صرح كبار المسؤولين الإسرائيليين خلال الأيام القليلة الماضية أنه تم إخلاء مدينة غزة من سكانها ونقلهم إلى ملاذ آمن فى مدينة رفح. وكانت تصريحات إسرائيلية قد حثت سكان شمال غزة على النزوح إلى الجنوب الآمن، ثم قامت بمذابح ضد النازحين الذين صدقوا روايتها.

يعمل مخطط إسرائيل المعلن على تحقيق ثلاثة أهداف؛ الهدف الأول، إبادة سكان غزة ضمن خطة الإبادة العامة للعرق الفلسطيني. الهدف الثاني، القضاء على المقاومة ضد إسرائيل حتى تأمن باختراقها الدبلوماسي والاستخباراتي للخليج بعد أن مكنتها “مصر السادات” من ذلك ثم بقية الدول العربية حيث أكد الرئيس الأمريكى جو بايدن، بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلال زيارته لإسرائيل – بعد عملية “طوفان الأقصى” – أنه “ما لم توجد إسرائيل لاخترعناها”، وصرح قبل ذلك في معرض تقييمه لإنجازات إداراته بأن أهم إنجاز في ولايته الأولى أنه مكّن إسرائيل من اختراق العالم العربي ومعلوم أن عقد اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل بدأ بمصر أكبر الدول العربية وأكبر جائزة لجهود إسرائيل، كما قال وزير خارجية إسرائيل في مقال له في مجلة الشئوون الخارجية الأمريكية عدد يناير/كانون الثاني 1980، أي بعد أشهر من توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات صفقة السلام مع إسرائيل؛ تلك الصفقة التى مكنت الأخيرة من مصر والمنطقة العربية وأخرجت القاهرة من عِداد القوى الفاعلة ضد إسرائيل، وطوّعتها بمساعدة واشنطن حتى تحصد ما زرعته خلال عملية الإبادة والتهجير وتنفيذ “صفقة القرن”.

أما الهدف الثالث لحملة الإبادة، فهو إطلاق سراح الأسرى اليهود لدى المقاومة دون أن تطلق إسرائيل سراح المعتقلين الفلسطينيين لديها.
معلوم أن انتصار إسرائيل معناه تنفيذ “صفقة القرن” بهدوء، أي استقدام يهود العالم وزرعهم في فلسطين مكان الفلسطينيين في وطنهم لإعلان “إسرائيل الكبرى”. وقد أكد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، 21 يناير/كانون الثاني 2020، أن إسرائيل تسعى للتغلب على التهديد الإيراني كما تغلّبت على القومية العربية، ويقصد الزعماء القوميين الذين رفعوا شعارات القومية مثل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس العراق الراحل صدام حسين والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، وقال أن بلاده تعيش ازدهاراً دبلوماسياً وعسكرياً واقتصادياً. ووسط هذا المناخ جاءت عمليات المقاومة، يوم “7 أكتوبر”، لترد على المؤامرة ونأمل أن توقفها.

يقضي المخطط أيضاً بحشر سكان غزة فى رفح، ثم القيام بعمليات عسكرية ضدهم، وفق ما صرح به نتانياهو من أنه أمر الجيش بالاستعداد للقيام بعمليات كبرى من شأنها أن تبيد أكبر عدد من النازحين، وأن تدفع مصر لفتح المعبر. وقد مهد لذلك أحد العسكريين المصريين بقوله عبر وسائل الاعلام – ولكنه لا يمثل الحكومة – أنه لا يعقل أن نمنع دخول الفلسطينيين هرباً من الموت بشكل مؤقت ثم تعيدهم مصر إلى غزة مجدداً.

ورغم موقف مصر الحازم حول منع التهجير وتصفية القضية، ولكنها قد تضطر للسماح بالتهجير تحت الضغوط والاغراءات، حيث تحدثت تقارير عن أن مصر مضطرة لانقاذ سكان غزة من الإبادة مقابل حزمة من الدعم المالي تعالج به الحكومة أزمتها، بالاضافة إلى إسقاط الديون. ولكننا نعارض هذه المؤامرة ونربا بمصر من المشاركة فيها تحت أي ظرف، بل نحثها للدفاع عن أراضي مصر التي استخفت بها إسرائيل.

إن مخاطر تهجير الفلسطينيين، التي حذّر منها الاتحاد الأوروبي والآمين العام للأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، من منظور إنساني وتقديري أن العالم كله متواطئ مع إسرائيل لكن تنفيذ هذا المخطط قد يحدث ثم يترك للحكومة المصرية أن تقنع الشعب المصري بأن هذا فيه خير عميم، ولكنني أحذر من هذه الخطوة بسبب المخاطر الكثيرة نورد اهمها فيما يلي:
1. استمرار المؤامرة من البعيد والقريب على الشعب الفلسطيني التى استمرت منذ إعلان المشروع الصهيوني آواخر القرن الـ 19 حتى الآن. ومعلوم أن عملية “7 أكتوبر” ضربت هذه المؤامرة ضربة مبدئية، وهذا ما اغضب اطراف المؤامرة.
2. تمكين إسرائيل من التوحش في المنطقة والقضاء على المقاومة التي أحرجت الجيوش والحكومات العربية، فهي قنبلة موقوته خاصة وأن المصريين يشعرون بالغبن والضيق من توظيف أموال الخليج ضد مصالح الأمة وبحاجة ماسة إلى تحرير وطنهم من ذيول الصهيونية ومعلوم دور إسرائيل فى ذلك كله.
3. زيادة اختراق إسرائيل لبقية الدول العربية، كالجزائر والصومال وجيبوتي، واستخدام العراق ساحة لتصفية الحسابات بينها وبين إيران، وغيرها.
4. أن تبدأ إسرائيل بضم الجولان وكذلك الضفة الغربية وإلغاء المملكة الأردنية الهاشمية، وإقامة دولة فلسطينية مكانها، وهي مؤامرة “الوطن البديل” التي أعلنتها إسرائيل فى سبعنيات القرن العشرين.
5. تشجيع إسرائيل للنُظم الحليفة على إحكام قبضتها على الشعوب لأن الديمقراطية العربية أكبر تهديد لوجودها، فيزداد احتمال الانفجار الشعبي ضد إسرائيل وأتباعها في المنطقة، خاصة وأن إسرائيل تستخدم المنطقة العربية سوقاً لمنتجاتها فتنهار اقتصاديات الدول العربية.
6. ضياع القضية الفلسطينية إلى الأبد.
7. احتمال قيام ثورة في مصر بسبب الأوضاع الداخلية والخارجية.
8. ضياع الهوية العربية لصالح الهوية الصهيونية مما قد يمهد لعودة التيار الإسلامي.

هذا هو “الحل السعيد” الصهيوني، إذ تنقطع المنازعات برحيل الفلسطينىين وإقامة دولة اليهود، فتتهيأ الظروف اللازمة لتحقيق ما جاء فى القرآن الكريم وتكون نهاية إسرائيل.

مصدر الصورة: النشرة
إقرأ أيضاً: تقييم قانوني للأفعال والانتهاكات الصهيونية في غزة

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر