركز سيتا

في العام الماضي (2020)، استطاعت القوات الحكومية في أديس أبابا وقف تقدم متمردي جبهة تيغراي نحو العاصمة وهزمتهم، فما الذي تغيّر اليوم؟

من جهتها، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي مسؤوليتها عن الاستيلاء على المدينتين الإستراتيجيتين ديسي وكومبلوتشا، على بعد 400 كلم شمال العاصمة، كما زعمت أنها تتقدم أيضاً من الشرق نحو مايل، وهي بلدة على الطريق إلى جيبوتي، ما يعني أن وصولها إلى قلب العاصمة أديس أبابا بات مسألة وقت، خاصة وأنها أصبت على مشارفها.

من هنا، ينقل المحرر بصحيفة لوباريزيان – Le Parisien، فليكس دورسو، عن المتخصص في شؤون إثيوبيا ومؤلف كتاب “تعلم وافهم أفريقيا اليوم”، باتريك فيراس، قوله “مع الاستيلاء على هاتين المدينتين، تم قطع المحاور اللوجستية الرئيسية التي عادة ما تزود أديس أبابا”.

وقد أعلنت حكومة آبي أحمد حالة الطوارئ، 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ودعت السلطات في أديس أبابا السكان لتنظيم أنفسهم للدفاع عن المدينة، كما دعت عدة دول رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا، وهو ما دعى بالباحث فيراس للقول بأن “الإيماءات الدبلوماسية هي المعيار إلى حد ما عندما يكون هناك خطر، وهنا يمكننا القول إن أديس أبابا هي اليوم في مرمى النيران”.

ماذا يريد متمردو تيغراي؟

يقول غيتاشيو رضا، المتحدث بإسم جبهة التحرير الشعبية لتحرير تيغراي، إن الاستيلاء على العاصمة ليس “هدفاً”، ويوضح بـ “أننا لسنا مهتمين بشكل خاص بأديس أبابا، نريد فقط التأكد من أن آبي أحمد لم يعد يمثل تهديداً لشعبنا”، مستبعداً احتمال حدوث حمام دم إذا سقطت العاصمة التي تسكنها بشكل أساسي إثنية الأورومو العرقية.

ويوضح باتريك فيراس أن الصراع الحالي له أصول سياسية وليست بالضرورة عرقية، إذ لا توجد كراهية شديدة بين الجماعات العرقية في إثيوبيا، كما كان الوضع في رواندا وبوروندي.

ويبرز دورسو أن جبهة مقاتلي التيغراي تسيطر على الهياكل السياسية والأمنية في إثيوبيا منذ ما يقرب من 30 عاماً، في حين أن إثنية التيغراي نفسها أقلية في البلاد، لكن آبي أحمد، وهو من أورومو، أطاح بها من السلطة العام 2018، واضطر التيغراي إلى التراجع إلى معقلهم في إقليمهم شمالي البلاد.

من الذي “سكب الزيت على النار”؟

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أرسل أحمد الجيش إلى تيغراي، متهماً أهالي هذه المنطقة بالرغبة في الانفصال، وقد أدى القتال، الذي خلف آلاف القتلى ونزوح مئات الآلاف، إلى إغراق شمال البلاد في أزمة إنسانية عميقة.

وقد أعلن رئيس الوزراء الانتصار في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020؛ لكن بحلول يونيو/حزيران 2021، استعاد المقاتلون الموالون لجبهة تحرير تيغراي السيطرة على معظم مناطق الإقليم، ثم تقدموا إلى المناطق المجاورة في عفار وأمهرة.

وحسب دورسو، فإن انتصار آبي أحمد – العام 2020 – كان ضحلاً، وقد اختبأ رجال التيغراي في الجبال، وتدربوا هناك قبل أن يشنوا هجوماً مضاداً، في يونيو/حزيران، خلال موسم الأمطار، إذ كانوا متحمسين ومدربين بشكل جيد ومتمرسين على القتال، ولذلك فقد تقدموا في غضون 4 أشهر بحدود الـ 300 كلم.

أمل ضئيل

في ظل مجريات ما يحدث، يبقى الأمل في التوصل إلى اتفاق يعكس المسار الحالي ضئيلاً يوماً بعد يوم، فقد عبر جيفري فلتمان، المبعثوث الأمريكي إلى القرن الإفريقي، عن اعتقاده أن إثيوبيا تسير في طريق خطير، لأن التغيير في الاتجاه يجب أن يحدث خلال أيام، وليس أسابيع، وأنه ينبغي على الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي البدء على الفور في التفاوض وتنفيذ سلسلة من الخطوات التي من شأنها وقف العنف، والسماح بوصول الإمدادات المنقذة للحياة إلى الإقليم، وانسحاب قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من عفار وأمهرا، في مقابل انسحاب القوات الإريترية من الأراضي الإثيوبية، وبدء المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان وأية جرائم حرب أخرى.

في المقابل، تشير العديد من معلومات إلى “احتراق ورقة” آبي أحمد أمريكياً، خاصة بعد تقاربه الكبير مع تركيا وقطر رغم أنهما حلفاء واشنطن، إذ أن الإدارة الأمريكية تتخوف من تنامي دور رئيس الوزراء الإثيوبي ولا تريد لها “قذافي” آخر في إفريقيا، حسب تعبيرها.

من خلال ذلك، يرى العديد من المراقبين بأن آبي أحمد غير مهتم بالسلام وهو ما تشير إليه تصريحات فيلتمان بأن الولايات المتحدة تريد تنشيط علاقتها مع إثيوبيا، لكن أديس أبابا، وليست الولايات المتحدة، هي التي تجلس على مقعد القيادة.

علاوة على ذلك، ينظر المراقبون الأميركيون بقلق لتصرفات أحمد التصعيدية، والتي عكسها دخول حكومته في سوق طائرات “الدرون” التركية الرخيصة نسبياً، والتي ساعدت في دعم أذربيجان في صراعها مع أرمينيا في إقليم ناغورنو كاراباخ، وتعتبر أكثر فعالية من الطائرات الإيرانية والصينية المسيرة والموجودة بالفعل بحوزة إثيوبيا.

أخيراً، تنذر الأنباء الأخيرة باحتمالية نشوب حرب أهلية في إثيوبيا على خلفية تعنت الطرفين واستبسالهما في الحفاظ على المناطق والمدن الواقعة تحت سيطرتهما، إلا أن سحب البعثات الدبلوماسية والرعايا الأجانب والعرب من العاصمة ينذر بأن المرحلة القادمة ستكون دموية في حال دخل متمردو تيغراي إلى العاصمة أديس أبابا، وسط تخلي الولايات المتحدة – وحتى إسرائيل – عن رجل إثيوبيا الأول، أي آبي أحمد.

مصدر الأخبار: مركز سيتا + وكالات.

مصدر الصور: رويترز – الحرة.

موضوع ذا صلة: شبح الحرب الأهلية يهدد إثيوبيا الفيدرالية