د. علوان أمين الدين*
مؤخراً، كثرت الأحاديث مع العديد من الأصدقاء المختصين حول مدى إمكانية وقوع حدث أمني ما، بين الولايات المتحدة – أو حلفاؤها لا سيما إسرائيل – وإيران، ليساعد الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، على البقاء في سدة الحكم بعد خسارته للإنتخابات الرئاسية أمام منافسه الديمقراطي، جو بايدن، خصوصاً مع سعيه وبكل ما أوتي من قوة للبقاء في السلطة حتى لو إضطره الأمر إلى زج بلاده في أية أزمة فقط إنقاذاً لـ “غروره وعنفوانه”. أكاد أقول إن أغلبية من تحدثت إليهم قد أجمعوا على حدوث شيء ما.
هذه المرحلة تشابهت مع مرحلة سابقة أعتقد بأن جميعنا يذكرها وهي عندما تصاعد الحديث عن نية الولايات المتحدة، خلال فترة حكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، توجيه ضربة صاروخية إلى سوريا ظاهرها معاقبة النظام في دمشق بسبب قمعها لقوى المعارضة عسكرياً، وضمنياً تنفيذ مخطط “الربيع العربي” عبر قلب موازين القوى لصالح التنظيمات المسلحة وإسقاط النظام.
حينها، أذكر أننا كنا في لقاء حواري أكد لي فيه أحد مسؤولي الأحزاب اللبنانية، التي شاركت في الحرب السورية، على حدى بأن هناك معلومات مؤكدة لديه مفادها حتمية إستهداف دمشق، إذ قال لي حرفياً: “سيضربون ولو وقعت الصواريخ في البادية.. الأمريكيون يريدون إنقاذ هيبتهم.” يومها، أكدت له إستحالة وقوع مثل هذا الأمر. غادر الجلسة غير مقتنع ومستغرباً ما قلته.
سرد هذا الحدث ليس من باب التنجيم والتبصير أو وجود قوة خارقة، بل من باب تحليل المعطيات بطريقة دقيقة وعميقة لا أكثر.
بالعودة إلى مسألة بقاء الرئيس ترامب في السلطة عن طريق إعلانه لـ “حالة الطوارئ”، فهذا أمر يستدعي بعض الشرح. يقول لي أحد الأصدقاء المتخصصين بالشأن الأمريكي أن الرئيس ترامب لا يزال محتفظاً بصلاحياته كقائد أعلى للقوات المسلحة برغم المصادقة على فوز بايدن حيث أنه يبقى رئيساً للدولة حتى 20 يناير/كانون الثاني. أيضاً، يستطيع الرئيس ترامب، وحتى لحظة خروجه من البيت الأبيض، إرسال قوات وتوجيه ضربة عسكرية دون العودة إلى الكونغرس على أن يقوم، وخلال يومين، بتقديم الأسباب التي دفعته إلى القيام بهذا العمل العسكري، كما يمكن للكونغرس أن يمنحه مدة شهرين حال أراد القيام بعمل عسكري ما.
أيضاً، يستطيع تنفيذ ضربات تحت إطار مسمى “مكافحة الإرهاب” وقانون باتريوت – Patriot، الذي سُن عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث ينص الأخير على حق الرئيس بإستخدام القوة في حالة إعلان الحرب وحالة الطوارئ على المستوى القومي مع تعرض البلاد أو قواتها لأي إعتداء، لكن المهم في الأمر أن هذا القانون لا يشمل إيران، التي لم يتم إدراجها ضمن لائحة الدول والجهات التي يستطيع الرئيس ترامب شن حرب ضدها.
على الرغم مما سبق ومن خلال المعطيات الموجودة، يمكن القول بأن هناك إستبعاد كبير لأي عمل أمني قد يقوم به الرئيس ترامب وذلك لوجود عدة مؤشرات، أبرزها على الصعيد الداخلي:
1. الأحداث الأخيرة التي شهدها مبنى الكابيتول، خلال جلسة تثبيت رئاسة بايدن، وإستقالة عدد من أهم موظفي البيت الأبيض، ناهيك عن مطالبة عدد من الوزراء بتطبيق المادة 25 من الدستور التي تقضي بعزل الرئيس لكونه أصبح “غير قادر على تحمل أعباء منصبه”.
2. ما أوردناه آنفاً لا شك بأنه أثر على هيبة البلاد ومنطقية سير الحكم فيها، فما حدث يعتبر الأول من نوعه في تاريح أمريكا الحديث، على الأقل، وهذا ما إرتد سلباً على صورة الرئيس ترامب في الداخل الأمريكي.
