أثبتنا أن اليهود، في القرآن الكريم، هم الذين كفروا برُسلهم بل وقتلوهم وكفروا بما أنزل على أنبيائهم، فانصرفوا إلى الفساد والإفساد.

وقد حلوا بفلسطين فاجتهدوا أن يبتكروا علاقة بينهم وبين أرض فلسطين تاريخياً وتوراتياً، والمؤكد أن كذبهم وافتراءاتهم فندها القرآن الكريم؛ ولذلك، كان ذلك أحد مصادر حقدهم على الإسلام بكتابه ونبيه، وعلى المسلمين بتشويه عقيدتهم والتحالف مع الظالمين والمتكبرين من حكامهم، والدس على كتاب الله ورسوله واعتبار كل الجرائم الصهيونية وإسرائيل جريمة “لا سامية”، بسبب سطوة اليهود على الحكومات الأوروبية.

فالثابت أن واشنطن هي التي سعت إلى تطويع الدول العربية والإسلامية والتربّص ضد ما زعمته الإرهاب الإسلامي. أما دور إسرائيل فهو منظور في كل مآسي العالم العربي والإسلامي كما أنها تتحدى العالم الإسلامي بعد تخريبه ودعم الدكتاتورية فيه، وذلك بالادعاء أن فلسطين كلها لهم، وأن القدس عاصمتهم، وأنها سوف تهدم المسجد الأقصى “نكاية” بالمسلمين الذين وظفو شبابهم في أعمال الإرهاب، وحري بهذا الشباب أن يعود إلى وعيه ويدرك أبعاد المؤامرة التي تحاك ضد شبابنا وحياتنا وعقيدتنا. فالصراع بيننا وبين اليهود هو ديني – سياسي.

في إحدى المناسبات، كنت ألقي محاضرة عن الوجه السياسي للصراع، فقد تربينا على أن المشروع الصهيوني يشكل مشروعاً سياسياً وضرورة الابتعاد عن الدين؛ فلما تبين لنا أن هذا الدين هو الذي يرعب الحكام وإسرائيل، فلم أجد حرجاً – وقد تمكنت من الطابع السياسي والديني للصراع – بالقول أنه صراع سياسي أصلاً، ويتخذ مظاهر دينية أو هو ديني يتخذ مظاهر سياسية.

وليس الصراع مع اليهود إلا فصل من فصول الصراع معهم، لأنهم لُعنوا لكفرهم في القرآن الكريم ولم يتبعوا كتب أنبيائهم، ونحن المسلمون أولى بالشريعة اليهودية الحقّة منهم ومن تزويرهم لهذه الشريعة حتى تتماشى وتغطي أطماعهم. فهذه الشريعة والشريعة المسيحية طبقات للإسلام، والإسلام هو الدين الواحد مصداقاً لقوله تعالى” “إن الدين عند الله الإسلام”، أي جماع الشرائع بدليل أن كل الأنبياء من آدم إلى محمد مسلمون؛ ولذلك، عرّف جبريل الإسلام للرسول بأنه “من سلم الناس من لسانه ويده”، أي إشارة إلى أخلاقيات وقيم الدين الحق، وقال تعالى لنبيه الكريم: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.

من هنا، لا يجوز لجامعة الأزهر أن تتحدث عن أديان، بل عن شرائع في دين واحد. وإذا كانت الشريعة اليهودية بكل طبقاتها وتنزيلاتها الصحيحة خاصة باليهود والشريعة المسيحية خاصة بالمسيحيين فإن الشريعة الإسلامية أشمل وباقية إلى قيام الساعة وهي التي أكملها الله وأخبر بها نبيه الكريم.

ثم هناك تطور خطير يعمد اليهود – في غفلة من المسلمين – إلى تعميمه والترويج له، وقد بدأ هذا الاتجاه في العام 1989. في ذاك العام، تابعت الموضوع من بدايته والذي نشره كريمر اليهودي – الإسرائيلي، تلميد برنارد لويس البريطاني – المسيحي، الذي هاجر إلى أمريكا واعتنق اليهودية وقد قدّر لي أن ألتقي كليهما.

بدأت القصة في يناير/كانون الثاني 1981 عندما كنت ألقى محاضرة بالجمعية المصرية للقانون الدولي بالقاهرة، في عصورها الزاهرة قبل أن يسطو عليها التتار فأحرقوا الأخضر واليابس. كان عنوان المحاضرة “ظاهرة المؤتمرات الإسلامية في التنظيم الدولي الحديث”، وكان جوهرها: لماذا لم ينشأ تنظيم إسلامي دولي منذ دولة المدينة نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي؟

إقرأ أيضاً: ملامح الفكر القومي الجديد المطلوب

بعد المحاضرة، قدّم كريمر نفسه لي كطالب دكتوراه مع برنارد لويس في جامعة كولومبيا، وطلب ملخصاً للمحاضرة وأنها لازمة لرسالته وعنوانها “الإسلام مجمعا: المؤتمرات الاسلامية”.

وفي العام 1988، كنت قد أصبحت المستشار القانوني لمنظمة المؤتمر الإسلامي وتلقيت رسالة كريمر هذا وكلها طعن على الشخصيات الإسلامية وأولها رشيد رضا، فأعددت دراسة نقدية لرسالته ونشرتها في مجلة السياسة الدولية، عدد أبريل/نيسان 1988، وناشدت الأزهر أن يشكل لجنة لمراجعة معلومات الرسالة والرد عليها باللغة الإنجليزية.

الحق أن كريمر اليهودي كان يجيد العربية والعبرية والأردية والإنجليزية والفرنسية والألمانية، فأوقع في روع القارئ أنه عالم محقق ثم “دس السم في العسل”. وعز علينا أن يقرأ شبابنا تاريخهم بأقلام هؤلاء، ما دعاني إلى نشر كتابي “أصول التنظيم الإسلامي الدولي”، وصدرته بالمعلومات السابقة، ثم تلقيت دعوة، العام 2016، من الجمعية الدولية لدراسات الشرق الأوسط، وهو عنوان مضلّل، فقد حضرت مؤتمرها في واشنطن ذلك العام ولم أكررها لأني وجدت أنه تجمّع يهودي يخصص مؤتمراته للهجوم على خصوم إسرائيل، وكانت إيران هي موضوع المؤتمر ومشروعها النووي واتفاق فيينا، والتقيت كريمر وبرنارد لويس، الذي توفي العام 2020، وخلفه كريمر في رئاسة الجمعية.

إن ما يهمني من كل هذا السرد أن كريمر جنّد مجموعة من زملائه في جامعة بار إيلان في إسرائيل، والتي تضم أيضاً تمثالاً للرئس المصري الراجل أنور السادات ومركز السادات – بيغن لدراسات الشرق الأوسط، فهم يكرمون من كان من أعمدة المشروع الصهيوني، بطل الحرب والسلام وخلافه في دستور 2014.

هذا الفريق، نشر كتاباً عما يجب أن يعرفه الرئيس الأمريكي الأسلق، باراك أوباما، عن العالم الإسلامي من وجهة نظر إسرائيل. فتضمن الكتاب فكرة مهمة وهي إلغاء مصطلح الدول الإسلامية، وأن يحل محلها الدول ذات الأغلبية المسلمة، وذلك استمراراً لحربهم مع حلفاء عرب لدين الدولة المتوارث في الدستور، وعلى خلفيّة أن الدول لا دين لها؛ فالدول الأوروبية كلها مسيحية، ومع ذلك لا تسمي نفسها الدول المسيحية.

قد تنطلي هذه الحجة على السذّج بيننا دعاة المدنية والمعاصرة، فقد تجاهل هذا الاتجاه الفارق بين وظيفة الدين في المنطقة وفي أوروبا العلمانية، وتاريخ الصراع بين الدولة والكنيسة، ولهذا السبب كان المستعمر الأوروبي يركّز على التشكيك في اليهوية الدينية حتى يسهل تطويع المواطن إذا فقد هويته.

فالدول العربية دول إسلامية، ليس فقط بالنص في الدستور ولكن التركيب الديني لسكانها والذي يؤكد أن الأغلبية الساحقة للمسلمين حتى الدول التي فيها أقليات دينية كبيرة مثل لبنان.

أيضاً، كانت “مصر الناصرية” تروّج بأننا نحارب الصهاينة وليس اليهود أملاً في استقطاب دول العالم الحر للقضية، حتى العام 2005 حين حضرتُ مؤتمر الحوار بين الأديان والثقافات الذي تبنّته المملكة العربية السعودية، مدريد – إسبانيا، في خط طويل مريب ترى علاماته وثماره اليوم. وقد سألت كبير الحاخامات عن التمييز بين اليهود كدين وبين الصهاينة كمشروع سياسي، فنفى بشدة صحة هذا التمييز وأكد سذاجته، ثم أكد لي أن مساندة اليهودي للمشروع الصهيوني واجب توراتي فلا فرق بين اليهودي والصهيوني، فاليهودي الحق لا بد أن يكون صهيونياص طلباً لعفو الرب، وهذا هو الخلط المقيت وتطويع الدين لخدمة أهداف سياسية عدوانية.

أخيراً، فليتمسك المسلمون بهوية دولهم وأصول دينهم الذي يتعرض للحقد والكيد اليهودي والصهيوني، فقلد سبق وأن حذّرت من هذا الاتجاه منذ ظهر، ونأمل أن يقع التحذير على قلوب سليمة بعد أن يزيح الله عنها أقفالها.

مصدر الصورة: ميدل إيست أونلاين.

د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر