للولايات المتحدة خيارات في السياسة الخارجية تناقض مع قواعد القانون الدول العام بشكل صريح، والأمثلة لا يمكن حصرها. ولقد لفت نظري أن كلاً من واشنطن ولندن احتلتا بجيوشهما العراق، وأعلن كوفى عنان، الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، أن هذا الاحتلال ليس له سند من القانون الدولي ويعتبر انتهاكاً لميثاق المنظمة الدولية.

فهل تعتقد واشنطن أنها هي من يصنع القانون الدولي وتغيره حسب أهوائها؟ وهل اعتقدت أن حججها تصلح مبرراً قانونياً لغزو العراق؟ وهل هي مقتنعة بأن مواقفها في فلسطين لصالح إسرائيل تقع ضمن قواعد القانون الدولى؟ وكيف تبرر الاعتراف بأن الجولان أراضاً إسرائيلية وأن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية والدائمة وأن إسرائيل تسترد أراضي اليهود وأن الفلسطينيين يستحقون التنكيل لأنهم هم من شرد اليهود فى العالم وأخرجهم من فلسطين؟ وكيف تقرأ واشنطن قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذه القضايا وكيف اقنعت واشنطن نفسها بأنها تصلح وسيطا لجلب السلام العادل إلى فلسطين في الوقت الذي تواصل دعم إسرائيل وانكارها للقانون الدولي؟ وكيف تعلن عدم الاعتراف بضم روسيا جمهوريات من أوكرانيا بينما تعترف بضم إسرائيل لفلسطين والجولان؟ ولماذا أعطى جيمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، ضمانا لمناحيم بيغن، في “كامب ديفيد”، بأن إسرائيل لها الحق في العودة إلى سيناء إذا جاء إلى السلطة نظام لا يعجب إسرائيل حتى لو كان النظام هو الذي اختاره الشعب المصرى؟

أما بالنسبة لغزو العراق وأفغانستان، فلقد لاحظنا ما يلي:

أولاً: في العراق

المفروض أن غزو العراق انتهاك للميثاق، فلماذا لم يتحرك الاتحاد السوفيتي وهو بلفظ أنفاسه الأخيرة لوقف العدوان؟ وإذا كانت واشنطن تزعم أنها هي التي حررت الكويت من العراق، فلماذا أبادت الجيش العراقى وسمحت لليهود بأن يسرقوا ذخائر المتاحف العراقية خصوصاً فترة الملك نبوخذ نصر الذي شرد اليهود وسجل أسباب تشريدهم فى وثيقة تاريخية؟

إقرأ أيضاً: الاغتيال الإسرائيلي أو القتل المتعمد في نظر القانون الدولي

كيف تبرر أمريكا الاستيلاء على خيرات العراق وأمواله بقرار من مجلس الأمن لم يعترض عليه الاتحاد السوفيتي؟

أيضاً، فقد أقامت سلطات الاحتلال الأمريكي ما يعرف بـ “المنطقة الخضراء” حتى تضم كل السفارات وتؤمنها، فهل احترمت واشنطن قانون الاحتلال الحربي؟ ولماذا أطلقت يد بول بريمر، سفيرها وحاكمها العسكري في العراق، بثروات بغداد وجيشها، فحل الجيش وجرّم حزب البعث؟ وكيف تسوغ واشنطن الجمع بين الاحتلال وتجميد الآثار المترتبة عليه وأولها زوال سيادة العراق وقطع العلاقات الدبلوماسية وزوال عضوية العراق في المنظمات الدولية بسبب زوال الشخصية القانونية الدولية له؟ إن استمرار عضوية العراق فى كافة المنظمات الدولية العالمية والإقليمية هو قرار أمريكي، خاصة في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامى وكل منظومة الأمم المتحدة.

ثانياً: في أفغانستان

كيف تجمع واشنطن بين أسطورة حادث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وإنشاء تنظيم “القاعدة” وحركة “طالبان” مع سياساتها المعلنة في انشاء هذه التنظيمات الإرهابية؟ كذلك إنشأت “المنطقة الخضراء”، ولما رحلت واشنطن ظلت المنطقة في كل من العراق وأفغانستان وهي منطقة تأمين الوجود الأمريكي في البلدين.

ختاماً، إن الغريب يكمن فيما ابتدعته واشنطن من شكل جديد خارج تماماً عن القانون الدولي الدبلوماسي بأن نقلت سفارتها في كابول لكي تقيم بمدينة الدوحة، عاصمة دولة قطر، وهذا من العجائب.

مصدر الصورة: فرانس برس.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر