بعد انتهاء هذه الملحمة العظيمة التي سجلت مكاسب لا رجعة فيها ضد إسرائيل ومشروعها الصهيوني، نعتقد أن النتيجة لا تخرج عن أحد أمرين: إما فناء إسرائيل -وهو المتوقع- ومعه الحكام العرب الحلفاء لإسرائيل، الذين يفصلون بين مصالح أوطانهم ومصالح نُظمهم، فتكون الديمقراطية أسهل وأكثر مجاعةً في حل مشاكل المنطقة العربية دون صدامٍ مع الحكام.

النتيجة الأخرى هي أنه لا قدر الله قضت إسرائيل على المقاومة، فسوف لن تستقر المنطقة، وإنما نبض الفلسطيني وتمسكه بأرضه يمنع من استقرار إسرائيل.

وباختصار فإن القضية الفلسطينية ستتحول إلى القضية الإسرائيلية، ويصبح مصير إسرائيل في خطر كبير خصوصاً أن المقاومة تمكنت من كسر هيبة الجيش الإسرائيلي، وهذه الهيبة لازمةٌ لاستقرار المواطن اليهودي في إسرائيل وجلب المواطن اليهودي من خارج إسرائيل في إطار صفقة القرن وترتب على ذلك الهجرة العكسية من إسرائيل إلى خارجها ومنها شخصيات كبيرة تولت رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع.

والنتيجة الثانية هي أنه لا مستقبل لصفقة القرن، والنتيجة الثالثة هي اضطراب الوضع الداخلي في إسرائيل ويقظة مواطني إسرائيل على حقائق كشفتها المقاومة، وأهمها أن إسرائيل تُفضل قتل الرهائن على المساومة عليهم حتى لا تخسر هيبتها أمام العدو، وترتب رابعاً على ذلك أن المواطن الفلسطيني أكثر حرصاً على الأرض من المواطن الصهيوني الذي يدرك تماماً أنه لص وأن الفلسطيني هو صاحب الأرض، ويترتب على هذه الملحمة أمور كثيرة جوهرية: أولها أن الغرب يُعادي الإسلام والمسلمين، وما كان له أن يتكتل مع إسرائيل لو لم تكن حماس منظمة إسلامية، وهذا ذكر الغرب بالفتوحات العثمانية التي أرهقت أوروبا في العصور الوسطى، ولا تزال هذه الفكرة تحرك الغرب ضد تركيا وضد الإسلام والمسلمين.

ثانيها أن الغرب ثبتَ أنه يرفع شعارات حقوق الإنسان دون أن يفي بهذه الشعارات، وأنه يُميز بين الإنسان الأبيض الأوروبي وبين الإنسان خارج أوروبا والصورة واضحة في المقارنة بين أوكرانيا وبين غزة.

ثالثها أن المقاومة إذا انتصرت -وهذا ما نأمله- سوف تُكرس استقلال الدول العربية جميعاً، وإحراج الغرب وتغيير النظام الدولي الذي يُهيمن عليه الغرب وهذا يتفق مع المصالح الروسية والصينية دون أن تتدخل الدولتان في إحداث هذه النتيجة.

ورابعها أن قواعد جديدة للتعامل بين المسلمين والغرب سوف تنشأ، ووضع الأقليات الإسلامية في أوروبا سيقوي ويترتب على ذلك أن نزعة أوروبا نحو طرد المسلمين؛ خوفاً من مغالبتهم على السكان الأوروبيين سوف تهزم ويتوقع أن يحكم المسلمون أوروبا في نهاية هذا القرن ويحيون أمجاد الأندلس.

خامسها أنه إذا كانت أوروبا أهدرت هيبة القانون الدولي، فإن العرب المسلمين يجب أن يتمسكوا بهذا القانون؛ لأنه لا يمكن التضحية بتراث المجتمع الدولي عبر قرنين من الزمان.

سادسها أن التيارات الإسلامية سوف تزدهر، ولكن نُطالبها بعقلية جديدة بحيث لا تسعى إلى السلطة، وإنما تسعى السلطة إليها، ويترتب على ذلك أن الدعوة الإسلامية شيء وممارسة السلطة شيء آخر مختلف، كما يترتب على ذلك سقوط محاولات الفصل بين السياسة والدين، فالدين هو الحياة والسياسة هي الوجه الآخر للحياة.

وقد يصح أن ينطبق ذلك على أوروبا المسيحية؛ لأن تاريخ أوروبا والصراع بين الكنيسة والدولة لا يعرفهما العالم العربي والإسلامي، وبذلك فإن نقل الفكرة وهي الفصل بين الدولة والدين إلى بيئة أخري مخالفة يُميت البذرة ولابد من تطوير نظرية للسلطة في العالم الإسلامي بعيداً عن تهويمات الجماعات الإسلامية والدراويش.

مصدر الصورة: جلوبال برس

إقرأ أيضاً: التواطؤ الدولي الإقليمي ضد الفلسطينيين

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر