حوار: سمر رضوان

بعد الأحداث التي تشهدها إيران، وبدء تصاعدها بالرغم من إعلان الرئيس الإيراني حسن روحاني عن تحويل مبلغ 3 مليار دولار إلى المؤسسات المعنية والبنك المركزي من أجل دفع المستحقات وتأمين الحاجات المطلبية، بدأت التساؤلات حول مضمون هذه التظاهرات ومداها في ظل دعم إعلامي غربي شبيه، نوعاً ما بما حدث قُبيل ما عرف بـ “الربيع العربي”.

عن ما يجري من تطورات، يقول الكاتب والمحلل السياسي الإيراني محمد غروي، لمركز “سيتا“، بأن “ما يحصل في المدن الإيرانية في طبيعتها وفي أصلها، مظاهرات لها عناوين عدة، والعنوان الأبرز هو العنوان الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي. وبرأيي، هذه التظاهرات لها أحقية، والشعب الإيراني أصبح تعباً من ارتفاع الأسعار وسوء الأحوال الاجتماعية، بشكل عام. إن ما شاهدناه من تظاهرات، هو ترجمة لذلك خاصة أن في الميزانية الجديدة، التي قدمها الرئيس روحاني لمجلس الشورى الإيراني، تتضمن في بعض بنودها زيادات عدة سواء على مادة البنزين أو غيرها من السلع الأساسية، وهو ما كان وراء نزول الإيرانيين إلى الشوارع وهتافاتهم التي تمحورت حول الموضوع الاقتصادي.”

استكمالاً لما سبق، يشير الكاتب غروي إلى أن “الشعب الإيراني رأى أن ما حصل من زيادة لأسعار بعض السلع الأساسية، وخاصة أنه في المرحلة السابقة حصل ارتفاع على عدد من السلع الغذائية التي ارتفعت بنسبة 30%، إضافة الى الحديث داخل الحكومة حول الميزانية الجديدة التي ستزيد سعر البنزين بنسية تصل الى 33%، اثار الشعب الإيراني خصوصاً فيما يخص المشتقات البترولية لا سيما وان دولته هي دولة نفطية. فلماذا يجب على الشعب أن يدفع هذه التكاليف الباهظة لأسعار البترول ومشتقاته؟!”

وعن طبيعة هذه التظاهرات، يقول الكاتب غروي “بطبيعة الحال، مثل هذه التظاهرات تحصل في أي مكان في العالم، اذ من الممكن ان يدخل فيها العنصر “المندس”، لتحقيق مآرب عديدة ومنها الخارجية والعدوانية، اذ تحصل خلالها بعض المشاكل المتفرقة هنا وهناك وهذا امر طبيعي. لكن في حقيقة الأمر، أن هذه التظاهرات سليمة في الأساس، انطلقت من أرضية المطالب الشعبية المحقة التي لطالما أكد عليها سماحة السيد علي خامنئي في أكثر من خطاب، وخاصة في الخطابين الأخيرين له، اذ اشار بوضوح بأن الشعب الإيراني تعب ولديه الكثير من الملاحظات على الأداء الحكومي وعلى أداء مؤسسات الدولة، ويجب معالجة الموضوع بأسرع وقت ممكن.”

اما فيما يخص تعامل سلطات طهران مع هذه التحركات، يقول الكاتب غروي بأن “التظاهرتين الأولى والثانية تم احتواءهما والتعامل معهما بمرونة من قبل قوات النظام إلى أن تتطورت الأمور بعد ايام على انطلاقهما، حيث رأينا نزول مظاهرة مضادة، حصلت في المقابل، مؤيدة للنظام ولهيكلية الحكم، اضافة الى دعم المطالب المحقة للشعب الإيراني.”

ويستطرد الكاتب غروي بالقول “إننا أمام تظاهرتين مختلفتين، واحدة تطالب بمطالب شعبية دخل عليها العنصر العدائي، إن صح التعبير، واخرى مؤيدة للنظام. انطلاقاً من هنا، بدأت الدول المعادية لإيران، سواء كانت أمريكا أو إسرائيل أو غيرها، “تفرح” بداية لحدوث مثل هذا الامر، اذ بدأت تخطط لما هو أكثر من ذلك. هنا، لا أجزم بأنها دخلت مباشرة على الخط إنما دخلت من خلال النافذة الإعلامية، فلقد تابعنا كل القنوات الإعلامية التي بدأت بإثارة الجماهير المحتشدة وإعطائها الأوامر من هنا وهناك، سواء من أمريكا أو من الإيرانيين الموجودين فيها أو جماعة السلطة السابقة أي “جماعة الشاه”، ما يسمونهم في إيران بإسم “طالبي السلطنة”، وما إلى هنالك من أحزاب وقوى معادية لإيران مثل جماعة “خلق” الإرهابية. إن هؤلاء قد دخلوا بثقلهم إلى الساحة، سواء من خلال الإعلام أو عبر بعض التطبيقات كالتلغرام والواتساب، وبدأوا تعليم الناس كيفية الخروج إلى الشوارع وصناعة القنابل الحارقة “المولوتوف”، ومهاجمة مراكز الباسيج، والاعتداء على مرافق الدولة، غير ان السلطات دخلت على الخط وتم إغلاق بعض التطبيقات كالتلغرام وغيره.”

الى ذلك، يؤكد الكاتب غروي على نقطة مهمة جداً وهي “ان التظاهرات التي تريد تحصيل الحقوق الاجتماعية هي مرغوبة ومطلوبة، اما التظاهرات التي تخل بالأمن فهي مرفوضة من قبل الجميع سواء الحكومة او الشعب بكل مكوناته وأحزابه وشخصياته، اذ لا يمكن لدولة، أياً كانت، أن تقبل بحدوث زعزعة للأمن فيها وتسكت عليه. من هنا اقول، ان التحريض الأمريكي بدأ بالدخول على خط التظاهرات بسبب خسارة واشنطن لأكثر من نقطة في المنطقة، حيث خسرت في العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان والكثير من الدول. ومن الجدير ذكره هنا، بأن من جعل هذه المشكلة الاقتصادية تتفاقم هي الولايات المتحدة نفسها من خلال الحصار الواسع على إيران، اضافة الى العقوبات المفروضة على الشعب الإيراني وهو ما يظهر من خلال تحريضها للدول الأوروبية على عدم التعامل مع إيران.”

ويكمل الكاتب غروي بالاشارة الى موضوع حيوي يتمثل في أن “الانفراج الاقتصادي ما بعد الاتفاق النووي لم يحصل كما كنا نتوقع، فأمريكا دائما تخل بوعودها التي منحتها في مضمون الاتفاق. في المقابل، نسمع دائماً أن واشنطن تعمل على دعم الشعب الإيراني وتقول “نحن نتابعكم ونؤيدكم”. فإن كانت أمريكا صادقة فيما تقول، لماذا لا ترفع الحصار عن الشعب الإيراني؟ ولماذا منعت أمريكا دخول الإيرانيين إلى اراضيها؟! من خلال ما سبق، نعرف تماماً بأن الأمريكيين غير جادين بالتعامل مع الشعب الإيراني، انما الهدف الحقيقي يتمحور في السعي الدائم الى إسقاط النظام منذ بداية الثورة الإيرانية.”

اما الحديث عن مستقبل هذه التظاهرات ومدى امكانية استغلالها لإحداث “ربيع فارسي”، يؤكد الكاتب غروي مجدداً “أن النظام الإيراني لديه شعبية واسعة، والأكثرية بل الأغلبية الساحقة من الايرانيين هم من المؤيدين للنظام. اما هذه التظاهرات فهي دليل على وعي الشعب في إيران والتأكيد على مبدأ حرية التعبير، كما انها تعتبر مؤشراً ديمقراطياً صحيأً، طالما لم يدخل عليها العامل الخارجي. أن الوضع مطمئن، والشعب الإيراني واعٍ ويعرف تماماً آثار ما سمي بـ “الربيع العربي”، وبالتالي إن “الربيع الفارسي” لن يحدث لأن ربيعنا الفارسي حصل منذ 35 عاماً، حيث أسقطنا النظام البائد في إيران، وبالتالي سنشهد احتواء لهذه التظاهرات.”

مصدر الصور: العربي الجديد – يورو نيوز – موقع مصراوي