بالرغم مما خلفه الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا من خسائر بشرية ومادية الا أنه حمل معه بوادر فك الحصار الظالم الذي تعرضت له سوريا وكأن هذه الكارثة الطبيعية وقعت لتذكر العالم بأن العقوبات التي تفرضها الأحادية القطبية لا مجال لاستمرارها ولا مبرر لاحترامها، لترتفع بذلك الاصوات المنادية إلى فك الحصار عن سوريا بشكل عاجل وفق قاعدة الانسانية التي هي أعلى وأسمى من القوانين الجائرة التي أعطت نتائج سلبية في غير صالح الشعب السوري.

فهل آن الأوان للمجتمع الدولي أن يستدرك مسؤولياته تجاه سوريا؟ وهل فهمت هيئاته رسالات الانسانية الحقيقية التي تجلت صورها التضامنية باستجابة عفوية كانت قوية بمعانيها وقيمها الانسانية من دول لها تاريخ في احترام حق الشعوب في الحرية والاستقلال بما يستجيب لتطلعاتها في التطور والرقي؟

وهذه الدول مشهود لها بالقرارات الشجاعة الكفيلة بأن تأخذ بزمام المبادرة دوليا في صالح حق سوريا في العيش بسلام وأمان وتعاون مع باقي العالم، بعيدا عن مؤامرات التدخل الخارجي بغطاء المعارضة المنخرطة في اجندة ترويض المجتمعات الحرة.

أما بداية التضامن مع سوريا عقب الزلزال فقد كان من الجزائر التي فتحت جسرا جويا للمساعدة في عمليات الاغاثة الإنسانية، هذه الأخيرة ستنتصر لا محالة بمفهومها الحقيقي الذي يستحق التقدير والاستدلال به لكسر الحصار، ولتكون معها مبادرات تلاحقت على خطى الجزائر من دول لها ادراك ووعي بالمسؤولية التاريخية تجاه سوريا التي انتصرت في النهاية حتى وإن زلزلت ارضها بزلزال حدث العالم عن حق سوريا و شعبها، وليرسم صورة عاجلة عما تستحقه من عالم يتغنى بالإنسانية التي غيبتها قوانين العقاب الجماعي ولوائح الحضر الجوي والعقوبات الاقتصادية التي تقتل الانسان وتقوض حقوقه الأساسية.

فهل كان إعلان الإدارة الأمريكية عن عدم منع قوانينها العقابية للمساعدات الانسانية في سوريا مجرد مسايرة للتطورات التي تبعت الزلزال وما طغى عليها من تضامن واسع مع سوريا؟

أم أن ضعف بقية العالم كان السبب وراء تغول السياسات العقابية التي تُفرض على الشعوب الضعيفة لقهرها ولثني قياداتها عن خيارات دول كانت مهدا للحضارة الإنسانية وقدمت مجتمعاتها نماذج حضارية؟

لكن للأسف تحول العالم في العقود الأخيرة الى نموذج الأحادية القطبية فرض تحديات كبيرة جعلت الكثير من الدول الحرة صاحبة الاستقلالية والسيادة في الخيارات وفي الحفاظ على ثروات شعوبها بين مطرقة العقوبات وسندان المؤامرات التي تحاك من الخارج بمسمى المعارضة وما تحمله من مشاريع تخريبية وتقسيمية للشعوب.

لكن الدروس الصحيحة دائما تفرضها الإنسانية بطبيعتها وقوانينها الأزلية ذات الحقوق العادلة التي لا تسنها قوى الهيمنة الأحادية، فمهما طال الزمن فلابد للأباطيل ان تنتهي وإن تخاذل الجميع أو تقاعست الغالبية أو حتى إن تراجع تأثير اصوات الحق في منابر الهيئات التي يزعم أنها أممية، و لابد أن تفرض نواميس الطبيعة قوانين التوازن الذي سيعيد ضبط الأمور في العالم بتعدد اقطاب يحمي الجميع من الهيمنة المتسلطة على الشعوب، وليكون نضال وكفاح الشعب السوري مدرسة في الثبات والصبر والتلاحم ضد المؤامرات وتكون سوريا على قلب رجل واحد أكثر من أي وقت مضى وأكثر تضامنا في المحن والكوارث التي شاءت الأقدار أن تكون سبابا في كسر الحصار وليعاد النظر في هكذا قوانين أضرت بالشعوب وبحقوقها.

مصدر الصورة: روسيا اليوم.

إقرأ أيضاً: جيو – بوليتيك المياه في الشرق الأوسط: مخاطر واقترحات حلول

د. عمار إبراهمية

كاتب وباحث – الجزائر