جاء استهداف مسقط رأس محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب العراقي في محافظة، الأنبار ليزيد المخاوف من تصاعد موجة العنف في البلاد، خاصة مع الاتجاه نحو تشكيل حكومة أغلبية وطنية، في حين اعتبر ئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، أن استهداف مطار بغداد يعد محاولة لتقويض سمعة العراق التي جهدت البلاد في استعادتها إقليمياً ودولياً، مضيفاً أن “العملية الإرهابية” تشكل امتداداً لسلسلة من الاستهدافات للمنشآت المدنية والعسكرية.
يمكن القول بأن استهداف مجمّع مطار بغداد – الذي يضم قاعدة “كامب فيكتوري” الأمريكية أو محيط السفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء أو مطار أربيل شمال العراق أو قواعد عسكرية أمريكية سواء قاعدة “عين الأسد” أو قواعد تركية في قضاء بعشيقة وقاعدة “عين بلد” الجوية وغيرها من الاستهدافات – قد يكون الشعب العراقي تعود عليها لتكرارها وتكرار الأهداف ذاتها، إلا أن انتقال مستوى الإرهاب ليطال أشخاص محددة بهدف اغتيالها هو أمر جد مقلق، خاصة أن قدرة هؤلاء وتنظيمم جعلهم يصلون إلى منازل الساسة العراقيين المتسهدفين، كما حدث أثناء محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي العام الماضي (2021)؛ ومع العام الجديد، تم استهداف مقر حزب “تقدم” الذي يتزعمه الحبلوسي، ومن ثم مقر إقامته في قضاء الكرمة بمحافظة الأنبار بقصد اغتياله.
بالتالي، هذا المشهد يعتبر تطوراً خطيراً يحتاج إلى التوقف عنده كثيراً؛ فإن فشلت المحاولات اليوم، من غير المعروف ماذا سيحدث غداً، إذ أن الجامع بين ذلك وذاك اختيار المنفذين أو المخططين استهداف شخصيات لها ثقلها في الشارع العراقي واغتيالها ما قد تشتعل الأحداث المشتعلة أساساً. والسؤال المهم هنا: من المستفيد؟ ومن يقف خلف تلك الأعمال الإرهابية؟
قد يرى البعض بكلامي تحاملاً على جهة ضد أخرى، إلا أن المنطق هو من يحكم كتاباتي ولا تحكمني الولاءات والتخندق الإقليمي أو الدولي أو الاصطفاف في أحزاب أو تيارات وما شابه ذلك. الجميع يذهب إلى رواية اتهام إيران على أنها الجهة التي تقف خلف دعم أولئك، ربطاً مع خسارة الإطار التنسيقي معركة الانتخابات. الحقيقة هنا، أن هذه الهجمات قديمة – جديدة وليست وليدة المتغيرات الحالية، لتكون هناك جهات محددة تقف خلفها، ولنحلل قليلاً. الآن، تخوض طهران أشرس معاركها في جنيف، وبنجاحها في مفاوضات النووي سيُكتب لها عهد جديد، وبتوافق دولي، وهذا أمر يعلمه القاصي والداني خاصة لجهة رفع العقوبات عنها والإفراج عن أصولها وأموالها، فهل من المنطق أن تضحي إيران بما ستصل إليه لأجل استهدافات لا طائل منها؟
هذا الأمر برسم جهلة التفكير، ليأخذنا الوضع إلى حقيقة واحدة، أن الجميع يبحث عن مصلحته، فإن كان العراق سيشكل ضرراً سواء لإيران أو للولايات المتحدة أو لأي معسكر آخر، سيتم الانسحاب من المشهد ككل حتى تعود الحاجة للتدخل مجدداً، وواهم من يعتقد عكس ذلك، فإن كان العراقيين لا يعلمون هذه الحقيقة فتلك مصيبة كبيرة؛ بالتالي وبصرف النظر من يقف خلف هذا التصعيد الجديد، هو جهة تعرف تماماً طبيعة العراق، فضرب رئيس البرلمان “السنّي”، سيشعل حرباً “سنية – شيعية”، وهذا هو العنوان العريض والغاية الواضحة لهذا الاستهداف. وبذلك، إن حدث وأشعل الشارع طائفياً سيتم ضرب المكونات العراقية تباعاً خاصة تلك التي تشكل عقبة في وجه أي طرف ضد آخر، وليس من مصلحة أي مذهب أو مكوّن عراقي الذهاب باتجاه احتراب أهلي، لأن البلاد أساساً على تقبع فوق “صفيح ساخن”، فهل تأجيج النيران سيحل ما يعيشه العراق؟ أبداً على العكس تماماً.
