إعداد: يارا انبيعة

رغم التقارب الجغرافي بين كل من مصر والسودان والحدود الطويلة المشتركة بينهما، الا أن سياسات الدولتين آخذة في التباعد بإتجاهين متعاكسين، بدلا من النقاط المشتركة التي من المفترض ان تلتقي في مصالح الامن القومي لكل من القاهرة والخرطوم. مبررات وأعذار، قد تكون واهية وقد تكون جدية، ولكن جميعها سمح لتدخلات خارجية لتغيير مسارها وإيصالها الى “قمة الغليان” قبل الإنفجار، كإعطاء جزيرة سواكن السودانية لتركيا بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى الخرطوم.

سحب السفير السوداني

وصلت حدة الخلافات المصرية السودانية لأشدها بقرار سحب السفير السوداني في القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، بغرض التشاور، في 4يناير/كانون الثاني 2018، حيث صرح المتحدث الرسمي بإسم وزارة الخارجية السودانية، المستشار أحمد ابو زيد، أنه تم إخطار السفارة المصرية في الخرطوم رسميا بقرار استدعاء سفير السودان في القاهرة للتشاور. وقال أبو زيد إن مصر الآن تقيم الموقف بشكل متكامل لاتخاذ الإجراء المناسب.

وما زال قرار السلطات السودانيّة بسَحب سفيرها من القاهرة مثار العديد من التساؤلات في ظل التوتر المتصاعد بين البلدين، ودخوله مناطق محرمة من التراشق الإعلامي غير المسبوق، خاصة من الجانب المصري.

من جانبه أعرب الدكتور عصام خليل، رئيس حزب “المصريين الأحرار”، عن دهشته من قرار الرئيس السوداني عمر البشير، وقال فى بيان صادر عنه، إن قرار الرئيس السوداني إجراء لا يعكس طبيعة العلاقات بين البلدين، لأن قنوات الحوار مفتوحة على كل المستويات، وليست هناك توترات تدعو الرئيس البشير للإقدام على هذه الخطوة التي “نعتبرها تصعيداً غير مبرر ضد مصر”، متابعا بيانه بالقول “كنا نتمنى من الرئيس السوداني، بحكم التاريخ والجغرافيا، أن يُعلي مصلحة بلاده والشعب السوداني على أي مصالح ضيقة تمليها عليه مصالح دول أخرى، تسعى لتوتر علاقات البلدين.”

بدوره قال اللواء حمدى بخيت، عضو مجلس النواب، إن قرار وزارة الخارجية السودانية بإستدعاء سفيرها ، إجراء دبلوماسي حاد، وكان يتطلب إعلان ملابساته، خاصة مع دولة بحجم مصر. وأضاف، أن مصر تنتظر التوضيح من الجانب السوداني، الذي له الحق في استدعاء سفيره، كما أن القاهرة لا تبادر بقطع العلاقات أو إحداث توتر مع السودان أو أي دولة أخرى، مشيراً إلى أن سياسة مصر الدولية تتسم بالهدوء، والسودان أساءت كثيراً، خلال الفترة الماضية، بإنحيازها للموقف الإثيوبي تجاه بناء سد النهضة، فضلاً عن تعاونها مع دول “مارقة”، لها عداء مع مصر.

في المقابل، رجحت بعض المصادر الدبلوماسية بإمكانية عودة السفير السوداني الى القاهرة في وقت قريب.

الصراع على “المثلث”

العلاقات المصرية – السودانية تشهد توتراً على خلفية مزاعم الخرطوم بأحقيتها في مثلث حلايب وشلاتين الحدودي، إلى جانب موقف السودان في أزمة سد النهضة الإثيوبي، ووقوف السودان إلى جانب أديس أبابا ضد أحقية مصر في الحصول على حصتها كاملةً من مياه نهر النيل. إضافة إلى ذلك، يتهم السودان مصر بدعم المعارضة السودانية الأمر الذي نفت القاهرة صحته.

يعتبر مثلث حلايب وشلاتين، الذي يقع على الحدود الرسمية بين مصر والسودان على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر، بمساحة إجمالية تُقدر بنحو 20.580 كيلومتراً مربعاً توجد به ثلاث بلدات كبرى هي حلايب وأبو رماد وشلاتين، مدار نزاع حدودي بين البلدين، بحيث رفضت مصر أكثر من مرة دخول مسؤولين وبرلمانيين سودانيين إلى هذه المنطقة، كما ضمتها إلى دوائر الانتخابات المصرية التي جرت في مايو/أيار 2014، وهي الخطوة التي أثارت غضب حكومة الخرطوم.

النزاع أُثير مرة أخرى على المنطقة، بعد أياٍ من إعلان الحكومة المصرية، في أبرل/نيسان 2016، توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع السعودية، أقرت فيه القاهرة بأحقية الرياض في جزيرتي تيران وصنافير.

يبدو أن السودان قد رأى في الاتفاق المصري – السعودي فرصة سانحة لإثارة نزاعه مع مصر على المنطقة، مطالباً القاهرة بإنتهاج أسلوب مماثل لما اتبعته بشأن جزيرتي تيران وصنافير. من جهتها، تقول الخرطوم إن مثلث حلايب وشلاتين تراب سوداني، وإن السودان أودع لدى مجلس الأمن الدولي، منذ عام 1958، مذكرة يؤكد فيها حقه السيادي عليها، وإنه ظل يجددها منذ تاريخه.

بدورها، نفت السلطات المصرية تبعية المنطقة للسودان، وقد قال المتحدث بإسم وزارة الخارجية المصرية إن “حلايب وشلاتين أراض مصرية وتخضع للسيادة المصرية، فيما دعا السودان السلطات المصرية إلى قبول التحكيم الدولي كحلٍ للخلاف. في هذا الخصوص، يشترط موافقة طرفي النزاع لنظر الدعاوى أمام التحكيم الدولي.

الجدير بالذكر ايضاً، ان العلاقة السودانية – المصرية وصلت إلى توتر غير مسبوق، بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الخرطوم، في 24 ديسمبر/كانون الأول 2017، ومنحه جزيرة “سواكن” في حوض البحر الأحمر لإعادة ترميم آثارها المختلفة

سد النهضة

حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، من المساس بحصة بلاده من المياه، في إشارة إلى مخاوف من تقلص حصة مصر من مياه نهر النيل، على خلفية موافقة القاهرة وتحفظ كل من الخرطوم وأديس أبابا على تقرير استهلالي أعده مكتب استشاري حول التأثيرات المحتملة لبناء سد النهضة الإثيوبي على دول المصب.

وتضع إثيوبيا اللمسات الأخيرة في بناء سد النهضة، وهو أول سد كبير تبنيه على النيل الأزرق، بحجم 65.5 مليار متر مكعب، حيث يتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال تشييده خلال العام 2018، وستشرع أديس أبابا بعد اتمام خطوة البناء في ملء الخزان الذي يقع خلف السد بالمياه، الذي ينظر إليه بأنه سيكون أكبر سد في أفريقيا لتوليد الطاقة الكهرومائية.

كما وتخشى مصر من أن بناء السد، وما يتبعه من خطوة تخزين للمياه، سيؤدي إلى تأثيرات سلبية على حصتها من مياه النيل، وتدمير مساحات من الأراضي الزراعية لديها، فضلاً عن عدم توفير مياه شرب كافية لسكانها، الذي يتجاوز عددهم الـ 100 مليون نسمة، ويعانون بالفعل من نقص في الموارد المائية.

في المقابل، تقول إثيوبيا إن السد ضرورة لتطوير البلاد، وتؤكد أن للسد منافع لجميع الدول بما فيها دولتي المصب، مصر والسودان. وقد عبرت الخرطوم أكثر من مرة عن اعتقادها بأن سد النهضة سيكون له فوائد على دول المصب، على خلاف ما تخشاه القاهرة.

التواجد التركي

يشكل إعطاء جزيرة “سواكن” السودانية لأنقرة عاملاً مستفزاً بالنسبة لمصر، ما يعني أن تركيا ذات الصبغة الأخوانية أصبحت تمتلك مرتكزاً استراتيجياً بالقرب من مصر في البحر الأحمر وهو ما تعتبره مصر تهديداً غير مباشر للأمنها القومي حيث يشكل التقارب السوداني التركي عاملاً محفزاً للأخوان في مصر، وهو ما يثير مخاوف القاهرة من تحول السودان إلى “وسيط جغرافي” لدعم أخوان مصر من قبل تركيا وضرب الاستقرار السياسي في مصر بما يخدم مصالح انقرة واستخدام نفوذ جديد ضد مصر، خصوصاً وان الكثير من المراقبين بأن اعطاء الجزيرة لأنقرة يتعدى التراث الثقافي الى وجود عسكري مستقبلي.

مصدر الاخبار: وكالات

مصدر الصور: عربي 21 – سبوتنيك – الجزيرة