منذ فجر التاريخ ونشوء الإنسان على هذه الأرض، أثبت الدين قوّته الوجودية، رغم الظروف الصعبة والمحرجة التي مر بها الدين والحركات الدينية في مختلف أنحاء العالم من معتنقيه ومحاربيه في أحيانٍ كثيرة.

إلا أن الدين بقي وعاش واستمر وما زال يمارس تأثيره الفعال والإيجابي على مجمل السلوك والوعي الإنساني وفقاً للأساس والمبدأ الأدبي والأخلاقي والإنساني الكبير الذي يتمتع به الفكر الديني على اختلاف أنواع وأشكاله، بالتالي إن الفكر الديني يملك اتصالاً مباشراً مع السياسة والقانون، الأمر الذي وضحه أفلاطون في الديانات اليونانية، مما يؤكد أن الفكر الديني والدين كانا وما يزالان يمارسان دوراً هاماً في حياة المجتمعات الإنسانية.

على سبيل المثال، كانت الكنيسة في السابق تولي اهتماماً كبيراً للعلاقات الدولية، أما في الشرق فإن التاريخ يظهر أن الدين مع السياسة والقانون كانوا قد شكلوا وحدة متجانسة، وفي أوروبا لعب الدين دوراً كبيراً وأساسياً في حياة المجتمع في القرون الوسطى، مثلاً كان الإمبراطور أو الملك كان يتطلب أن يحصل على المباركة في عمله من قبل الكنيسة في البدء، لهذا نجد أنهم ألزموا استخدام القوة المسلحة في نشر الديانة المسيحية (الحروب الصليبي) وهذا الأمر كان قد منح الباب الصلاحية بأن يكون حكماً في الخلاف بين الحكام.

ومن الملاحظ أن المعاهدات كانت تعقد وتوطد بالقسم الديني، ومن اللافت في هذا الأمر أن البابا كان يملك الصلاحية بإصدار العفو عمن يثبت أنه لم يفِ بقسمه أو يتقيد به.

وبالتالي، وبالنظر إلى الجوهر الحقيقي لمختلف الديانات (اليهودية والمسيحية والإسلامية والديانات القديمة الأخرى) التي كان سائدة في تاريخ اليونان والهند والصين وغيرها من مناطق العالم منذ ظهور سيدنا آدم عليه السلام، نجد أنها ديانات كانت قد حاولت العمل على تفادي قيام الحروب أو التقليل من إمكانية حدوثها، وذلك لما تجلبه الحروب عادة من ويلات وأزمات كارثية على المجتمع والإنسان، لكن بالمقابل نجد توفر قاعدة موحدة لدى جميع الديانات وهي الحض على السلام التي تهدف إلى تربية الإنسان وتهذيبه على روح المحبة والسلام، وذلك بمصطلح دولي قديم وحديث لدى الجميع وفي كافة اللغات (الله هو السلام)، كما نجد بعض القواعد الأخرى التي كانت تعطي الحصانة والامتياز لرجال الدين المتواجدين في أي معبد ديني وذلك في أوقات الحرب والسلم.

من هنا، إن الدين ما زال يمثل الأداة الأهم في السياسة الخارجية لكثير من بلدان العالم، هذا الأمر نجده عند الاعتراض على توقيع مختلف المعاهدات والاتفاقيات الخاصة بالتعاون المشترك في حال تعارضها مع القانون الدولي أو تعارضها مع قواعد الدين الإسلامي والمسيحي وغيرهما، وهذا هو المبدأ السائد لدى الكثير من رجال الدين ولدى مختلف الديانات.

مصدر الصورة: الجزيرة.

موضوع ذا صلة: الإرادة الحرة للاتفاق بين الدول

عبد العزيز بدر القطان

مستشار قانوني – الكويت