أصبحت إسرائيل عبئاً على المنطقة وبالغ الغرب في ايذاء المنطقة وشعوبها، وذلك لاتاحة الفرصة امام أمامها لإرغام الحكّام العرب على سلوكيات تضر بأوطانهم، ولكن تحفظ سلطتهم. وفيما يلي الأسباب التى تدعونا إلى تفكيك إسرائيل، وأبرزها:

أولأً، هي تجسيد للمؤامرة الغربية – الدولية ضد المنطقة، وقد ثبت ذلك خلال متابعة المشروع الصهيوني والاجراءات اليهودية المتعاقبة منذ نهاية القرن الـ 19.

ثانياً، أن المشروع الصهيونب خدع اليهود بتصويره فلسطين على أنها كانت لهم، ثم صوّرها على أنها “الحلم الأكبر” و”الجنة الموعودة” لكل يهود العالم، وهم أولى من الفلسطينيين بالاستيلاء على فلسطين.

ثالثاً، أن الوعود التي قدم بها الغرب إسرائيل ثبت أنها أكاذيب، فقد صدّق العرب أن اليهود مضطهدون فسمحوا لهم – لإعتبارات إنسانية – بالعيش معهم؛ وبالفعل، ظهر لليهود – مع مضي الوقت – أن التعايش مع الفلسطينيين مستحيل. وبدلاً من اخراج الشعوب التي كانت فيها لهم، هم يريدون أن يثبتوا في فلسطين ويطردون أهلها.

رابعاً، الخديعة في أن إسرائيل امتداد للحضارة الغربية، وأنها زُرعت لكي تنهض بالمنطقة العربية، وأن العرب يجب أن يتحمّلوا جريمة قتل الألمان لليهود بسبب زعمهم أن الفلسطينيين هم سبب تشريد اليهود لكل البلاد والاستيلاء على أرضهم؛ ولذلك، لم يلاحظ العرب أن إسرائيل في وادي والعالم كله في وادٍ آخر. فقد أعتبرت إسرائيل رحيل بريطانيا عن فلسطين هو يوم استقلالها وكأن الانجليز كانوا يحتلون الأرض اليهودية، وهم في الواقع يحتفلون بإرهاب الفلسطينيين حتى يغادروا أرضهم. لم يلحظ العرب أيضاً خرافة “قرار التقسيم”، كما أن الأمم المتحدة تواطأت مع اليهود ضد العرب خلال مسيرة المشروع الصهيوني وحتى الآن؛ وعلى سبيل المثال، أنه في العام الذي أعلنت إسرائيل فيه قيامها، 14 مايو/أيار 1948، قررت الأمم المتحدة، ديسمبر/كانون الأول 1948، أمرين؛ الأمر الأول، صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكأن الفلسطينيين ليسوا مخاطبين بهذا الإعلان. الأمر الثاني، وفي نفس الشهر أصدرت الجمعية العامة للامم المتحدة القرار رقم 194، وصدّق العرب أن اليهود يريدون تقسيم فلسطين والتعايش مع الفلسطينيين، كما لم يلحظ العرب أن العصابات الصهيونية هي التي أرهبت الفلسطينيين وأجبرتهم على اللجوء خارج أراضيهم. فإذا بالأمم المتحدة تقرر أمرين؛ الأمر الأول، أن العرب لهم حق في العودة بشكل غامض وأغلب الظن أن الفقرة 11 من القرار تشير إلى حق العودة إلى أراضيهم وإلى بيوتهم وليس إلى أوطانهم، والذي سُلب هو الوطن وليس مجرد الممتلكات الشخصية بدليل أنه تردد في ذلك الوقت أن الفلسطينين لهم الحق بالتعويض، وهو ما نصّت عليه الفقرة نفسها، والتعويض عادة يكون عن أشياء مادية وليس بالضرورة عقوبة، وإنما هو المقابل العادل لاسترداد الأرض وليس سرقتها في إطار سرقة الوطن. أيضاً، التعويض لا يكون عن الوطن وإنما عن الممتلكات، وهذا هو التفسير الصحيح للقرار بخلاف التفسير العربي المشحون بالرغبات والأوهام، فقد شاع في الأدبيات العربية أن هذا القرار هو السند القانوني لحق العودة أو التعويض، ولم يلحظ العرب أن الأمم المتحدة متواطئه مع اليهود.

إقرأ أيضاً: التقابل بين مشروع “هرتزل الصهيوني” و”هرتزل العربي”

الأمر الثاني، تآمرت الأمم المتحدة على العرب، وباعت لهم فكرة أن اللاجئين الفلسطينيين لا يستحقون العودة وإنما يستحقون الاغاثة؛ ولذلك، أنشأت المنظمة الدولية، العام 1949، وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغليهم في الشرق الأدنى. وعندما أبرمت اتفاقية اللاجئين العام 1951، رفضت الأمم المتحدة أن يستفيد منها الفلسطينييون بزعم أنه لجوؤهم مؤقت وأنهم سيعودون حتماً إلى بيوتهم؛ فإذا كانت معاملة الأمم المتحدة للجوء على أنه مؤقت وكانت تعلم بالواقع على أنه مقدمة لتفريغ فلسطين من أهلها، فلماذا أنشئت الوكالة بتمويل طوعي؟

كانت النتيجة أن الوكالة نفسها أصبحت المصدر الرئيسي لحياة اللاجئين الفلسطينيين بعد أن تخلى عنهم العالم العربي وأصبحت الوكالة أداة لضرب حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي على أساس أنها تفهم أنه استرداد وليس احتلال، مما اتاح للولايات المتحدة أن تستخدم الوكالة كأداة لاذلال الفلسطينيين وتعطيل حقهم في المقاومة، وصارت “رشوة” للفلسطينيين مقابل تنازلهم عن وطنهم ما دامت واشنطن هي التي تقدم الجزء الأكبر من التمويل للوكالة، بينما هي “تبتز” العرب وتحصل على أموالهم بالمليارات ما داموا يضنون على أخوتهم الفلسطينيين بالملايين طوعاً.

خامساً، إستخدمت إسرائيل “قرار التقسيم” لكي تنهض وتتجسد على الأرض، وأنكرت تماماً أن قرار القرار هو شهادة ميلادها، ثم استغلت رفض العرب لمشروع القرار وضغطت عليهم بحجة أنهم لا يريدون السلام مع “اللص” السارق لأرضهم، تماماً كما أصدرت الحكومة المصرية قوانين التصالح بين اللص القديم واللص الجديد. فلما أعترف العرب بـ “قرار التقسيم” حتى يفوتوا الفرصة على إسرائيل؟ لقد دل ذلك على ان إسرائيل تخطط لنهب فلسطين على مراحل، وصدّق العرب أن اليهود يريدون مأوى لهم، وأنهم لكرمهم أعطوا هذا المأوى بغير أرضهم، وهي فلسطين.

سادساً، تسبب إسرائيل في جميع المصائب التي مرت بها المنطقة، فقمعت ثورات الشعوب العربية وتواطأت مع حكّامهم لتدخل واشنطن – الحامي الأكبر والراعى الرسمى لهذا الكيان – وفكانت أبرز الأضرار التي ألحقتها إسرائيل بالمنطقة العربية هي مساعدة الحكّام في نهب الثروات وافقار الشعوب ومساعدة الحكّام في قهر الشعوب ومساندة الدكتاتورية العربية، وأصبحت الأوطان العربية “محتلة” بالحكم الوطني الذي ينفذ تعليمات المحتل الأجنبي مقابل البقاء في السلطة، والتستّر على فساده وعلى سرقاته التي أودعها في البنوك الغربية. ترتب على ذلك أن إسرائيل تمكّنت من تغيير الخريطة السياسية للمنطقة اعتماداً على هؤلاء الحكّام، ولم تهمها نقمة الشعوب ما دامت شعوباً فقيرة ومريضة وجاهلة ومغيبة، وهذا كله من تخطيط إسرائيل وتنفيذ الحكام العرب.

كانت النتيجة أن تفتتت الأوطان العربية، وبعض الدول وضعت لها خطط التفتيت وتنتظر التنفيذ، مثل مصر والسعودية وليبيا. فضياع الأوطان العربية، كسب كبير لإسرائيل خاصة أنها ظفرت بالحكّام العرب. وقد يقول قائل إن الدعوة إلى تفتيت إسرائيل لا يؤيدها الحكّام العرب لأن بقاءهم في مناصبهم بنفس الخطايا تضمنه كل من إسرائيل وواشنطن، فإذا تفككت الأولى انطلقت الشعوب العربية للتقدّم والازدهار، وهذا ما لا يريده الغرب؛ وإن كان يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا “نفاق” سياسي ظاهر.

الخلاصة، إن مصالح الأوطان العربية تقتضي زوال إسرائيل لأنها لا تقوم على أساس “قرار التقسيم”؛ وحتى لو كانت كذلك، فإنها لم تعوّض هذا العوار بسلوكيات تقنع شعوب المنطقة. فمفصل المعركة الآن بين فريقين؛ الفريق الأول، الشعوب العربية الحريصة على أوطانها. أما الفرسق الثاني فهو إسرائيل ومن شايعها من الحكّام العرب، وسوف تنتهى المعركة بثورة عارمة في المنطقة العربية، خاصة وأن الثورات السابقة لم يتم توقعها وإنما اندلعت فجأة ودون توقّع ورغماً عن إسرائيل والغرب والحكّام، لكن التحالف “الأثيم” بينهم هو الذي أدى إلى احباطها.

أيضاً، قد تكون الدعوة إلى تفكيك إسرائيل متناقضة مع الواقع المرير الذي يقول أن المستقبل للدكتاتورية العربية وإسرائيل، تماماً كما كانت الفكرة الصهيونية خيالية لا يؤيدها الواقع، في ذلك الوقت. فلعل دعوتي لزوال إسرائيل ومعها من تعلق بها من الحكام العرب تجد فرصاً وأجيالاً في المستقبل تعثر على وجهتها وأهميتها، والبديل هو أن يعود الحكام العرب إلى أحضان شعوبهم لأنهم جزء منها. أما إسرائيل، فهي العنصر الغريب تماماً على المنطقة، وهي “الشيطان الأكبر” الذي يغوي الحكام والمستفيدين منهم، ولعل الله يرد الحكّام سالمين. ومع ذلك، لو يتنبه اليهود إلى المؤامرة الصهيونية وتحالفوا مع الفلسطينيين، يمكن تفكيك إسرائيل بسهولة لأن من رغب منهم البقاء في فلسطين يتمتع بالحماية والجنسية الفلسطينية بعد زوال “السرطان” الصهيوني.

مصدر الصور: روسيا اليوم – ميدل إيست أونلاين.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق – مصر