خطط الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لتتويج نفسه بأطول مدة رئاسية في تاريخ تركيا، وذلك العام 2023 حيث ستحتفل بلاده بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية. غير أن استطلاعات الرأي – وبسبب كل من الأزمة الاقتصادية والفساد – جاءت نتائجها على عكس ذلك، ما يجعل حلمه هذا غير مؤكد التحقيق.
حكم الرئيس أردوغان تركيا منذ العام 2003، أولاً كرئيس للوزراء ومن ثم كرئيس للدولة حيث تمكن من توسيع صلاحياته الرئاسية بشكل واسع قبل 3 أعوام خلت، لكن سياساته الاقتصادية دفعت البلاد – منذ ذلك الحين – إلى تضخم مفرط وانهيار لسعر صرف العملة، إذ أقال 3 رؤساء للبنوك المركزية منذ العام 2019 ، وكذلك 3 من صانعي السياسات في البنوك، أكتوبر/تشرين الأول 2021.
فيما يخص سير عمل البنك المركزي، يمكن القول بأنه كان يتصرف وفقًا لأهواء الرئيس التي تتعارض بشكل مباشر مع الفكر الاقتصادي التقليدي؛ فبدلاً من رفع أسعار الفائدة لتعويض انخفاض الليرة بنسبة 56% هذا العام (2021)، أصر الرئيس أردوغان على خفض أسعارها.
اتهامات بالفساد
عندما وصل الرئيس أردوغان إلى السلطة العام 2003، كان يُنظر إلى حزب “العدالة والتنمية” – الذي ينتمي إليه – على أنه بداية جديدة بعد الحكومات الفاسدة السابقة، وعلى الأخص فضيحة الفساد التي حدثت العام 1996 حيث كشفت عن علاقات وثيقة بين الحكومة والقوميين اليمينيين والجريمة المنظمة. ومع ذلك، تعرض الرئيس أردوغان – وأقاربه وبعض الأعضاء الرئيسيين في الحكومة – لفضائح مالية ليس أقل من تلك التي سبق الكشف عنها.
وللتبحُّر أكثر في هذا الموضوع، سنعرض هنا للمراحل بحسب التوارد التالريخي:
– العام 2013: كشفت التحقيقات الخاصة بفضيحة الفساد – في ذاك العام – تورط العديد من المسؤولين الرئيسيين في الحكومة التركية والذين كانوا على صلة بحزب “العدالة والتنمية”، حيث تبين أنهم متورطون في جرائم الرشوة والفساد والاحتيال وغسيل الأموال وتهريب الذهب. واللافت أن التحقيقات شملت في القضية نجلي الرئيس أردوغان، بلال وبوراك، وآخرين.
رداً على ذلك، أقال الرئيس أردوغان 350 من ضباط الشرطة، بمن فيهم رؤساء الوحدات التي تتعامل مع الجرائم المالية والتهريب والجريمة المنظمة في وقت بدا فيه الناشطون بتداول مقطع فيديو يظهر علي أردوغان، إبن شقيق الرئيس والحارس الشخصي لرئيس الوزراء، وهو يأمر مفوض الشرطة بالإساءة إلى المحتجزين الذين احتجوا على عمه.
في 23 ديسمبر/كانون الأول، عُثر على هاكان يوكسكداغ، 35 عاماً، مفوض الشرطة في إدارة التهريب ومعركة الجرائم المنظمة بدليل أمن محافظة أنقرة، مقتولاً في سيارته. في اليوم التالي، توفي عبدي ألتينوك، مساعد رئيس الشرطة في دليل أمن مقاطعة إسبرطة. كلا الوفاتين قيدتا رسمياً تحت بند الانتحار.
– العام 2014: أقيل 4 قضاة بعد أن حققوا في مزاعم فساد ضد الدائرة المقربة من الرئيس، حيث أسقطت الفضيحة 4 وزراء من الحكومة. أيضاً، سبق وأن تم الكشف عن تحقيق في جرائم الفساد، 17 ديسمبر/كانون الأول 2013، ترافقت مع مداهمات الشرطة وأدت إلى اعتقال عشرات الأشخاص المتحالفين مع الرئيس التركي. لكن النتيجة كانت إسقاط جميع التهم الموجهة إلى المسؤولين الحكوميين المرتبطين بالتحقيق رسمياً.
