ربى يوسف شاهين*
ملفات شائكة اوجدتها السياسة الخاطئة للغرب في منطقة الشرق الأوسط، وتعاظمت التحديات السياسية بين الدول المتناحرة، والتي تتفاوت بين دول تعتبر الرأس المدبر وعلى رأسهم الولايات المتحدة وإسرائيل، ودول تابعة تمول تلك المخططات الأمريكية والإسرائيلية، وحالمة بتغيير دورها الإقليمي والعربي لتحقيق مآرب توسعية لصالح كلتا الدولتين المستفيدتين من التوتر الحاصل في منطقة الشرق الأوسط.
إن “الهيجان” السياسي والعسكري الذي أصاب بعض الدول العربية والغربية، والذي برز على شكل تحالفات وقمم ومؤتمرات، كان نتيجة حتمية لحرب كارثية على سوريا واليمن، وكانت سبقتهم إليه العراق. فالحرب الإرهابية على سوريا فضحت نوايا الدول المعتدية، وبرزت نتيجة لذلك دول على المحور المخالف، مثل روسيا وإيران، كقوة ردع حقيقية وقوية، شكلت اختلال في موازين القوى. وعليه، كان حرياً بأمريكا وحلفاؤها منع استمرار هذا الفشل في منطقة الشرق الأوسط، والذي تعتبر إسرائيل فيه هي النقطة الأهم؛ إلا أن قوة التحالف الثلاثي السوري – الروسي – الإيراني شكل صدمة لهم، فكان لا بد من تضييق الخناق، منذ اللحظات الأولى، من أجل قطع خيوط اللعبة وبروز محور الممانعة، وخصوصاً إيران كقوة إقليمية تعتبر الداعم الأكبر لحزب الله والمقاومة في فلسطين.
بدت ردات الفعل الأمريكية، والدول الممتعضة من الإنتصار السوري، عبر قرار واشنطن الإنسحاب من الإتفاق النووي الإيراني، في مايو/أيار 2018، والذي تبعه سياسة الخنق الإقتصادي للنفط والصادرات الإيرانية، وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. وعلى ضوء هذه التجاذبات السياسية وتطورات المشهد على الأصعدة كافة، خاصة مع عدم إمكانية القدرة على جر إيران إلى الخضوع السياسي لشروط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومع أحداث ميناء الفجيرة وإصابة ناقلتين سعوديتين قبالة الميناء، وما تبعه من عملية الحوثيين التي استهدفت خطوط النفط الخاصة بشركة آرامكو السعودية عبر طائرة مسيّرة، شكل ذلك كله، بالإضافة إلى انتصارات الجيش السوري وحلفائه، صدمة لقدرة إيران وسوريا واليمن على استكمال المواجهة، بل والظهور بمظهر المتماسك رغم كم التحالفات المتآمرة، وسنوات الحرب.
لقد أخذت قرارات واشنطن السياسية تجاه إيران شكلية التحدي بداية، لتنتقل مع تطور المعطيات العسكرية على أرض سوريا واليمن إلى مستوى التهدئة، والتي هي ذبذبات التصدع في السياسة الأمريكية، لينتقل المشهد السياسي إلى منطقة الخليج عبر عقد قمتين طارئتين، عربية وخليجية، قبيل القمة الإسلامية الرئيسية للدول المعنية، 30 مايو/أيار 2019، في محاولة من السعودية لإيجاد نوع من الإجماع العربي على التوحد للوقوف بوجه الخطر الإيراني، الذي تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي الإسرائيلي، والأهم الخطر الذي يمنع استكمال بنود “صفقة القرن”.
فمسألة تعاظم قوة محور المقاومة المتمثل بإيران، والتي تدعم المقاومة في فلسطين واليمن وما نتج عنه من تحديات على الساحتين العسكرية والسياسية خصوصاً تجاه إسرائيل من قبل المقاومة الفلسطينية والتي أدت إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة انتجت هزيمة للعدو الإسرائيلي أو للجماعات الإرهابية لمجموعة التحالف في سوريا وما تكبدته من هزائم كبيرة أو للمقاومة في اليمن، تمكن من تحقيق انتصارات كبيرة رغم القوة العسكرية التي تجابهها.
لقد استطاعت إيران، بالرغم من حجم الضغوطات عليها السياسية أم الإقتصادية، من ترجيح كفة الميزان لصالحها؛ فالدول الأوروبية، رغم إصرار الرئيس ترامب على مطالبتها بكف التعامل الإقتصادي معها وبكافة أشكال التعاملات، رفضت إيقاف التعاون مع طهران. ومع انهاء الإعفاءات للدول الثمان في تعاملاتها التجارية (والتي تتمثل بالصين والهند واليابان وتركيا وإيطاليا واليونان وكوريا الجنوبية وتايوان)، جاء الرد الإيراني بتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة، ومنها التهديد بإغلاق مضيق هرمز الذي يشكل المنفذ الأهم بين الدول الأوربية ومنطقة الشرق الأوسط.
ما تحاول أمريكا فعله هو جر إيران إليها عبر الخضوع المشروط، فيما هي تدرك تماماً أن موازيين القوى لم تعد كما كان في السابق. فإيران تعد، بموقعها الإقليمي ومقدرتها العسكرية، دولة مستقلة وليست تابعة، ولا يمكن اتباع سياسة الجر معها، فهي الأقوى في منطقتها. لقد أثبتت أنها قادرة على الصمود وتحمل تبعات الحرب الإقتصادية عليها، ولديها خبرة كبيرة في ذلك منذ اندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979، وما رد قائد الثورة الإسلامية في إيران، السيد علي الخامنئي، “لا حرب ولا تفاوض” إلا دليل ساطع على سيادتها وقوتها الكاملة المتكاملة.
*كاتبة وإعلامية سورية
مصدر الصورة: arabic.khamenei.ir.