من المعروف أن العين اليوم شاخصة على القارة الإفريقية لوفرة خيراتها. فهي بالأساس كانت عبارة عن مستعمرات للدول الأوروبية، لا سيما إيطاليا وفرنسا وغيرهما، والآن دخل إليها العديد من اللاعبين الجدد، مثل كالصيني والروسي والأمريكي وغيرهم.
أيضاً، من المعروف ن هذه القارة لم تعش يوماً مستقلة رغم استقلال دولها، فقد كانت مستعمرة من قبل الغرب – كما سبق وذكرنا – والآن وبسبب التدخلات الخارجية – سواء في مالي أو تشاد أو نيجيريا وليس آخرهم السودان وما يحدث فيها – لم تحقق أغلبها ما تصبو إليه، زد على ذلك معاناة إثيوبيا التي نهضت من تحت الركام بقيادة شابة كرئيس حكومتها آبي أحمد. إلا أن ما يحدث يقول إن ثمة أمور خفية حرّكت المياه الراكدة، لكن هذا لن يقف عائقاً عندما تكون بعض هذه الدول أو تلك، قد صنعت تحالفات تساندها في مواقف كهذه. على سبيل المثال، لنأخذ المثال الأقرب لنا، وتحديداً ما حدث العام 2017، والذي اعتبر عام المقاطعة الخليجية لدولة قطر. بصرف النظر عن المسببات، لكن الدوحة وجدت حلفاء كانوا لها عوناً في فترة الحصار. ورغم ضبابية المشهد، استطاعت أن تحوّل أزمتها إلى منفعة لها، من خلال تشابك علاقاتها مع الدول القوية اقتصادياً، كتركيا.
قد يقول البعض، إن تركيا اليوم تعاني من أزمة اقتصادية مستجدة وربما صعبة، لكن هذا لا يعني سقوط أنقرة – الدولة الصناعية الكبيرة – والتي بنت نفسها بنفسها وأصبحت رقماً صعباً بين الدول الكبيرة. أيضاً بعيداً عن السجال السياسي وما يتعلق بسياستها الخارجية، لكن الحقيقة يجب أن تُقال وهي أنها قوة اقتصادية وفي كافة المجالات. فأن تستضيف أنقرة القمة التركية – الإفريقية في هذا التوقيت، هذا يعد مؤشراً كبيراً نحو توجه تركيا لترميم الأوضاع في كل الاتجاهات، حيث تعمل اليوم على إعادة بناء قوتها الاقتصادية رغم ما يحيط بها وفيها من أزمات.
لقد مثٌلت قمة الشراكة التركية- الإفريقية، فصلاً جديداً لأنقرة في ضوء إحداث موازنة بين ضغوطات الداخل والرغبة في الاستثمار الإقليمي خاصة على مستوى القارة الإفريقية، وهذه هي القمة الثالثة بعد قمتي العامين 2008 و2014، حيث شهدت حضوراً من جانب 16 زعيماً إفريقياً و102 وزير، في إطار مساعيها لترسيخ علاقاتها الاستراتيجية طويلة الأمد مع دول القارة الإفريقية، وهذا يعني أن الثقة واضحة بين الزعماء الأفارقة والأتراك ليقينهم أنها دولة التحالفات، وهي – كما ذكرت آنفاً – رقم صعب حجزت لنفسها مقعداً كبيراً بين كبرى الدول.
لكن السؤال الأهم يتعلق بنتائج هذه القمة وفائدتها على تركيا أولاً ومن ثم على دول القارة الإفريقية ثانياً. فتركيا – حالها كحال أية دولة – تريد أن تبني لها أرضية اقتصادية قوية، وهذا حقها وحق كل بلدان العالم، وهي تريد – من هذه القمة بالتحديد – أن تعزز حضورها داخل القارة عبر الاستثمارات المختلفة في مجالات البنية التحتية والصحة وكذلك الطاقة، والبحث لها عن منفذ للانخراط – بشكل أو آخر – في إطار اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
أيضاً، يبدو بأن هناك رغبة تركية واضحة المعالم في تقديم الدعم وتبادل الخبرات حيال تلك الاتفاقية، والنقطة الأهم هي في تطوير التعاون مع إفريقيا ضمن قطاع الدفاع من خلال فتح فتح 37 مكتباً عسكرياً لأنقرة داخل الدول الإفريقية، إلى جانب فتح سوق جديدة أمام المنتجات العسكرية المختلفة في ضوء وجود توترات عند عددٍ من الدول حالياً.
وتترجم ذلك بصفقات عديدة مثل صفقة المسيرات التركية من طراز “بيرقدار – TB2” مع المغرب، وكذلك إثيوبيا حيث دعمتها تركيا بصفقة طائرات مشابهة، بالإضافة إلى كل من تونس وأنغولا التي عبرت عن اعتزامها إبرام صفقة عسكرية تتضمن مسيرات تركية وذلك على هامش زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى، العاصمة الأنغولية، 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي (2021)، في إطار جولة إفريقية شملت أيضاً كلاً من توجو ونيجيريا.
هذه العلاقات القديمة – الجديدة تأتي في سياق “افتخار” تركيا بأن ما من ماضٍ استعماري لها في إفريقيا؛ بالتالي، هذه الشراكات الأخيرة قد تخرج أنقرة من المأزق الاقتصادي الذي تعاني منه، مع توسع الاستثمارات التركية في القارة ليتخطى حدود الـ 6 مليارات دولار المُحققة خلال العام 2020، مستفيدة من دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز النفاذ، فبراير/شباط 2021. ومن ثٌم، يمثل كل ما سبق فرصة للمستثمرين الأتراك لدعم حركة الاستثمارات التركية في القارة، وفتح مجال أوسع أمام الصادرات التركية مع الحد الأدنى من الرسوم الجمركية.
من هنا، لا شك بالقول في أن تركيا باتت لاعباً قوياً في المسرح العالمي يعلم تماماً متى يستفيد من تحالفاته، سواء في آسيا أو إفريقيا وحتى أوروبا – ولو بنسة ضئيلة – لكنها لا تزال حاجة إلى كل حلفائها، والعلاقات متبادلة،. لكن ومن المؤكد أن قوتها فرضت على الغرب التعامل معها بأسلوب خاص، فهي الآن تنشر تجربتها لحلفائها والأهم أنها تدعمهم في أزماتهم سواء في اللقاحات ضد فيروس “كورونا” المستجد أو على الصعيدين العسكري والسياسي بالطبع.
في ظل ذلك كله، تعلم تركيا تماماً متى تكمل ومتى تتوقف ومتى تنسحب مع تطورات الإقليم الملتهب إلى حد ما، لكن المميز فيها أنها موجودة في كل الصراعات كخصم وند وداعم في آنٍ معاً.
مصدر الصورة: دايلي صباح.
موضوع ذا صلة: تزايد النشاط التركي في إفريقيا بعد تراجعه في سوريا
كاتب ومفكر – الكويت.