عوامل أساسية تحكم الموقفين الإسرائيلي والأمريكي من عمليات غزة وإبادتها:

العامل الأول هو أن عقلية الصهاينة أظهرت أنهم يضعون أهدافاً قصوى أو استراتيجية ثم ينفذونها بالتدريج حسب الظروف. فمثلاً المشروع الصهيوني أساسه تفريغ فلسطين من سكانها وإحلال اليهود محلهم ولكنهم تستروا ونفذوا المشروع بالتدريج مع أدوات أخرى منها استنعاج الحكام العرب الذين دلسوا على شعوبهم وفرضوا وصايتهم على فلسطين بذريعة القومية العربية وراح الكتاب العرب يختلفون ويتجادلون حول طبيعة الصراع مع إسرائيل هل هو وجودي أم حدودي أم ديني أم حضاري أم أيديولوجي رغم أن القضية واضحة وهي إغارة اليهود بمساعدة كل الغرب وفي مقدمتهم بريطانيا العظمى التي أحسنت التخطيط وترتيب أوضاع مصر والعرب عموماً بحيث تضمن الحياة لإسرائيل ومشروعها الصهيوني.

من أدوات التدليس قرار التقسيم ثم اتفاقية الهدنة مع مصر التى أرغمت مصر عليها حتى تحرر جيشها المحاصر في الفلوجة، ثم قرار بريطانيا وأمريكا برحيل الملك بعد محاولات تطويعه. ثم رتبت خلافته بالحكم العسكري. ثم استبشر الفلسطينييون خيراً بشعارات القومية العربية والوحدة العربية التي ستجمع الأمة وتحرر فلسطين وتخرج السرطان وبالفعل كان رأي عبد الناصر أن يعود اليهود إلى بلادهم لكي تخلو فلسطين لأهلها ولكن المشكلة أنه كان شعاراً ضمن الشعارات الصاخبة فأبد الحكم العسكري وقضى على إنسانية الإنسان وكان همه كيف يضيع عقل المواطن ويحكم قبضة نظامه على الشعب.

وتقييم دور نظام عبد الناصر في القضية يحتاج إلى دراسة متأنية.

وتنوعت أدوات إسرائيل منها استئناس الحكام العرب بمساعدة واشنطن بحيث صار مصير إسرائيل مرتبطاً بمصير الحكام وأوهمونا أن زراعة إسرائيل في المنطقة هو خدمة للمنطقة وميلاد الشرق الأوسط الجديد برؤية شمعون بيريز حيث تضفي إسرائيل الطابع الديموقراطي على النظم العربية علماً بأن الاستبداد العربي هو خير ضمان لبقاء إسرائيل ولذلك سارعت إسرائيل إلى قمع ثورة الشعب المصري في يناير 2011 وتضامنت مع قوى الثورة المضادة. واعتمدت إسرائيل أيضاً على الأكاذيب وسياسة الاغتيالات وإرهاب الشعوب العربية. ولذلك كان الحكام العرب بصورة خفية سنداً لإسرائيل ضد المقاومة بتعليمات أمريكية وحرصاً من الحكام على كراسيهم ومع ذلك لا يزالون يرددون شعارات بلهاء هو أن القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى.

وخلاصة هذا العامل هو أن إسرائيل هدفها الأساسي إزالة المقاومة التي كسرت هيبة الجيش وبسط سلطة السلطة على غزة وتوطين الفلسطينيين في مصر والأردن وبدء تنفيذ المشروع الصهيوني ولكن إسرائيل لن تحيد عن هذا الهدف ولكن نظراً لارتفاع ثمنه وخسائره سوف نؤجله وتنظر في وسائل أخرى لتنفيذه.

العامل الثاني: ثبت أن إسرائيل أهم من أوكرانيا ولذلك ترك الغرب أوكرانيا لصالح التركيز على إبادة غزة ولذلك قد يكون للتسوية في أوكرانيا حافزاً لروسيا لترميم الجسور مع الغرب وعدم التدخل ضد إسرائيل.

العامل الثالث: أن واشنطن متفقة تماماً مع إسرائيل على تحقيق أهدافها في إبادة الشعب وإزالة المقاومة ولكن التصريحات الأمريكية متناقضة وتعلم واشنطن أن إسرائيل مصرة ولذلك تنصح برفق خوفاً على المصالح الأمريكية رغم هذا الانكشاف الكبير للمواقف الغربية والعربية وقد ظهر أن الشعارات العربية والأمريكية فارغة عندما يساعدون في الإبادة.

العامل الرابع: وحدة مصير إسرائيل والحكام العرب ولذلك يتساندون ضد رغبات الشعوب في المنطقة وقد ظهر أن هؤلاء الحكام لايملكون القرار كما أنهم لا يمثلون شعوبهم بل لايعترفون بهم.

العامل الخامس: أن إسرائيل وأمريكا تحاولان تفكيك معسكر المقاومة وتمتين المعسكر الصليبي الموالي لإسرائيل وتبديد فكرة وحدة الساحات.

العامل السادس: أن إسرائيل تشعر دائماً أن وجودها مهدد ولذلك ليس لديها أى مقدسات قانونية أو أخلاقية أو دينية كما أن صهاينة إسرائيل يزعمون أنهم ينتمون إلى اليهودية وفق التوراة التي ألفوها.

العامل السابع: تظاهر واشنطن بالإنسانية في إطار المواقف الأمريكية الإجرامية المتناقضة ومثال ذلك تعلن واشنطن أنها توافق على استمرار القصف ولكن مع مراعاة المدنيين رغم أن أول أهدافها إبادة الشعب وخاصة المدنيين حتى ترغم المقاومة على التسليم.

مصدر الصورة: أرشيف سيتا.

إقرأ أيضاً: الحجج الغربية والإسرائيلية لإقناع مصر بالتوطين

السفير د. عبدالله الأشعل

سفير سابق ومساعد وزير الخارجية الأسبق / أستاذ محاضر في القانون الدولي والعلاقات الدولية – مصر