أولاً: التهديد او استخدام السلاح النووي
في 8 يونيو/حزيران العام 1996، صدر عن محكمة العدل الدولية فتوى قانونية بـ 8 اصوات ضد 7 أصوات لان المحكمة تتألف من 15 قاضيا يمثلون العالم بشقه السياسي والقانوني والمكاني، بخصوص مشروعية التهديد واستخدام السلاح النووي، واعتبرت الفتوى أن لا شيء قانوني أو اتفاقية تحظر هذه المشروعية، خاصة إذا كانت الدولة تشعر بحاجة قصوى للدفاع عن النفس. مع العلم أن ميثاق الأمم المتحدة المادة 2/4 تمنع التهديد أو استعمال القوة بالعلاقات الدولية، كما أن كل الاتفاقيات الانسانية الدولية تحظر استعمال الاسلحة التي لا تميز بين العسكريين والمدنيين، وهناك مبدأ “التناسب في استعمال القوة” وغيرها من المواد القانونية التي تحمي الانسان والبيئة من الاضرار خلال العمليات العسكرية، علماً أن التهديد باستعمال السلاح النووي صدر عن أكثر من مسؤول دولي من الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، العام 2008 ، إلى الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، العام 2022، إلى الولايات المتحدة أيام الرئيس الأسبق، جورج بوش الإبن.
ثانياً: مبدأ المسؤولية في الحماية
بعد العام 1999 والتدخل العسكري للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي – الناتو في يوغسلافيا السابقة، وبعيداً عن المشروعية الدولية وقرار مجلس الأمن الذي يحصر الحق فيه لجهة استعمال القوة وإعادة الأمن والسلام إلى نصابه، صدر عن الأمين العام الراحل للأمم المتحدة كوفي أنان، العام 1999، بأن التدخل الأمريكي في منع الجرائم الانسانية والابادة في يوغسلافيا السابقة، هو وفقاً للقانون الدولي العام، ولو لم يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي.
بعد ذلك، وفي ضوء رفض كل من فرنسا والمانيا وروسيا والعديد من الدول لتخطي مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين، تداعت الدول الى قمة عالمية عقدت في نيويورك وبرعاية الأمم المتحدة، العام 2005، والتي وافقت فيها الدول المشاركة في القمة العالمية على أن مسؤولية الأمن والسلام في العالم هي من اختصاص الأمم المتحدة، وعلى الدول أن تمنع قيام الجرائم الدولية على أرضها، والمسؤولية الأولى للدولة في منع الجرائم الدولية على أراضيها من إبادة جماعية أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية؛ واذا حصل ذلك، على الدولة المعنية أن تحاكم الأشخاص المتهمين بتلك الجرائم، واذا رفضت ذلك أو لم يكن في قدرتها فعل ذلك، فإن المجتمع الدولي يصبح مخولاً بعمل ذلك بالوسائل الاقتصادية والمالية، وبغيرها من الوسائل، مما يعني استعمال القوة العسكرية.
إقرأ أيضاً: الأمم المتحدة ودورها في قضايا حقوق الإنسان
ويعتبر هذا القرار الدولي الصادر عن القمة العالمية، العام 2005، تهديد صريح لسيادة الدول وحرمتها التي صاغته اتفاقية وستفاليا، كما أنه يعطي الحق للدول بالتدخل الانساني او العسكري تحت حجة المسؤولية في حماية شعب معين. وقد استخدم الرئيس بوتين هذا الشعار الآن عندما دخل الى شرق أوكرانيا تحت حجة مسؤولية موسكو عن حماية الشعب الروسي من الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها. كما إستخدم مبدأ المسؤولية في الحماية – أيضاً – في عدد من الدول من قبل، كفرنسا في افريقيا الوسطى، والولايات المتحدة في ليبيا لحماية الأمريكيين ورعايا دول أخرى غربية، مع أن الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة، والفصل الثامن الخاص بالمنظمات الاقليمية، يعطي الحق للمنظمة الدولية وللمنظمات الإقليمية – وتحت رعاية مجلس الأمن – في حفظ السلم والأمن الدوليين.
ثالثاً: مبدأ العقوبات الدولية
أشار عهد عصبة الأمم وميثاق الأمم المتحدة إلى أن العقوبات الدولية هي اداة ووسيلة تستخدم ضد الدولة أو الدول التي تقوم بانتهاك القانون الدولي، من خلال العدوان أو ارتكاب الجرائم، والهدف هو إعادة الدولة إلى قواعد ومبادئ القانون الدولي، ومنع السلوك الذي يتنافى مع الشرعية الدولية. ولكن نرى أنه في مرات كثيرة، لم تراعى تلك المبادئ. على سبيل المثال، أيام عصبة الأمم سامحت كل من فرنسا وبريطانيا إيطاليا على احتلال للحبشة خلال فترة حكم بينيتو موسوليني، وقالت بأن استمالته هي أهم من العقوبات، ولكي يكسبوا وده ضد مستشار ألمانيا النازية، أدولف هتلر.
كما أن هناك دروس مؤلمة من العقوبات التي حصلت ضد كل من العراقيين والإيرانيين، عندما أصبحت العقوبات تهدد الشعبين وليس النظام السياسي للدولة، الذي علم كيف يتهرب من العقوبات، بينما الشعب مات من الجوع ونقص الادوية.
رابعاً: القرار 1373 والحرب على الارهاب
القرار 1373 لعام 2001 ضرب كل مبادئ القانون الدولي العام وميثاق الأمم المتحدة، لناحية تجاهله المبادئ التالية:
1. ضرب الفصل السابع من الميثاق من حيث صلاحية مجلس الأمن في الانعقاد واقرار ما اذا كان هناك تعريض للسلم والأمن الدوليين للخطر، وما هي الاجراءات التي ستتخذ وفقاً للمواد من 39 إلى المادة 51.
2. ضرب بعرض الحائط سيادة الدول وحرمتها، من خلال اعطاء الحق للدول باحتلال دول أخرى أو اقتراف أي عمل من أعمال العدوان أو الضربات الاستباقية ضد الدول، في حال شكت دولة ما، بأن إحدى الدول أو المنظمات ستهاجمها أو هناك شبهات بأعمال تحضر خلف الحدود ضدها، مما حلل للدول انفرادياً القيام بأعمال عسكرية بعيداً عن المشروعية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي.
إقرأ أيضاً: الحرب البكتريولوجية.. بين التقارير الأممية والمخابرات العالمية
إن هذا القرار والقرار الصادر قبله الرقم 1386، قد اعطيا الحق للجنة مكافحة الإرهاب وتحت شعار “الحرب على الإرهاب” من التعدي على سيادات الدول وعلى خصوصياتها وعلى حرمة اراضيها، واصبحت الدولة بجميع مؤسساتها، التنفيذية والتشريعية والقضائية والمالية، مكشوفة أمام لجنة مكافحة الارهاب بطريقة تناقض مبدأ عدم التدخل للمنظمة الدولية بالشؤون الداخلية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. أما في حال عدم تجاوب دولة من الدول مع اللجنة المذكورة أعلاه، فمن الممكن أن يؤدي إلى مخالفة المادة 25 من الميثاق، الذي يطالب الدول بالموافقة وقبول القرارات الصادرة عن مجلس الأمن بما يتوافق مع الميثاق؛ ومع أن هذا القرار قد صدر عن مجلس الأمن وقانوني، لكنه – في حقيقته – يخالف معظم مبادئ القانون الدولي العام. ولكي نفهم أكثر كنه هذا القرار، فقد أعتمدت الولايات المتحدة عندما تدخلت في كل من افغانستان، العام 2001، والعرق، العام 2003، دون إذن من مجلس الأمن، وخارج إطار المشروعية الدولية، حيث تحججت بأنها تعمل وفقاً لنص القرار 1373 الذي يخولها الحق بالحرب على الإرهاب.
مصدر الصور: الأمم المتحدة – راديو سوا.
البروفسور كمال حماد
باحث وأكاديمي وأستاذ محاضر في العديد من الجامعات اللبنانية والعربية والأوروبية – لبنان.