– العام 2015: اتهمت روسيا الرئيس أردوغان بإدارة “شركة عائلية” في تهريب نفط لتنظيم “داعش” الإرهابي، حيث تم ربط بيرات البيرق، صهر الرئيس ووزير الطاقة، بإمداد الإرهابيين بالنفط. في المقابل، نفى الأتراك تلك المزاعم، إلا أن روسيا ابرزت صوراً بالأقمار الصناعية تظهر بوضوح ناقلات النفط التي كان يستخدمها التنظيم في سوريا وهي تعبر الحدود التركية عند منطقة الريحانية ومن دون عوائق.
– العام 2019: بثت قناة تلفزيونية مجموعة من المكالمات الهاتفية المسربة التي تمت في ديسمبر/كانون الأول 2013، بين أردوغان ونجله بلال حول التخلص من مبالغ نقدية كبيرة كانت بحوزتهما بعد فض قضية فساد من قبل السلطات التركية، إذ أمر الرئيس نجله بنقل الأموال على الفور. فحوى المحادثات تضمن نقاشاً بين الرئيس التركي وابنه عن ملايين الدولارات التي يحتاجون إليها لإخفاء تلك الأموال غير المشروعة، كما تم التعاون مع إبنة الرئيس وأخته وزوجها لكي تتم عملية النقل تلك.
– العام 2020: تعرض بيرات البيرق – الذي شغل منصب وزير المالية في تركيا آخر مرة – لانتقادات عالمية بسبب عمليات جني الأموال والسيطرة على الفساد المالي. هذه القضية التي تورطت فيها أسرة الرئيس، أدت إلى إضعاف جهود الأخير للمطالبة بقيادة المجتمع العالمي الإسلامي، كما أدت إلى حدوث فوضى على المستوى المحلي. هذا ويواجه البيرق اتهامات بتقاسم الأرباح مع النخب السياسية، لا سيما في حزب “العدالة والتنمية”، حيث تم تسليط الضوء على قضية غسيل الأموال تلك بعد القبض على مساعده رضا ضراب في ميامي – الولايات المتحدة، العام 2016.
– العام 2021: أنتج زعيم الجريمة المنظمة سيدات بيكر، الذي يعيش في المنفى، سلسلة من مقاطع الفيديو على مدار أسبوعين تتهم المقربين من الرئيس التركي بالاغتصاب وتجارة المخدرات والوفيات المشبوهة. كما اتهم بيكر في البداية مجموعة Pelikan، وهي مجموعة تلتف حول البيرق، وقدم أوصافًا للاقتتال الداخلي المرير بين الجماعات المتنافسة حول الرئيس أردوغان والروابط الغامضة بين كبار المسؤولين. أيضاً، كشف بيكر عن عملية استيلاء غير قانونية على الميناء من قِبل شخص داخل الحكومة واستخدامه لاحقاً في عمليات تهريب المخدرات. من الجدير ذكره هنا أن نسبة المشاهدات إلى حدود الـ 4 مليون مشاهدة.
في هذا الشأن، قال أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق ومؤسس حزب المستقبل المعارض، في بيان له إنه “يتم فتح صندوق باندورا مختلف كل يوم”.
ضمن السياق نفسه، تم تسريب عدد من الوثائق التنظيمية من مؤسسة الشباب التركي – TUGVA، والتي يعتبر بلال – نجل الرئيس – أحد المسؤولين فيها. احتوت تلك الوثائق على نسخ من المراسلات مع مختلف السلطات البلدية والإقليمية والمركزية، بالإضافة إلى السيَّر الذاتية، وسجلات الممتلكات، وكشوف الحساب، وحتى قوائم أعضاء المؤسسة الذين يوصى بوضعهم في مختلف هيئات الدولة، من إدارة المؤسسات التعليمية إلى المناصب داخل الشرطة والقوات المسلحة.