3. في حال بقي هذا الوضع، قد نشهد إنقساماً داخل الحزب الواحد، أي الجمهوري، وهو ما ظهر خلال الحملات الإنتخابية العام 2016 والتي أوصلت الرئيس ترامب، إذ كان له العديد من المناهضين ضمن الحزب، وهو ما قد تكرر ويتوسع هذه المرة في حال إستمراره بالنهجين الإنفرادي والإنتقامي. في هذا الخصوص، أسرَّ لي صديقي المتخصص في الشأن الأمريكي أن السيناتور ليندسي غراهام قد قال، بعد تأكيد فوز الرئيس ترامب حينها، بأن “حزبي قد أصبح مجنوناً”.
4. لن تقوم الولايات المتحدة بدفع ثمن كبير فقط بسبب “جنون” أو “شيزوفرينيا” أو “نرجسية” الرئيس، خصوصاً أن المدى الذي قد تصل إليه الأحداث لا يزال غير معروف.
5. لا يمكن التغاضي عن مسألة مهمة جداً وهي العلاقة غير المريحة، إذا ما كنا نود تلطيف العبارة، بين الرئيس و”الدولة العميقة”، خصوصاً الجهات العسكرية فيها. على سبيل المثال، عندما غرَّد الرئيس ترامب على صفحته على “تويتر” بأنه سيسحب قواته من شمال سوريا، ردت عليه وكالة الإستخبارات المركزية – CIA، وبنفس الطريقة، بعدم وجود لمثل هكذا قرار، ليتراجع الأول عن موقفه. من هنا، تدرك هذه الدولة أن إتخاذ قرارت من شأنها توريط البلاد في أية أزمة، خدمة لموقف إنتخابي أو لغاية شخصية، لا مكان له في الإستراتيجية العامة للبلاد، لا سيما وأن الكثير من المتخصصين يرون بأن الرئيس يأتي لتنفيذها مع بعض التدخلات أو التعديلات البسيطة.
في هذا الشأن ولكي نكون موضوعيين، توجد وجهة نظر صحيحة حول إمكانية إستخدام وإستغلال هذه “الدولة العميقة” نفسها لشخصية مثل ترامب، وذلك بهدف تمرير رسائل تهويلية أو القيام بعمليات أمنية من أجل تمرير بعض الأمور أو حتى تبريرها.
على الصعيد الخارجي، توجد بعض المؤشرات أيضاً، ويكمن أبرزها في عدة نواحٍ:
1. من الناحية الإقتصادية، إن القيام بأي عمل عسكري في منطقة الخليج، وعلى إيران بالتحديد، سينعكس على أسعار النفط صعوداً، وهذا أمر إيجابي، لكنه سيؤثر حتماً على عمليات توزيعه خاصة وأن العالم اليوم، وبعد إنتاج لقاح لوباء “كورونا”، يريد الذهاب نحو إعادة تشغيل العجلة الإقتصادية للتعويض عن الخسائر التي لحقت به؛ بالتالي، إن أي عمل أمني يعني إرتفاع أسعار النفط بشكل جنوني، وهذا يعني أيضاً إرتفاعاً في كلفة الإنتاج.
أيضاً، إن إرتفاع أسعار النفط سيصب في خدمة منافسي الولايات المتحدة، وأذكر هنا روسيا وفنزويلا بالتحديد، وهو ما لن ترضاه واشنطن خصوصاً بعد الضغوط السياسية، وحتى العسكرية، التي تقوم بها على الدول المنافسة أو المعارضة.
2. من الناحية السياسية، لا يمكن إغفال تهنئة كل من روسيا والصين لبايدن بالفوز بعد إنقعاد جلسة المجْمع الإنتخابي وتثبيت فوزه، قبل تصديق الكابيتول، وهو ما يعني بوضوح شديد أن كلتا الدولتين لن تتعامل مع الرئيس ترامب، فهما لم تسارعا إلى تقديم التهاني فور إعلان النتائج بل إنتظرتا إلى حين تثبيت فوز المرشح. على صعيد الأمن القومي، إن إستهداف إيران، بالنسبة للدولتين، هو كسر لـ “مفتاح” وسط آسيا حيث تعتبر طهران أحد “الحصون” التي تقف خلفه كل من موسكو وبكين من أجل حماية أنفسهما.
