تستعيد تونس عافيتها ذاتيا وبقرارات سيادية لبناء مؤسساتها بتماسك وانسجام حسب الضرورة التي املتها تجربتها السابقة حين كانت الدولة التونسية تواجه تحديات التداخل في الصلاحيات القانونية وما نتج عن ذلك من صعوبات ممارسة السلطة والمسؤولية، التي كانت من الأسباب المباشرة في فتح الباب أمام محاولات الضغط الخارجي بالمداخل الاقتصادية والتصنيفات الائتمانية السلبية المقوضة لفرص الحصول على التمويلات الضرورية من البنوك والهيئات المالية الدولية، وكل ذلك لتعقيد مهمة ترسيخ الحلول الوطنية التي تحتاج للاستقرار الاجتماعي والتعافي الاقتصادي، وهذا أكبر تحدٍ تعيشه أغلب الدول العربية، بعيداً عن كذبة الديموقراطية التي اعطت للشعوب العربية نُخباً خائبة تتباهى بالعمالة وتستقوي بالولاء لغير دولها الوطنية.
والغريب أن هذه النخب اصبحت تشكل نكبة حقيقية وهي تتفنن في التباكي والتحسر على مصالح دول اجنبية، وكأنها تمثل جاليات لها لكن ليست في الخارج بل من الداخل، ولها مخططات خطيرة مبنية على “أفكار مسمومة” عابرة للأوطان، وكأنها مشاريع تخريب موقوتة وانتقامية، لتصل الضغوط إلى مستوى اعتماد تقارير غير دبلوماسية، من بعض السفراء والقناصل الذين يروجون لتدخلاتهم بمداخل غير واقعية بغطاء أولوية احترام الدستور، وكأن الشأن الداخلي مرهون بهذه التدخلات المرفوضة على لسان الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي عبّر عن تمسك بلاده بسيادتها المسنودة بالارادة الشعبية القوية لصالح خيارات تونس الحرة والمستقلة التي لها أولوياتها الداخلية، والتي لن تقبل أبداً بالاملاءات الخارجية، ولا ترحب بتدخلات القناصل والسفراء الذين يزايدون على خيارات تونس الوطنية بقصد لتعقيد وتأزيم الاوضاع الداخلية.
إقرأ أيضاً: أحداث تونس.. مرحلة مفصلية ودقيقة
هذه المواقف التونسية الواضحة ستكون بمثابة المنطلق السيادي في الدفاع عن الدولة، ورفض أية تدخلات خارجية لانهاء تبعات التجاذبات السلبية الموجهة خارجياً في غير صالح الشعب التونسي وضد استقرار بلاده. السؤال هنا: متى تنتهي حملة تشويه الحلول الذاتية في الأوطان العربية؟
فمثلاً، كان في التصريح الأخير للرئيس التونسي دلالة واضحة عن رفض التدخل التركي بقوله “لا ننتظر فرماناً من أحد”، في اشارة واضحة لأيام الدولة العثمانية وقوانين سلاطينها، كما أكد على أن تونس ليست أيالة وفي ذلك أيضاً تعبير عن امتعاض رسمي من طريقة التعامل التركية، ومن كل المحاولات الأخرى الرامية إلى المساس بسيادة تونس وباستقرار اوضاعها السياسية، ليكون خيار تونس السيادي واضحاً بالرفض المطلق لأي تدخل خارجي فيه وفرض حلول غير وطنية ولا تستند لواقع ومتطلبات البلاد الداخلية، خاصة وأن إجراءحل البرلمان والاحتكام للارادة الانتخابية تحت رقابة هيئة مستقلة أقلق كل “تجّار” الديموقراطية الذين لهم تكوين سياسي مرتبط بالمسارات الخارجية أكثر من متطلبات الشعوب وطموحاتها في حياة كريمة ومستقرة بعيداً عن الخضوع لاوهام الامبراطوريات التوسعية.
مصدر الصورة: المركز المصري للدراسات.
عمار براهمية
كاتب وباحث – الجزائر