لاحظت أن الحاكم العربي المسلم في الماضي السحيق في صدر الإسلام كان الإيمان يعمر قلبه ولذلك استحضر هيبة الدين ورقابة الخالق على ما كان عمر بن الخطاب يؤكد، كما أن أبو بكر وضع القاعدة لقد وليت عليكم ولست بخيركم أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم.
فكانت هذه الأجيال من بناة الدين والدولة الإسلامية تعتبر الشريعة هي القانون ولم يكن هناك حاجة إلى وضع قانون وضعي.
أما بعد عصر الخلافة الراشدة ومنذ نشأة الدولة الأموية فقد كان الخليفة يحاول أن يستمد شرعيته من الالتزام بالشريعة ولكنه كان يأنف من وضع قانون يحاسبه وكان الخليفة عمر بن العزيز فلتة في عصره ولذلك أطلق عليه الخليفة الخامس أو خامس الخلفاء الراشدين بعد أبو بكر وعثمان وعلي، أما بعد الدولة العباسية فقد تولى الحاكم المسلم و الشريعة لاتفارقهم وكانوا يجاهدون في صد الغرب الاستعماري كما نجحوا في إقامة الدولة الإسلامية في الأندلس ولكن الصراع على السلطة والبعد عن تقاليد الحكم الرشيد القائم على الشرع أوقع العالم العربي والإسلامي تحت الاستعمار الغربي الذي صارع الحراك في المنطقة، حتى تمكن من تفكيك الإمبراطورية العثمانية ولايزال الغرب يتصدى للإسلام والمسلمين ويشجع الجماعات المتطرفة.
المهم الحاكم العربي الحالي يحاول أن يحصل على ثقة الغرب عن طريق ما يسمى تحديث المجتمع عن طريق المؤسسات والتشريعات التي لا تفارق الشريعة الإسلامية. فالحاكم الحالي لا يلتزم بالشريعة بحجة المدنية والحداثة وحتى لا يتماهى مع الجماعات الإسلامية، كما عمد الحاكم إلى الحكم المطلق فصارت السلطة كلها بيديه، يسأل ولايُسأل ويشكل أجهزة الرقابة والمؤسسات على هواه والولاء للحاكم هو مفتاح كل مؤسسة أو منصب أما المعارض إن وجد فهو خصم للوطن ويستباح كل ما يتعلق به.
فالحكم لم يعد يلتزم بالشريعة كما لايلتزم بالقانون بل هو يصطنع القانون وفق هواه والأمثلة لا تحصى في مصر والعالم العربي.
فليس للحاكم رقيب ولا سلطة لأجهزة الرقابة.
المشكلة من الناحية التاريخية أن الحاكم كان إماماً وقاضياً أي كان قائداً دينيا قبل أن يكون قائداً سياسياً ومع ذلك فإن انحرافات التاريخ الاسلامي في قصور الحكام المسلمين سببها فقهاء السلطان الذين حالوا بين الحكام وبين صحيح الشريعة ولذلك ظهر عمر بن عبدالعزيز فجأة بين الركام لكي يعيد مرة أخرى الهيبة والايمان والخوف من الله للقيادة السياسية وعموماً فبعد انتهاء عصر الفتوحات الإسلامية بدأ الملك وراثة من زمن معاوية أبن أبي سفيان ولم تعد الشورى كما لم يعد إجماع الأمة على الحاكم عن طريق المبايعة أمراً مقدساً ولذلك يمكن القول بحق أن عصر الخلفاء الراشدين كان يمثل نموذجاً مثالياً للحاكم المسلم في العصور الأولى في الإسلام.
أما في العصر الحديث فإن الحاكم العربي يصنع القانون ويأمر القضاء ويكره الشريعة وينقض على السلطة ويتجه إلى توريثها حتى لو كانت نظماً جمهورية التي أطلق عليها الدكتور سعد الدين ابراهيم النظم الجملكية ومعنى ذلك أن الحاكم المسلم لم يلتزم بالقانون الذي يصنعه ولا بنظام المحاسبة ويدعي أنه مقدس وأنه مبعوث العناية الإلهية ويستند إلى تفسير مرفوض ومشبوه للآية الكريمة “يؤتى الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء” فكأن السلطة مكافأة إلهية للحاكم المسلم ولا عبرة لطريقة وصوله للسلطة فأشاع الحاكم الفوضى في المعاملات المجتمعية وشجع بسلوكه على عدم احترام القانون خاصة وأن القانون يصنعه البرلمان الذي عينه كما يجمع السلطات كلها في يده في صيغه تقترب من الحكم الإلهي وصار الخضوع للحاكم يستند إلى القرآن الكريم في الآية الكريمة “وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولو الأمر منكم”، وقد فسرنا هذا التزوير للقرآن الكريم في مقالة سابقة.
والخلاصة أن الحاكم المسلم الحالي لا يحترم القانون كما أنه ليس مقتنعاً بالشريعة ولذلك انتشر الالحاد بين الشباب في الدول الإسلامية كما انتشرت البدع والأباطيل وصار المجتمع المسلم لا يتناهى عن المنكر ولا يحض على الفضيلة كما أن هذا المجتمع يعتبر أن هذا الحاكم قضاء وقدر ومن حسن الإيمان الصبر على نوازل القضاء والقدر.
مصدر الصورة: جريدة النهار.
إقرأ أيضاً: التيارات الإسلامية بين الانتماء الإسلامي والانتماء الوطني
السفير د. عبد الله الأشعل
سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر