شادي القعسماني*

لم يعد خافياً حجم الضغوط التي مارسها مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، على الدول العربية للجم الهرولة إلى القمة الإقتصادية في بيروت، وإلى منع دعوة سوريا إلى هذه القمة. ناهيك عن الضغوطات الداخلية لبنانياً؛ من فشل تشكيل الحكومة وتفشي الفساد الإداري والصراع للإستيلاء على مقدرات البلد، إلى اهتراء الإقتصاد الهش أساساً، والتظاهرات الشعبية على تردي الأوضاع المعيشية والإقتصادية وغياب الخدمات الإجتماعية والإنمائية، بالإضافة إلى حصار دولي غير معلن لكل من ساند وأعان الشعب في سوريا على الصمود بوجه الإرهاب الدولي.

لم تأتِ القمة بجديد، بل أنها أكدت جملة من النقاط التي لا يمكن التغافل عنها بعد أن ظهرت إلى العلن موقعة بجملة من المعطيات على الشكل التالي:

غياب القادة العرب عن القمة أعطى مؤشراً على اتساع الخلاف العربي وغياب القرار السيادي لهذه الدول. وبالتالي، برز حجم التخبط في إقرار سياسات ناجحة لتخطي الأزمات الإقتصادية التي تعصف في الأنظمة العربية وبقاؤها في حالة التبعية إلى الإملاءات الخارجية، وتنفيذ أجندات على حساب مصالح الشعوب العربية.

إن التجاهل المتبادل بين كل من الجمهورية العربية السورية والدول العربية انعكس على أجواء هذه القمة التي باتت “باهتة” من دون حضور دمشق. فسوريا التي عانت لسنوات ثمانية من تدفق الإرهاب والأموال والسلاح العربي إلى أراضيها، بهدف تدميرها وإخضاعها وانصياعها والإتيان بها إلى حفلة التطبيع مع العدو الصهيوني وإخراجها من معادلة الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، دفعها إلى اتخاذ مواقف وطنية تتوافق مع خطابها المبدئي والسياسي خاصة.

أما إنجلاء غبار المعارك عن رقعة لا بأس بها من أراضيها، فقد جعل بعض هذه الدول إلى تعديل خطابها السياسي تجاهها ولكن دون ترجمة فعلية حتى الآن، مما يوحي أن هذه الدول لم تحسم موقفها بشكل نهائي؛ أما لعدم امتلاكها مخرجاً ينزلها عن الشجرة، أو أن ضغوط خارجية تفوق قدرتها على اتخاذ قرار جريء بفتح حوار مباشر مع دمشق، فتجلس في غرفة الإنتظار إلى حين وصول “أمر علميات” من دول القرار في الخارج.

بالإضافة إلى ذلك، إن فشل الإعتداءات الإسرائيلية على المنطقة الجنوبية لدمشق بنفس توقيت عقد القمة الإقتصادية جعلها الحاضر الأقوى رغم غياب تمثيلها في هذه القمة، ورغم غياب أية إدانة لهذه الإعتداءات المستمرة، التي عادت واستؤنفت ليلاً بشكل غير مسبوق.

إن سوريا الماضية في تطوير قدراتها الردعية قلبت المشهد، وبدلا من أن تلقي الرسائل بأنها مستفردة وأن العرب يمكنهم الإعتماد على قدرة العدو الإسرائيلي، نشهد سيناريو مختلف. فالصواريخ الردعية حملت رسالة إلى القمة الإقتصادية ومفادها أن دمشق تتعافى، ولديها الكثير من مقومات الصمود وهي غير مستعجلة إلى الإلتحاق بركب الجامعة العربية، بل على الدول العربية حسم أمورها و”الحج” بتجاهها مجدداً رغم جراحها النازفة، فهناك تكمن “كلمة السر” في رسم خريطة المنطقة على كافة الأصعدة.

بالنسبة إلى لبنان، بدا سياسيوه مربكين. فالإنقسامات الطائفية والإرتهانات الخارجية، عكست ظلها على هذه القمة، فلم تأتِ الإهتمامات العربية على قدر آمال لبنان المنهك نتيجة سياساته وحساباته الخاطئة وخاصة في مسألة النازحين السوريين وحجم الأعباء المترتبه جراء ذلك. ناهيك عن ديون أنهكت المواطن وحدت أفق النجاة من تدهور عام.

وبالتالي، إن الخذلان العربي ترجم على شكل ترك كل دويلة تسقط على الشكل التي تصنعه لنفسها. لبنان أمام خيارات واضحة؛ أما الإستدارة إلى واقعه الطبيعي، أي نحو سوريا. وأما اجتراح معجزة للنجاة، لأن التطبيع مع العدو الإسرائيلي مرفوض جملة وتفصيلاً.

وبالرغم من وفرة المال الخليجي، إلا أنه لم ينم عن هذه القمة، كما سابقاتها، أية رؤية اقتصادية أو تنموية. بمعنى أن العقل العربي لم يكن حتى على المستوى الكلامي ولا على المستوى التقني. فغياب الخطط والإستراتيجيات، جعل رؤساء الوفود يكررون “ببغائياً” مقررات القمم السابقة مع فارق أن الأزمات تفاقمت من تونس إلى ليبيا ومصر وفلسطين واليمن والسعودية وغيرها.

وكأفضل تقدير، هي قمة حسن الضيافة والتنظيم والإنتظار إلى ما سيؤول إليه الوضع في الشمال السوري، وغير ذلك فهي تجربة جديدة تضاف إلى سابقاتها لتأكيد فاعلية “قانون الجاذبية” في تسارع الهرولة الى الحضيض.

*أكاديمي لبناني

مصدر الصور: العربي الجديد – الجزيرة.