أبرمت ست من الدول العربية اتفاقيات سلام مع إسرائيل وهي موجتان: الموجة الأولى ضمت مصر ثم الأردن، أما اتفاق أوسلو فهو ليس معاهدة سلام بين فلسطين وإسرائيل، هو تكرار لاتفاق كامب دافيد للحكم الذاتي.

الموجة الأولى قالت مصر والأردن إنها اضطرت إلى إبرام اتفاقات السلام حتى ترد إسرائيل الأراضي التي احتلتها من مصر والأردن. وبالطبع فإن الضغوط الأمريكية لصالح إسرائيل هي التي صنعت التقارب بين مصر وإسرائيل ثم جاءت كامب دافيد والسلام ثمرة لهذا التقارب. فالأصل هو التقارب، وليست معاهدة السلام هي التي جلبت التقارب. ومادامت معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لاتعكس نتائج حرب أكتوبر التي تقول مصر إنها انتصرت فيها وتقول إسرائيل إن مصر انتصرت في البداية ولكن الثغرة التي تعاونت أمريكا مع إسرائيل في إحداثها قلبت النتيجة فأصبحت إسرائيل حسبما تقول هي المنتصر والدليل أن الاتفاق المصري الإسرائيلي المعروف باتفاق الكيلو 101 طريق السويس/ الإسماعيلية رفع هذا الاتفاق حصاراسرائيل للجيش الثالث المصري مقابل تعهد مصر بالمضي قدماً في التقارب مع إسرائيل تماماً كما سيطرت العصابات الصهيونية على معسكر الفالوجا عام 1948 ولم ترفع الحصار عنه إلا بعد أن وقعت مصر مع إسرائيل اتفاقية الهدنة في رودس (فبراير 1949) وانتصرت نظرية إسرائيل على قاعدة القانون الدولي التي كرستها الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن الشهير 242 وتقول إنه لايجوز كسب الأراضي بالقوة ومادامت إسرائيل هي المعتدية والبادئة باستخدام القوة فلابد أن تنسحب بلا مقابل.

ولكن نظرية إسرائيل أنها تعتدي وتحتل الأراضي رهينة مقابل رهن إرادة مصر وبالفعل نجحت إسرائيل في إرغام مصر على التخلي عن حقوقها السيادية وسميت اتفاقية السلام السلام لإسرائيل وهي أخطر كسب للمشروع الصهيوني لأنها طوعت مصر لتسهيل الاختراق الإسرائيلي بعد أن كانت صخرة عاتية في وجه المشروع الصهيوني. وكان لابد أن تطوع واشنطن مصر بطرد الملك والقضاء على مصر الغنية المستقرة ووضعها في مهب الريح ولذلك وصلت مصر إلى عام 1979 بعد أن دمرت مصر تماماً وكانت الهزيمة عام 1967 دليلاً على فساد العقلية الحاكمة ولكن إسرائيل تمسكت بهذه العقلية لأنها في مصلحتها. وكان الملك فاروق قد رفض الاعتراف بإسرائيل ومنعها من المرور في قناة السويس ثم أنه أرسل فرقة من الجيش لكي تحارب العصابات الصهيونية إشارة لأهمية فلسطين للأمن القومي المصري بالمفهوم الصحيح.

وقد جرت العادة أن اتفاقات الصلح كلها منذ فجر التاريخ لاتفرض وصاية دولة على الدولة الأخرى، ولكن معاهدة السلام مع مصر فرضت على مصر وصاية على سياساتها لدرجة أن واشنطن أعطت ضماناً لإسرائيل إذا جاءت إلى السلطة في مصر حكومة مستقلة لا تتعاون مع إسرائيل فإن واشنطن تسمح لإسرائيل باحتلال سيناء مرة أخرى.

أما نقاط العوار في الاتفاقية مع مصر فهي مجموعتان:

المجموعة الأولى: التخلي عن السيادة المصرية في سيناء وتقييد حركة الجيش ونوعيات الأسلحة تحت مسمى الترتيبات الأمنية في الملحق الأول للمعاهدة. ويتردد أن إسرائيل تتحكم بالاتفاق الودي في مصر في إعمار سيناء، فإذا كان الإعمار من وجهة نظر مصر هو إقامة كتلة سكنية في سيناء حاجزة للجيش الإسرائيلي إذا فكر في اجتياح سيناء، لكن إسرائيل لاتريد عائقاً سكنياً أمام حرية الجيش الإسرائيلي في التحرك في سيناء بعد أن ألزمت المعاهدة الجيش المصري بعدم تغطية سيناء ضد الغدر الإسرائيلي.

المجموعة الثانية: من القيود فهي تخلي مصر عن سيادتها وحقوقها السيادية؛

أولاً: فرض الاعتراف بإسرائيل والاعتراف سلطة سيادية إن شاءت الدولة الاعتراف أو الكف عن الاعتراف.

ثانياً: إزالة حالة الحرب.

ثالثاً: فتح قناة السويس أمام الملاحة الإسرائيلي والمهربات الحربية لم تعد مهربات وبالتالي إنشاء مجلس الغنائم بالإسكندرية لأنه مرتبط بالمهربات.

رابعاً: مرور السفن الإسرائيلية من معبر تيران ولابد من موافقة مصر المسبقة وفق المعاهدة رغم أن مضيق تيران ومياهه مياه داخلية من حق مصر أن تمنع مرور السفن بإرادتها ولا يجوز التخلي عن هذه القصة.

خامساً: إنشاء العلاقات الدبلوماسية قرار سيادي ومع ذلك فقد تضمنت المعاهدة التزاماً على مصر بإنشاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بل وخلال ستة أشهر.

سادساً: إنشاء بعثة دبلوماسية وبالذات على مستوى سفارة قرار سيادي، ولكن المعاهدة ألزمت مصر بإنشاء بعثة على مستوى السفارة.

أما اعتراف مصر بإسرائيل فهو صمام الأمان لبقاء إسرائيل من الناحية النفسية ولذلك فإن سحب الاعتراف وهو ممكن قانونياً ونأمل أن يكون ممكناً سياسياً في المستقبل هو أكبر عقوبة لاسرائيل إذا استقامت إرادة مصر فيما بعد إذا ضعفت الهيمنة الأمريكية على المنطقة وعلى مصر بالذات.

وإذا كانت معاهدات السلام في الموجة الأولى بررت مصر والأردن بأن تنازلاتها هي مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها إسرائيل خاصة وأن انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية وهي أراضي أردنية قبل أن يفك الملك حسين الارتباط احتراماً للقرار الدولي والعرب بأن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ومما يذكر أن السادات كان قد زعم أنه دعا ياسر عرفات إلى مؤتمر مينا هاوس عام 1978 ولكنه رفض فضيع على الفلسطينيين فرصة إقامة الدولة علماً بأن السادات كان قد تعهد بجلب ياسر عرفات للاعتراف بكامب ديفيد حول الحكم الذاتي فلما انضم عرفات إلى معسكر الرفض للتقارب مع إسرائيل كان السادات يكن له العداء. وكان اتفاق الحكم الذاتي ينص على حكم ذاتي للسكان وليس للأرض ولم يتضمن الدولة الفلسطينية.

أما الموجه الثانية من معاهدات السلام، فهي التي أبرمت عام 2021وسميت المعاهدات الإبراهيمية ولم تكن الدول الأربعة مرغمة على إبرامها سوى لإرضاء الولايات المتحدة في إطار مساندة واشنطن لمقاعد الحكم في العالم العربي. فالمغرب حصل على تجديد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء الغربية والسودان لم يستكمل مسار التطبيع مقابل رفعه من قوائم الإرهاب الأمريكية وإسقاط ديونه وهي تعويضات وهمية زائفة لواشنطن ولكن ثمن التطبيع هو استمرار الحكم العسكري بين البرهان وحميدتي اللذين اختلفا على الغيمة فبدأ الصراع المسلح بينهما يدفع ثمنه السودان كدولة والشعب السوداني البائس.

أما البحرين والإمارات ففي إطار العلاقات مع واشنطن التي تعتبر الاختراق الدبلوماسي الإسرائيلي للعرب أعظم إنجازات إدارة بايدن في ولايته الأولى.

فمعاهدات السلام الإسرائيلية العربية هي معاهدات إذعان بين الحكام وبين إسرائيل لحسابات تخص نظم الحكم فقد ساق السادات لتسويق المعاهدات عدداً من الأكاذيب بل إنه استصدر من مجلس الشعب المطيع قانون العيب لمعاقبة كل معارض للمعاهدة وهو خط في كل نظم مصر العسكرية بدليل أن اغتيال السادات أتبح مبارك الأكثر إخلاصاً في تنفيذ المعاهدة وكانوا يطلقون عليه في إسرائيل الكنز الاستراتيجي لإسرائيل فالمعاهدة بذاتها ليست قيداً على مصر في سياساتها الإقليمية وتجاهل إسرائيل بل إنه ليس ما يمنع أن تؤيد مصر المقاومة ضد إسرائيل مادامت إسرائيل لاتلتزم في المعاهدة بعدم الإضرار بمصر.

وأخيراً، فهم الحكام العرب معاهدات السلام كما تريدها إسرائيل، ولكن إسرائيل تفرق بين المعاهدة التي لاتمنع تجدد الحرب واستمرار الصراع السياسي وكان مبارك يتباهى بأنه لم يقع في عهده حرب مع إسرائيل، ولماذا تحاربه إسرائيل وهو ينفذ كل تعليماتها.

والصحيح أن معاهدة السلام تضع قواعد للعلاقات في المستقبل لتجنب الصدام العسكري لكنها لا تنهي الصراع السياسي.

مصدر الصورة: AP.

إقرأ أيضاً: التطبيع المغربي – الإسرائيلي: بين المكاسب والمخاطر

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر