يروّج المشروع الصهيوني للعرب واليهود مجموعة من الأكاذيب حتى يلتبس الحق بالباطل، وتستطيع إسرائيل أن تؤثر على هذه العقول. فالمؤكد أن اليهود الذين جلبوا إلى إسرائيل تمت ممارسة أقصى درجات “الإغواء” السياسي و”الأحلام الوردية” التي ساقتها الدعاية الصهيونية، ويستوي في ذلك البسطاء من الناس أو العلماء.

وقد رأينا فى مذكرات العالم ألبرت أينشتاين أنه كان من أهم المروجين للمشروع الصهيوني، ثم أن كبار قادة هذا المشروع كانوا من العلماء في الكيمياء والعلوم الطبيعية. كما أن الجيل الثاني – الذي استقر في اسرئيل – كان أفراده رؤساء للعصابات الصهيونية الثمانية ومعهم جهاز الدعاية الصهيوني، الذي نشر الأكاذيب والتدليس على أساس أن اليهودي يردد الأكاذيب بينه وبين نفسه ثم يؤمن بها فينطلق بثقة ليخدع غيره.

نحن لا نستطيع – في هذه المقالة القصيرة – أن نحصر جوانب الخداع التي ترددت في الإعلام الصهيوني، لكننا نحاول أن نعالج الموضوع بشكل أولي لعل غيرنا يتولى تعميقه ونشره إنقاذاً للعقول اليهودية والعربية معاً، وتمهيداً لتشكيل تحالف عربي – يهودي ضد المشروع الصهيوني، الذي أشرنا إليه فى مقالة سابقة.

أولاً، أن إسرائيل قامت على أساس “قرار التقسيم”، وهي نفسها تنفي ذلك. والحق أنها قامت على الخداع الدولي لكل من العرب واليهود، وعلى القوة الباطشة والإرهاب.

ثانياً، إن إسرائيل مشروع حضاري وهو امتداد للرسالة الحضارية للاستعمار الغربى. والحقيقة أنها “وكيل حصري” لوجه الاستعمار الغربي البربري، وقد رحل هذا الاستعمار العسكرى وبقيت إسرائيل تكمل مهمة العبث بمقدرات فلسطين والعرب، وليس صحيحاً أن اليهود كانوا مضطهدين وأنهم وجدوا ضالتهم في فلسطين؛ لذلك، بطلت محاولات الصهاينة في اختراع علاقة تاريخية وتوراتية لليهود بفلسطين.

ثالثاً، إن اسرائيل تريد السلام. هذه حقيقة ولكن “السلام الإسرائيلي” فقط وليس السلام الذي يعطي كل ذي حق حقه. والغالب أنها تريد السلام والازدهار لليهود، بينما تريد “سلام المقابر” للفلسطينيين والعرب.

إقرأ أيضا: حيثيات الإتجاه لتفكيك إسرائيل

رابعاً، إن المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل والمقاومة العربية عموماً تعتبر “إرهاباً”. فهذه المقاومة تصد المغتصب الاسرائيلي الذي يقوم بأعمال الإبادة ضد الفلسطينيين؛ لذلك، إنكشف الغرب انكشافاً ملحوظاً عندما اخترع المقاومة الأوروبية ضد ألمانيا النازية وأيّد المقاومة الأوكرانية الحالية ضد روسيا، بينما يعتبر مقاومة الشعب الفلسطيني “إرهاباً”، وكل ما يعيق المشروع الصهيونى هو “إرهاب” – في نظره – ولا أدل على ذلك من أنه وجّه الحكّام العرب – في الجامعة العربية الذين يحرصون على كراسيهم لا أوطانهم – بأن يصِموا المقاومة بالإرهاب، علماً أن إسرائيل نفسها كيان إرهابي إحلالي استيطاني، كما أنه وجههم إلى رفض إيران النووية، بينما يرحبون بإسرائيل النووية.

صحيح أن المقاومة الفرنسية ضد الإحتلال الألماني مشروعة، والمقاومة الأوكرانية ضد الروس مشروعة أيضاً، لكن يجب أن يلحق بها في سلك المشروعية وأولى منهما المقاومة ضد إسرائيل، لأن ألمانيا لم تدعي ضم فرنسا لأراضيها، كما أن روسيا تصد عن أمنها القومي تشغيل الغرب بأوكرانيا وتوظيفه لها لاختراق الأمن الروسي. في الحالات الثلاثة، المقاومة مشروعة.

خامساً، أن إسرائيل بعمليات الإبادة للفلسطينيين تدافع عن نفسها، وأنا أعجب أن كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا أصدرتا بيانات تؤكدان فيها هذا الزعم. ولقد كان أولى بهما أن ينظرا إلى الوجود الإسرائيلي المغتصب لفلسطين وإلى سياساته الإرهابية ضد شعبها، بينما احتلفت بريطانيا بمناسبة المئوية الأولى لـ “وعد بلفور” وبهذا “الإنجاز الكبير” بإنها سلّمت فلسطين – دون وجه حق – لليهود.

الواقع أن نظرية الدفاع الشرعي، المنصوص عنها في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لا تنطبق على الاعمال العدوانية الإسرائيلية؛ فإسرائيل بإعتبارها كياناً غاصباً، تقوم بالعدوان ولم يتم الاعتداء عليها يوماً بل أنها تمكّنت من منع الجيش المصري من تهديدها، العام 1973، وذلك بتمكين أمريكا لها من محاصرة الجيش الثالث الميدانً واحداث الثغرة، ولا ندري بعد ملابسات هذه الثغرة، لكننا نأمل أن تقوم قيادة الجيش المصري بالتحقيق الجاد في هذا الحادث.

ثم أن النفس الإسرائيلية ليست نفساً عادية، ويكفي أن إسرائيل قامت بلا حدود دولية، ورفضت تحديد هذه الحدود وتركتها لقوتها العسكرية في المستقبل؛ لذلك، كانت تصر على أنها لا بد أن تحظى بحدود آمنة. فالحدود الآمنة عندها، هي حدود مفتوحة ولها مفهوم خاص عند الإسرائيليين.

سادساً، إن إسرائيل دولة ديمقراطية، والحقيقة أنها “ديمقراطية العصابة”. فالعصابة تقر نظاماً ديمقراطياً لصالحها؛ ولذلك، فإن هذه العصابة اليهودية – التي استوطنت فلسطين وتبيد شعبها – لا يمكن أن يطلق عليها لقب “دولة ديمقراطية”. فقد ألزمها قرار الجمعية العامة، عند قبول عضويتها في الأمم المتحدة، بأن تحترم الأقليات، وأولها الفلسطينية. أيضاً، احتلت إسرائيل بقية الأراضي الفلسطينية؛ لذلك، فهي ملتزمة بقانون الاحتلال الحربي، وخصوصاً بنود اتفاقية جنيف الرابعة.

سابعاً، إن إسرائيل تقبل حل الدولتين في فلسطينز. والحقيقة أنها تريد دولة واحدة دينية تستوعب كل يهود العالم، وتطرد الفلسطينيين أو تبيدهم. في قد مارست الخداع طوال مراحل المشروع الصهيوني، وبعد قيامها.

ثامناً، إن الجيش الإسرائيلي مهمته الدفاع فقط (على غرار إسمه)، بينما تبني إسرائيل وجودها على قمع العرب واستخدام القوة المطلقة ضدهم؛ لذلك، فإنه من الخديعة تسمية الجيش الإسرائيلي بجيش الدفاع لكونه أداة للعدون والإبادة وسحق العرب .

تاسعاً، إن إسرائيل تحتل الأراضي في فلسطين وسيناء والجولان ولبنان، وهذا ما يفهمه المجتمع الدولي. ولكنها أعلنت أنها لا تحتل الأراضى الفلسطينية وإنما تستردها، وأن أعمال الإبادة في صفوف الشعب الفلسطينى تعتبر “عقاباً” له على تشتيت اليهود حول العالم.

عاشراً، الزعم بأنها أقامت سلاماً مع مصر كمقدمة لسلام شامل، وهذه كذبة كبرى أخرى؛ بالنسبة لمصر، فهى الجائزة الكبرى التي مارست إسرائيل بحقها أقصى درجات الخديعة، حيث سبق وأعلنت أنها حصلت على سيناء كـ “مكافأة” لها على تفوقها العسكري، من جهة، و”تأديباً” لمصر، من جهة أخرى، حتى لا تستخدمها مرة جديدة لتهديدها.

للأسف، يردد حكام مصر – منذ الرئيس الراحل أنور السادات حتى الآن – هذه المزاعم، ولا شك أن سيناء جزء من المخطط الإسرائيلي ضد مصر. وقد اعترف مناحي بيغن بأنه حصل – في “كامب ديفيد” وفي واشنطن بعد ذلك – على ضمانات من الرئيس الأريكي الأسبق، جيي كارتر، بأن يحتل سيناء مرة أخرى إذا قامت في القاهرة حكومة تعادى إسرائيل.

إقرأ أيضاً: التقابل بين مشروع “هرتزل الصهيوني” و”هرتزل العربي”

وقد سارت الحكومات المصرية على هذه الطريقة، وبررت تقربها من إسرائيل بأنه لمصلحتها حتى لا تُحتل سيناء؛ ولكنها للحق، لم ترغم الشعب المصري على التطبيع مع هذا العدو الأبدي، وهو ما أعلنه سفير إسرائيل في القاهرة، العام 2021، من أنه أطمأن إلى صداقة الحكومة المصرية ويريد أن يحصل على صداقة المصريين.

أحد عشر، تعتبر إسرائيل قيامها، العام 1948، بأنه “استقلال” عن بريطانيا وليس “نكبة” للعرب واغتصاباً لأرضهم. والحق أن واشنطن ترغم الحكّام العرب على التقارب مع إسرائيل، والاعتراف المطلق بها دون تحفظات؛ لذلك، أصرت إسرائيل – في معاهدة السلام مع مصر – على أن تضع مجموعة من القيود على السيادة المصرية – مخالفة بذلك قواعد قانون الدولي – في صلب المعاهدة، وقد بيّنا في مقال سابق أن المسألة لا علاقة لها بالنصوص، وإنما بالنفوس وانكسار الإرادة المصرية في واجهة إسرائيل دون مبرر لمصلحة الوطن المصري.

مصدر الصور: وريترز – أرشيف سيتا.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر