يحدث خلط له دلالات قانونية في تناول المصطلحات معينة، ومنها الأسير؛ ففي الجانب الفلسطيني، توجد وزارة لشؤون الأسرى من أجل رعايتهم وأسرهم والسعي إلى متابعتهم مع إسرائيل وعلى المستوى الدولي.

على هذا الجانب، يتم الحديث – بعد عملية “سيف القدس” – عن تبادل الأسرى بين فلسطين وإسرائيل، ولكن الأخيرة تعتبر مواطنيها لدى المقاومة مختطفين؛ فالمختطف يختلف عن الأسير في طريقة وضعه تحت سلطة الطرف الآخر، وكذلك في القواعد القانونية الخاصة بحمايته، ولقد كانت المادة 90 موحدة في اتفاقيات جنيف الأربعة حيث وضعت الحد الأقصى للحماية أياً كات وسيلة جلب الفرد إلى الطرف الآخر.

وقد يتساءل البعض عن أن إطلاق سراح فرد إسرائيلي يقابله إطلاق سراح آلاف الفلسطينيين، وهذا لقي نقداً شديداً من إيهود أولمرت، رئيس الوزراء الأسبق، وصفاً هذه الصفقات بأنها “ثمن باهظ تدفعه إسرائيل”، وذلك في وقت يتمكن الفلسطينيون فيه من خطف عدد قليل من العسكريين والمدنيين خلال العدوان الاسرائيلي على غزة، بينما يصل عدد الفلسطينيين إلى الآلاف في سجونها.

الحق أن إسرائيل تعتقل الفلسطينيين بالمئات، وذلك في موضعين؛ الموضع الأول، مشاركتهم في عمليات ضد اسرائيل، فهذا المواطن الفلسطيني يمارس حقاً قانونياً دولياً وهو مقاومة الاحتلال، ووقوعه في أسر القوات المعادية يجعله أسيراً يتمتع بحماية بنود الأسر ضمن قواعد وأحكام القانون الدولي.

أما الموضع الثاني، اعتقال الشرطة الإسرائيلية للمواطن بسبب اتهامات زائفة وفي الغالب خلال مظاهرات الاحتجاج على جرائم إسرائيل، كما هو الحال في مدينة القدس.

في هذا الشأن، تميّز اسرائيل بين الاعتقال الإداري والاعتقال القانوني والسياسي، فالثاني يُعرض على المحكمة، وهي محكمة صهيونية تعمل في إطار المشروع الصهيوني جنباً إلى جنب مع بقية المؤسسات كما تطبق القوانين الصهيونية التي تعكس أهداف هذا المشروع؛ ولذلك، لا يوجد في إسرائيل استقلال حقيقي للقضاء أو فصل بين السلطات، وإنما يجمع كل السلطات انها جميعا تتكاتف لإنجاز المشروع الصهيوني الذي يعتبر فلسطين كلها لليهود.

ايضاً، تعامل إسرائيل المواطن الفلسطيني بقسوة لأنه في نظرها “مغتصب لأرض الميعاد”، وأنه رافض للاحتلال وهو عندها المرحلة التي تسبق ضم الأراضي وطرد السكان وجلب اليهود لوراثتهم، وطبيعي أن يكون ضحايا هذه السياسة الإسرائيلية بالآلاف.

أما عملية خطف الإسرائيليين من جانب المقاومة، فإن الظروف تجعل العدد محدوداً، كما أن إعاشتهم وحمايتهم وابقائهم على قيد الحياة – وسط بحث إسرائيل وعملائها عنهم في غزة ذات المساحة الصغيرة – يعد عبءً ثقيلاً على المقاومة.

ومع حرص إسرائيل على استردادهم عنوة حتى تتفادى الإحراج، فإطلاق آلاف الفلسطينيين مقابل إسرائيلي أو جثته ليس معناه أن الأخير يساوي آلاف الفلسطينين أو أنه أكثر قيمة منهم. وإذا كانت الظروف تحد من قدرة المقاومة على زيادة عدد المخطوفين، فإن كل الظروف تمكن اسرائيل من اعتقال الآلاف من الفلسطينيين بحرية كاملة، ما يعني أنه ومن الطبيعي أن تفرج عن الآلاف مقابل إسرائيلي واحد، إذ ليس هناك من قيد على حرية إسرائيل وقدرتها على الاعتقال.

وفي كل الأحوال، ينطبق القانون الدولي الإنساني في حالة المقاومة وحالة إسرائيل لأن الحماية تتعلق بمواطنين لهم الحق في الحماية. والأسير عادة هو من يتم السيطرةعليه خلال القتال، فالأسر حق للدولة الآسرة، وعليها التزامات قانونية تجاه هذا الأسير.

أما خطف المقاومة لإسرائيلي فيجوز أن يكون عسكرياً أو مدنياً خلال القتال أو بدونه، فهم في هذه الحالة رهائن يطلق سراحهم مقابل آلاف المعتقلين بحرية تامة من جانب إسرائيل. فمن حق المقاومة أن تُغِير على التجمعات الإسرائيلية في كل وقت ما دامت تستخدم المخطوف لهدف مشروع وهو تحرير المعتقلين.

ها، يلاحظ أن إسرائيل لا تعتقل المواطنين الفلسطينيين خلال القتال، وعندما تعتقلهم تمارس سلطاتها عليهم بصفتها سلطة الاحتلال الطويل الآجل. فالفلسطيني معتقل والإسرائيلي مخطوف.

وأما سلاح اغتيال القيادات السياسية والعسكرية للمقاومة – خاصة خلال مواجهات العدو – فهذه يحظرها القانون الدولي الإنساني، ولكن إسرائيل لا تحترم القانون الدولي بتشجيع من واشنطن.

بقيت كلمة اخيرة وهي أن فلسطين قسمان؛ القسم الأول، مخصص لإسرائيل والثاني تحتله. فالمخصص لإسرائيل هو أرض مغتصبة، والقسم الآخر محتل. وقد جرى الإعلام العربي – أو قسم منه – على وصف إسرائيل بأنه الكيان او فلسطين المحتلة. فالأول، خُصص لإسرائيل ضمن المؤامرة، والثاني احتلته لضمه للجزء الأول.

وفي القانون الدولي المعاصر، تعتبر إسرائيل – كدولة حسب اعتراف الدول بها – محتلة لأراضٍ فلسطينية يجب أن تجلو عنها. أيضاً، يلاحظ أن إسرائيل تعتبر خطف مواطنيها من داخلها عملاص غير مشروع، بينما تعترف بالخطف إذا كان المواطن الاسرائيلي مشاركاً في حملة العدوان.

ولقد أشرنا من قبل إلى أن المقاومة تستطيع أن تمارس نشاطها في كل فلسطين وفي كل وقت، لأن لها شرعية دائمة ومستمرة ما دام الغصب والاحتلال مستمرين.

مصدر الصورة: العربي الجديد.

موضوع ذا صلة: السياق التاريخي للتفاوض مع المقاومة

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وأستاذ محاضر في القانون الدولي – مصر