لنعد قليلاُ بالذاكرة، فقط عام واحد وتحديداً 6 يناير/كانون الأول 2021 عندما استهدفت الولايات المتحدة كل من قائد فيلق القدس، اللواء قاسم سليماني، والقائد في “الحشد الشعبي”، أبو مهدي المهندس، حيث خرجت واشنطن وجاهرت بتنفيذها العملية اعتماداً على معلومات استخباراتية دقيقة، كما وصفتها. ثم حدث وتم استهداف منزل الرئيس الكاظمي في محاولة لاغتياله، وخرج متوعداً بفضح المنخرطين في هذا الأمر. بعد انتهاء التحقيقات، لم يتم الإعلان – حتى الآن – عن من هم أو من هي الجهة التي تحاول اغتياله. كذلك الأمر ينطبق على الرئيس الحلبوسي، من العملية على مقر حزبه إلى مقر إقامته، إلى استهداف مطار أربيل والقواعد العسكرية وعشرات المناطق والأهداف. لماذا عندما يتعلق الأمر بالرواية العراقية يتم التعتيم عليها؟ ولماذا لا يخرج أحد ويقدم المتهمون للمحاسبة؟ عدم تحقيق ذلك، سيحدث شرخاً بين الحكومة والمواطن؛ وبالتالي، تُفقد الأولى الثقة. من هنا، يمكن القول بأنه إن لم يتم بناء جسور الثقة – من خلال التقرب من الشارع العراقي – لن يُبنى الوطن، خاصة وأن الحكومات المتعاقبة على العراق لم تحقق له شيئاً، مجرد وعود واصطفافات وولاءات لم تجلب إلا الويل لهذا البلد الجميل.
هل يعقل أنه وبعد ساعات على مصادقة المحكمة الاتحادية على إعادة انتخاب الحلبوسي على رأس الهيئة التشريعية، سقطت 3 صواريخ كاتيوشا قرب منزله في قضاء الكرمة بمحافظة الأنبار غرب بغداد، ما هذه الصدفة المدروسة؟ هذا لا يُفهم منه إلا اعتراضاً على مسار حكومة أغلبية وطنية. ومن هذا المنطلق وإن اشتعلت الأوضاع، سيكون المستفيد الأول والأخير هم التنظيمات “الجهادية” التي تحاول تجميع نفسها مجدداً، فالجميع سمع عن هروب العشرات من سجن غويران السوري باتجاه العراق، فربما هناك تنسيق ما بين جهة فاعلة عراقية وتلك التنظيمات الإرهابية التي تريد تدمير هذا البلد كي تستطيع التغلغل فيه أكثر وأكثر. فأين الرد الحاسم على العمليات الخطيرة التي تقف خلفها أجندات لا تريد للعراق خيراً، وهذا كلام رئيس الوزراء العراقي، لا كلامي؟
لكن في التطور اللافت، أن تصريحات عمار الحكيم، ئيس “تيار الحكمة الوطني” في العراق، جاء فيها اتهام مباشر للكويت بأنها تصعّد وتريد إحراج العراق إقليمياً ودولياً؛ وبالطبع، هذا ما وصلنا وفقاً لوسائل الإعلام، متمنياً أن يكون هذا التصريح غير صحيح، أو مجتزئ وأقبل حتى لو مقتطع. لكن لنتعامل على ما وصلنا، فالسياسة الكويتية يجب أن تتعامل مع بعض الأطراف إقليمياً، وخصوصاً دول الجوار، بما فيها العراق، بسياسة مغايرة خاصة لجهة الهبات والاحتضان والتبنّي، لبعض التوجهات السياسية، الكويت انكوت سابقاً بنيران التسعينيات بعد دعم نظام كامل، وكان رد الجميل، طعن وغدر الكويت. ومع الأسف، يبدو أن السابق شقيق اللاحق، إذ لا يزال السيناريو يتكرر، لكن بصور مختلفة، فلا بد من معاتبة السياسة الكويتية، رغم أني مع الدبلوماسية في العلاقات خاصة الخارجية منها، وهذا أمر جيد، أما قضية احتضان كامل لتيار أو حزب معين على حساب الكرامة الوطنية والمصلحة العامة، هذا أمر مرفوض.
