في وقت متاخر من مساء الأربعاء، حطت الطائرة التي تُقل السيد عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة الوطني العراقي، يرافقه وفد رفيع المستوى من قيادات التيار في مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة، ليلتقي في أول أيام زيارته ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في لقاء استمر 3 ساعات، تحدّث فيه الزعيمين بكل صراحة وبعيداً عن المجاملات، وفي أجواء أخويه عكست الرغبه المشتركة في توثيق العلاقه بين البلدين.

جاءت الزيارة إلى السعودية ضمن سلسلة من الزيارات يقوم بها السيد الحكيم إلى الدول العربية، بعضها كان في شهر رمضان المبارك، لإجراء المباحثات وذلك على خلاف ما أثير في الإعلام، فهي لم تتركز على الحالة السياسية المتعثرة في العراق، وإنما كان ذلك الملف واحداً من ضمن عدد من الملفات المعقدة التي طُرحت على طاولة الحوار، حيث تحدث السيد الحكيم عن رؤيته للأزمة العراقية مبدياً تحفظه الواضح على أية تدخلات خارجية، ومشدداً على أن الحل لا بد أن يكون عراقياً عبر الحوار والاحتكام إلى الدستور.

للسيد الحكيم رؤية واضحة في ملف شائك يتفادى أهل الفكر بل وحتى أهل القرار الخوض فيه، وهو ملف الشيعه العرب. هذا الموضوع المعقد المليئ بالمطبات والمعرقلات والشكوك والإتهامات، أصبح واجب التفكيك لا سيما وأن المنطقه تكاد تكون مقبلة على تهدئة تاريخية تتمثل في عودة العلاقات الخليجية مع إيران، وكذلك عودة لإحياء الإتفاق النووي، وتصفير ملفات الأزمات التي اشتعلت في عدة دول عربية أبان “الربيع العربي”، لا أعاده الله علينا.

تتمثل وجهة نظر السيد الحكيم في أن هذا الملف – باختصار – بضرورة عدم التمييز بين المواطنين على الأساس المذهبي ومنح الحريات وعدم التضييق عليها، مع أهمية تمسّك المواطنين – على اختلاف مذاهبهم – بأوطانهم والإندماج في مجتمعاتهم، وذلك لن يتحقق إلا بشعور هؤلاء بالمساواة مع أقرانهم من المشارب الفكرية والمذهبية الأخرى.

إن التشيّع ليس غريباً عن المنطقة، فهو عربي المنشأ والقيادة؛ فالأئمة عرب هاشميون، والنشأة لم تخرج من إطار الحجاز والعراق، والأصل في ذلك يعود لنبي الإسلام العربي الهاشمي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا لا يتنافى مع مبادئ الإسلام في ميزان التقوى، الذي لم يفرّق بين عربي وأعجمي.

ومن ملف الشيعة العرب إلى إلقاء الضوء على دور العراق المحوري في الوساطة بين الرياض وطهران، وأهمية إنهاء حالة التوتر بين ضفتي الخليج، وانعكاسات ذلك الإيجابية على العراق خاصة، والمنطقة بصورة عامة، وبلا شك ستنعكس تلك التفاهمات بالإيجاب أيضاً على ملف اليمن المأساوي الذي بات حله واجباً على كافة أطراف الأزمة لانهاء المعاناة الإنسانيه القاسية لشعب اليمن الشقيق.

أما التنمية التي يسهر عليها ولي العهد السعودي، فقد كانت حاضرة بالاشادة، لا سيما أن مستقبل النفط بات مجهولاً ما يشير إلى ضرورة الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة؛ ومن هنا، كانت الأفكار المتبادلة لكيفية النهوض بواقع الصناعة والتنمية، والبحث عن المشتركات وبناء حالة من التكامل بين البلدين للانسحاب التدريجي من الإعتماد على الصادرات النفطية، كمصدر أساس للموازنة في الدولتين.

أيضاً، كان المناخ – وتغيراته القاسية – حاضراً في اللقاء، فالعراق يعاني من تغيرات مناخية خطيرة للغاية وصلت إلى حد التحذير من أن عدم اتخاذ اجراءات فنيه عاجلة قد تجعل منه دولة غير صالحة للحياه بعد حوالي عقدين، وهو الأمر الذي لفت انتباه السيد الحكيم وبدأ بطرحه كملف أساسي في مختلف لقاءاته مع من يرى فيهم الإمكانية والقدرة على المساعده لإيجاد حلول لهذه الأزمة المتفاقمة؛ وكون لدى ولي العهد برنامج يتعلق بـ “الشرق الأوسط الأخضر”، فقد طرح سماحة السيد الحكيم هذا الملف في جلسة المباحثات داعياً ولي العهد ليكون له دور في هذا الأمر، لا سيما وأن المنطقة تستعد لاستضافة قمة المناخ في شرم الشيخ، نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (2022).

إقرأ أيضاً: رحلة وطن.. قصة حياتي

وبالعودة إلى عنوان المقال، فقد لفت نظري الهدايا التي قدمها لنا الجانب السعودي، والتي تمثلت في عبوة من عسل السدر من منطقة الباحة، وزيت الزيتون من الجوف وماء الورد من الطائف والقهوة من جازان واخيراً التمر من الإحساء، مع كتاب يشرح طبيعة منطقة العلا التاريخية، وبخور العود المخلوط كذلك بالورد الطائفي(نسبة لمدينة الطائف).

كل هذه المنتجات لفتت نظري لرسالتين؛ الرسالة الأولى، أن المملكة تتجه لأن تكون مُنتجاً لمختلف الصناعات الغذائية، في مؤشر واضح على طبيعة الرؤية المستقبلية لولي العهد بشأن مستقبل الإقتصاد في المملكة، الذي لا بد أن يتحرر من قيود النفط غير المأمونة الجانب. وفي ذلك أيضاً تطبيق عملي لمقولة “لا خير في أمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع”.

أما الرسالة الثانية، إن تنوّع الهدايا من مختلف مناطق المملكة يدلل على أن ولي العهد يتعامل مع مواطنيه من مختلف المناطق على أساس واحد ودونما تمييز، لا سيما عندما يتعلّق الأمر بما يميّز المملكة من منتجات وصناعات تتماشى ورؤية الأمير للمملكة 2030.

غادر الحكيم عمار السعودية وقد وضع أمام أنظار القيادة السعودية الملفات الشائكة وحلولها، ولم يبقَ إلا أن تبدأ الخطوات العملية لتفعيل هذه الحلول تدريجياً وذلك لانهاء التعقيدات التي تعصف بالمنطقة، والإنتقال لمرحلة التنمية التي سيكون لها بالغ الأثر الإيجابي على شعوب المنطقة كلل.

ختاماً، من يظن أن السيد الحكيم ذهب باحثاً عن حلول لأزمة العراق واهم، فهو يبحث عن حلول لما هو أبعد من ذلك لا سيما وأن العراق جزء لا يتجزأ من منطقة تمتد من المحيط الأطلسي، غرباً، إلى الخليج العربي، شرقاً، وهي مترابطة الحدود والتاريخ وبالتالي المصير، إذ لا إستقرار للعراق دون استقرار باقي المنطقة والعكس صحيح.

مصدر الصورة: سي.إن.إن عربية.

د. محمد أبو كلل

مسؤول الشؤون العربية في تيار الحكمة – العراق