إلى ذلك وعلى الرغم من خدماته “الجليلة”، سارع رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى شكر الرئيس ترامب على ما قدمه لإسرائيل، وهو ما قد يشير إلى نوع من “التخلي” عنه أو على الأقل إنتهاء دوره. هنا، يجب الذكر بأن أكثر من 70% من اليهود الأمريكيين صوتوا ضد الرئيس ترامب لأسباب عديدة، أبرزها فشله في إحتواء فيروس “كورونا”. من هنا، تشير بعض المصادر إلى أن “نتنياهو يسعى لكسب ود بايدن من خلال عدم الدخول في أية مغامرة قد تعطي ذريعة لإيران لتقوم بالإنتقام لعملية إغتيال الجنرال قاسم سليماني والتي قد تطال بعض الدول العربية ولو على نطاق ضيق.”
أما فيما يخص الإتحاد الأوروبي، لا شك بأن دوله “أكثر من راضية” على خروج الرئيس ترامب من السلطة بعد ما سببه من إضطراب في العلاقات، مع فرنسا وألمانيا وغيرها، وإنقلاب على الإتفاقيات، الخروج من “إتفاق باريس للمناخ” التي وعد بايدن بالعودة إليها مجدداً، وفرض العقوبات التي منعت الكثير من شركاتها الكبرى عن العمل في الدول التي فُرضت عليها، حيث تزامن ذلك مع مرورها بظروف إقتصادية صعبة ودقيقة.
من هنا، يمكن القول بأن دول الإتحاد قد تمتنع عن التجاوب مع الرئيس ترامب في أية خطوة يريد القيام بها، نظراً لمعرفتها السبب مسبقاً، أي النزعة الشخصية لدى الرئيس “الراحل” وليس موضوعية الحدث نفسه.
3. من الناحية العسكرية، قد تكون الولايات المتحدة دولة عظمى، لكن إيران تشكل نموذجاً للدول الإقليمية القوية خصوصاً مع المقومات المهمة التي تمتلكها. من هنا، لا يمكن لأحد كان تقدير حجم الأوضاع في حال تفاقمها، أو معرفة خواتيم أي نزاع أو عمل أمني.
للتوضيح أكثر، تمتلك إيران شبكة من “الأذرع” القوية، كحزب الله أو الحشد الشعبي أو حركتي الجهاد وحماس بالإضافة إلى الحوثيين، التي تستطيع الإعتماد عليها في حال وقوع أي عمل عسكري كبير، حيث سترى طهران نفسها في موقع الدفاع عن النفس، إن لن نقل في خضم صراع وجودي؛ بالتالي، هي لن تتوانى عن تحريكها سواء من أجل تخفيف الضغط عنها أو زيادة الهجوم على الخصوم أو تحقيق نوع من توازن الردع.
في المقابل، إيران أذكى من أن تنجر إلى النطاق الذي يريد أعداؤها جرها إليه، فهي قد تنتظر الكثير من الإدارة القادمة ثمناً لـ “صبرها الإستراتيجي”. أما الحديث عن قيامها بعمل إنتقامي ما بمناسبة السنوية الأولى لعملية إغتيال اللواء سليماني، وبرأيي الشخصي، فهي مجرد تهويلات أو خطوات تصعيدية لكبح جماح الرئيس الأمريكي في حال أراد القيام بأي عمل “أرعن” قبل مغادرته للبيت الأبيض.
4. من الناحية الإستراتيجية، يمكن القول أن الظروف الدولية اليوم مختلفة بشكل كبير عن الظروف التي حكمت الأعوام ما بين 1990 و2003، أي حينما كانت الولايات المتحدة متفردة بأخذ القرارت وتوجيه السياسات العالمية وإجبار الدول على إتباعها. فلقد بات هناك نوع من التوازن الإقتصادي والعسكري، إلى حد ما وفي مناطق معينة، جعل واشنطن تقف أمام دول لها وزن ويحسب لها حساب.
من خلال كل ما سبق، يمكن القول بإستبعاد قيام الرئيس ترامب بأية “مغامرة” قبل تسليمه للسلطة، فالعالم تنفس من بعده الصعداء آملاً بقدوم إدارة جديدة تعيد التوازن في علاقات الولايات المتحدة. لكن وبلا شك، لقد ترك الرئيس ترامب “إرثاً ثقيلاً” لخلفه تكمن أبرز معالمه في نوع من “التدمير” للعلاقات الخارجية، ناهيك عن بروز الجناح اليميني الأبيض بشكل جلي، وهو الذي يحمل إيديولوجيا عنصرية وتمتلك ديناميكية التحرك في الشارع. كل ذلك، سيزيد من تراجع واشنطن خارجياً ما يعني ظهور التناقضات الداخلية أكثر فأكثر مع مرور الوقت.
*مؤسس ومدير مركز سيتا.
مصدر الصور: يويتوب – الحرة.
موضوع ذا صلة: هل توجِّه إدارة ترامب ضربة إلى إيران؟*