كل ذلك، حذى بالمعارضة التركية إلى أتهام الحكومة بأنها أصبحت “هيكل دولة موازياً”. كما قال أحد المديرين الإقليميين السابقين لـ TUGVA، تامر أوزسوي، إن جميع المعلومات التي ظهرت للضوء “ليست سوى غيض من فيض”.
من هنا، يرى العديد من المراقبين بأن التضخم المفرط وانهيار الليرة هي التي أدت إلى تدني نسب المعيشة لدى المواطن التركي ككل. وفي هذا الخصوص، قالت أديلين فان هوت، المحللة الأوروبية في إيكونوميست إنتليجنس يونيت، إن “ارتفاع الأسعار والليرة التركية الضعيفة، إلى جانب الاستياء العام من الفساد المستشري، يضر بالحكومة”.
أردوغان ومستقبل الانتخابات
في يونيو/حزيران 2023، من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة حيث تظهر استطلاعات الرأي أنه سيكون من الصعب على الرئيس أردوغان الفوز بها، إذ يتخلف الآن عن منافسيه الرئيسيين في السباق.
من هنا، دعا زعيم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا، كمال كليجدار أوغلو، إلى إجراء انتخابات مبكرة، العام 2022، بعد أن أظهر استطلاع لشركة متروبول أن 41% فقط من الأتراك وافقوا على أداء أردوغان سبتمبر/أيلول 2021، ما يعني انخفاضاً بمعدل 18% عن العام 2015.
أيضاً، قال داود أوغلو “كما رأينا في جميع الحكومات القديمة التي تقترب من نهايتها، هناك صراع داخلي داخل الحكومة”، مضيفاً “نظراً لأن نهاية النفق مرئية الآن، يحاول الجميع تأمين أقوى حماية ممكنة من قبل الوصول إلى النهاية.”
قال مراد يوسر وأتيلا يسيلادا في مقال لموقع Global Source Partners، والذي يقدم تحليلاً للأسواق الناشئة، إن “تركيا لم تعد بلد أردوغان.. الإدارة تواجه أيضاً معارضة متجددة وموحدة، تشم رائحة النصر، أو حيوان مفترس جريح، يعرج بعيداً إلى بر الأمان بدلاً من الصياد، كما كان من قبل.”
من خلال كل ما سبق، يبدو واضحاً بأن هناك علاقات وثيقة بين إدارة الرئيس التركي وانهيار الليرة، سواء لجهة الفساد أو السياسيات الاقتصادية المتخذة أو الضغوطات الكبيرة على القضاء من أجل “إخفاء” معالم الجريمة، اذا أردنا قول ذلك؛ ففي ظل استمرار هذا النهج، يبدو بأن الوضع الاقتصادي سيزداد سوء وستتفاقم معه الازمة الاقتصادية.
المراجع:
1. أنظر:
https://www.rfi.fr/en/business-and-tech/20211201-lira-crisis-gives-turkish-opposition-chance-to-challenge-erdogan
2. أنظر:
https://www.al-monitor.com/originals/2021/12/turkey-not-yet-ready-give-muslim-brotherhood
3. أنظر:
https://atalayar.com/en/%20/%20content%20erdogans-family-corruption-scandal-sinks-his-popularity-even-further
4. أنظر:
https://www.nytimes.com/2021/05/18/world/europe/turkey-erdogan-crime-corruption.html
5. أنظر:
https://zeenews.india.com/world/corruption-allegations-bring-embarrassment-to-turkish-president-erdogan-dent-his-caliphate-project-2333763.html
مصدر الصور: رويترز – العربية.
موضوع ذا صلة: هل تذهب تركيا نحو انتخابات مبكرة بسبب الانهيار الاقتصادي؟
صحفي مختص بالشأن الأمريكي والشرق الأوسط. حائز على جائزة الإعلامية “سيرينا شيم” للنزاهة عامي 2020 و2021. – سوريا