د. عامر السبايلة*
خطاب الرئيس الامريكي دونالد ترامب الاخير الذي اعلن فيه نقل السفارة الامريكية الى القدس و الاعتراف بالمدينة التاريخية عاصمة لاسرائيل، أظهربوضوح اصرار ترامب على فكرة تفرده كونه الرئيس الامريكي الوحيد الذي استطاع ان يخرج القرارات الامريكية المؤجلة من الاطار النظري الى حيز التطبيق.
الاهم ان انفاذ هذه الخطوة جاء في توقيت تهيأت فيه الظروف المواتية على الصعيدين الاقليمي و العربي، ان كان من حجم الانقسام العربي او تركيبة الوضع الفلسطيني او حتى شكل و طبيعة المقاومة التي كانت قادرة على فرض تأجيل هذه الخطوة في مراحل سابقة، كما حدث مع ادارة جورج بوش الابن ابان وصولها الى البيت الابيض.
الاهم اليوم هو ادراك ان ما جرى يأتي في سياق التطور الطبيعي للاحداث في المنطقة و اكتمال ازالة عوامل التعطيل السابقة لمثل هذه الخطوة. لهذا من المهم النظر الى الامور من زاوية عقلانية تعيد صياغة شكل و استراتيجية مواجهة الخطوة الامريكية، خصوصاً اننا ندرك تماماً انه على مدار الصراع العربي الاسرائيلي، كل ما بدأ مؤقتاً انتهى ثابتاً من الثوابت، لهذا فان التحرك المطلوب اليوم يحتاج الى براغماتية سياسية عالية تساعد على مواجهة الخطوة الامريكية و الحد من آثارها.
أولى هذه الخطوات هو الادارك ان هذه الخطوة هي خطوة امريكية و ليست خطوة دولية، اذاً فالمطلوب الابقاء على هذه الخطوة في حدودها الامريكية و منع تحويلها الى نهج دولي، و هذا يتطلب توسيع دائرة التفكير في مسألة القدس باعتبارها مسألة دولية و ارث مسيحي و مسلم،مما يعطي مساحدة كبيرة للتحشيد الدولي، و ضرورة التنسيق مع الدول المعارضة للخطوة الامريكية و خصوصاً مع دولة الفاتيكان.
اما الخطوة الثانية فتتمحور في العمل على كسر حصرية الاحتكار الامريكي لعملية السلام، حيث ان الخطوة الامريكية اخرجت الولايات المتحدة رسمياً من اطار الوساطة الى حالة الانحياز و بالتالي افقادها اي نوع من انواع المصداقية التي تؤهلها لتكون راعي عملية السلام. فالرئيس الامريكي اصر على تسويق ان هذه الخطوة على أنها جاءت في سياق تحقيق السلام، مما يعني ان هناك رؤية قد يتم فرضها لاحقاً بعد تثبيت استحقاق القدس.
فكرة كسر الحصرية الاميركية في التفرد بملف عملية السلام لم تعد من المستحيلات كما كان عليه الحال قبل سنوات، فسياسة القطب الواحد انتهت،و انعكاسها بات واضحاً على معظم ملفات الشرق الاوسط.
الظهور الروسي في سوريا يعني باختصار انخراط موسكو ضمناً في كافة ملفات المنطقة بما فيها عملية السلام. لهذا فان الاساس اليوم هو اشراك روسيا في ملف عملية السلام بصفتها الوحيدة القادرة على احداث توازن في مسألة الرعاية بصفتها حليف لاسرائيل من جهة، و واقع يجب التعامل معه في سوريا، يضاف الى ذلك ان الدور الذي يصر الرئيس بوتين على الظهور به في السنوات الاخيرة يحمل في طابعه بعداً دينياً مسيحياً ارثوذكسياً و الذي يجعل مسألة القدس جزءاً اساسياً من الاهتمام الروسي.
اما الخطوة الثالثة، فترتبط حصرياً بالداخل الفلسطيني وقدرة الفلسطينيين على تجاوز الخلافات الداخلية و ترجمة ذلك عبر حكومة وحدة وطنية، و العمل بطريقة موحدة في اطار مواجهة الخطوة الامريكية و استثمار ورقة التنسيق الامني.
المتابع لطبيعة التحرك الامريكي يدرك ان الهاجس الوحيد لهذه الخطوة هو الموضوع الامني، و خطورة ارتفاع الكلفة الامنية الناتجة عن خطوة نقل السفارة الامريكية الى القدس و خطر ان يتحول الامريكيون الى اهداف انتقامية على المستوى الدولي. فالتحذيرات المتوالية التي تلقتها الادارة الامريكية من حلفائها للخطر الذي قد تتسبب به هذه الخطوة على المدى القصيرو الطويل اشارت بوضوح الى ارتفاع منسوب الخطر الامني مع ذلك اصرت الادارة الامريكية على اتخاذ هذه الخطوة مما يؤكد ان الولايات المتحدة اليوم لم تعد تأبه بحلفائها و نصائحهم او حتى مصالحهم.
هذا الواقع الجديد يشير بوضوح ان حلفاء الولايات المتحدة هم المعنيون باعادة النظر في طبيعة التعاطي مع الادارة الامريكية و البحث عن مخارج للازمات الناتجة عن السياسة الامريكية، و لو ان الجميع يدرك ان العلاقة الامريكية مع “حلفائها” هي علاقة تبعية و ليست تشاركية مما يعني ان قدرة التأثير المباشر للحلفاء على واشنطن تبقى محدودة جداً.
*خبير في الصراعات الدولية
المصدر: رأي اليوم
مصدر الصورة: جريدة ميدان التحرير