ياقوت دندشي*

وسط الأحداث الأخيرة التي فاجأت العالم بملف الصراع الأمريكي – الإيراني، لا بد من التساؤل بجدية: لماذا كل هذا الإصرار على أن استهداف قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، اللواء قاسم سليماني، سيؤدي إلى اندلاع حرب لا تبقي ولا تذر؟

إذا نزعنا عن الإغتيال أي ثوب عاطفي متسرع، سنجد أنفسنا أمام العديد من النقاط الواقعية التي تأخذنا إلى استنتاج أن الحرب بمفهومها التقليدي لن تحدث وحتماً ليس نتيجة هذه القضية، ولعدة أسباب أهمها:

1. في عقيدة الثورة الإسلامية الخمينية يعتبر “الإستشهاد” أمراً عادياً ومتوقعاً لا بل ومرغوباً، واللواء سليماني ليس حملاً وديعاً في عُرف الأمريكيين.

2. ليست إيران نداً للولايات المتحدة؛ وبالتالي، من غير المنطقي أن تدخل في حرب هي الخاسر الأكبر فيها من أجل أحد قادتها، وإن كان الأبرز، لأنهم ليسوا أغبياء ليتصرفوا بشكلٍ عاطفي وينتهي مشروعهم مع موت فرد.

3. ليس من مصلحة روسيا أن تعلن حرباً على الأمريكيين، فهي أيضاً لا تعتبر نداً لهم، ولديها خططها في الشرق الأوسط التي تستحق التروي لعدم خسارة أية مكتسبات حققتها أو ستحققها.

4. لا شك أن الأمريكيين كانوا قد وضعوا احتمالات الرد الممكنة كافةَ قبل تنفيذ العملية؛ وعليه، ولو أن نتائج العملية ستؤذيهم لما أقدموا عليها بتلك البساطة. وبكل الأحوال، فقد أعلنوا بالفعل نيتهم عدم التصعيد.

5. أن الرئيس دونالد ترامب مُقبل على انتخابات رئاسية، وربما هناك من نصحه بأن يستخدم اللواء سليماني كـ “كبش محرقة” لصالح دعم حظوظه في ولاية ثانية؛ وبكل الأحوال، تكون رسالة للإيرانيين أيضاً، وأنصارهم في العراق، مفادها بأن الاقتراب من السفارة الأمريكية في بغداد أو التحريض على اقتحامها ليس نُزهة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، تبعت برسالة لإيران والعالم أن البيت الأبيض لن يسمح بتوسع النفوذ الإيراني أكثر من الحدود التي تناسبهم، بمعنى آخر “للصبر حدود”.

6. قد يتمثل الرد الإيراني بإستهداف منشآت النفط في المملكة العربية السعودية، حليفة واشنطن الأبرز في المنطقة، ما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في سعر النفط.

7. إن الرد عبر جبهة لبنان – إسرائيل مستبعد، لأن ذلك سيدخل لبنان ككل في حرب بالوكالة هو في غنى عنها، إذ ليس منطقياً أن يجلب حزب الله الدمار للبنان فيما إيران تحتاج إلى تنفس الصعداء لمتابعة تقوية موقفها ونفوذها، وليس تقويضهما.

8.إن “شيعة” العراق، وخاصة أنصار إيران منهم وعلى رأسهم من باتوا يشكلون الحشد الشعبي، هم شركاء الأمريكيين في إسقاط الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، ومن ثم تسلُّم مقاليد الحكم في بغداد، مع التأكيد أن العراق بـ “جلالة قدرِه” لا يحكم نفسه منذ ذلك الوقت، بل يرزح تحت نوع مزدوج من الإحتلال العسكري والسياسي الأمريكي – الإيراني.

9. بالنظر إلى ما تعرضت له الثورة العراقية من قمع ممنهج، خاصة من جانب الحشد الشعبي، ربما يهم الولايات المتحدة الظهور بمظهر “الحليف الديمقراطي” لعموم العراقيين والنصير لحقهم في العيش بكرامة؛ وبالتالي، تستعيد واشنطن الإمساك بزمام الأمور وتعزز سيطرتها على العراق فيما روسيا توغل في التحكم بمصير سوريا، ما يستدعي الحفاظ على توازن تقاسم النفوذ في الشرق الأوسط.

10. في الوقت الذي يعتبر فيه المحللون المتسرعون أن إغتيال اللواء سليماني هو فعلٌ سيستتبع رد فعل خطير، تعتبر امريكا أن تلك العملية تأتي في خانة ردة الفعل على “تجاوزات” سليماني وطهران العديدة خلال العام 2019 على الأقل، ومنها تهديد المنشآت النفطية وناقلات النفط في الخليج وإستهداف مواقع أمريكية في كل من سوريا والعراق.

وعليه، ليس من الفطنة التأكيد على نشوب حرب عالمية مبنية على ردة فعل انتقامية عاطفية من إيران، وما سينتج عن القضية، كما هو ظاهر، هو إعادة خلط أوراق وليس قلب الطاولة على أحد.

*إعلامية لبنانية

مصدر الصور: جريدة الأخبار –  الميادين.

موضوع ذو صلةشبيب: إشتعال الفتيل الأمريكي – الإيراني يرقى إلى مستوى الحرب