بالتالي، إذا كان الكلام المنسوب للسيد الحكيم صحيحاً، أحب تذكيره وبشهادة عراقيين، من البرلمان العراقي، وفي مقدمتهم النائب فائق الشيخ علي، وغيره، يعرفون أن السيد الحكيم كان يحظى بدعم من قبل أكبر رأس في السلطة في دولة الكويت، وكانت الدولة تقدم الهبات والأعطيات له سنوياً بمبالغ فلكية؛ بالتالي، على المسؤولين الكويتيين تعلّم الدرس ممن احضتنوهم وأنكروا الجميل والمعروف. بالتالي، إن تصريح السيد الحكيم – إن كان صحيحاً – هو كارثة كبيرة، فهل هكذا يكون الوفاء؟!
فلو تكلم السيد الحكيم عمن استهدف مطار بغداد، وعن الميليشيات على الأرض وعن السلاح المتفلت لكان كبر في أعين الجميع، لكنه لم يتكلم، بل اختار أن “يطعن” بالدولة التي احتضنته وكان لها الفضل الكبير عليه. وهنا، لا أعمم بل أخصص لأشخاص محددين، وأكرر في حال صحت التصريحات؛ بالتالي، يجب التعامل بحذر مع هؤلاء الناس لأن الوفاء اليوم يعتبر عملة نادرة، والتاريخ علمنا منذ أيام الملك غازي ونوري السعيد وعبد الكريم قاسم الذي طمع بالكويت، ومن ثم نظام صدام حسين، مع الإشارة إلى أن ردي هنا، ليس بداعي الدخول بمهاترات، لكن من غيرتي على بلدي، من جهة، ولعلمي أن مسؤولي بلدي لم يستفيدوا من الدورس السابقة، ليس في العراق فقط، بل في لبنان وفلسطين وكل مكان آخر كان للكويت دوراً بارزاً فيه. لذا، أتمنى أن تنتهج الكويت خطوات اكثر حزم وشدة، وحذر في تعاملاتها الجديدة مع كل الأشقاء العرب، خاصة وأن الكويت تُعتبر عمق الخليج والعراق وبالعكس.
اليوم، يعد العراق دولة منهارة على كافة الأصعدة، ويحتاج إلى أشقائه الكويتي والسعودي والقطري والخليجي عموماً، فلماذا إصرار ساسة العراق على إحراج شعبهم مع أشقائهم العرب؟ فبدل أن يتم بناء أواصر محبة وعلاقات قوية، تخرج تصريخات هدامة تعود بالضرر على الشعب العراقي خاصة وأن أغلية هذا الشعب أصوله خليجية، لأن الساسة العراقيين – وبحسب تقرير أمريكي – يستطيعون بأموالهم الخاصة تمويل موازنة العراق أقله لثلاث أعوام، لذلك لا هم لهم إن تم تدمير هذه العلاقات، لكن الجدير بهم الالتفات لبناء بلدهم والحفاظ على أمنهم القومي (الأمني والغذائي والمائي)، وترتيب بيتهم الداخلي على كافة الأصعدة، أفضل من التلطي خلف المواضيع الخارجية لحرف النظر عن المصائب الداخلية. ي المقابل، صنفت الكويت بالمرتبة الخامسة عالمياً من حيث الهجرات والسبب أنها بلد آمن، ربما هذا يغيظ البعض.
من هنا، إن ما يحدث للعراق يستكمل الحقبة التي بدأت منذ العام 2003 وإلى يومنا هذا، وهي نكبات متتالية. الحلول في السماء لا على الأرض، والمستفيد الوحيد هو من يتحكم فعلاً بهذا البلد، وغير ذلك مجرد “نفخ في طواحين الهواء”. إن لم تتوفر إرادة حقيقية للنهوض بهذا البلد، فهذا يعني استمرار الفوضى، لكن إلى متى؟ إلى ما شاء الله. فمتى غاب الوطن وغلبت الولاءات، لا يمكن لهذه الأمة أن تنهض. فلينظر الجميع كيف يتم التلاعب بهم. أما آن أوان الاستيقاظ والالتفات نحو صناعة الوطن والاعتماد على الذات؟! نتمنى أن يعي المسؤولون العراقيون أهمية المرحلة، وأن يتجاوزوا كل شيء في سبيل عراق واحد خالٍ من أية تدخلات خارجية.
مصدر الصورة: العربي الجديد – واشنطن تايمز.
موضوع ذا صلة: تصاعد نشاط تنظيم الدولة: المخاطر وفرص المواجهة
كاتب ومفكر – الكويت.